الجمعة 2020/01/17

آخر تحديث: 20:40 (بيروت)

جورج غانم و"حقده الطبقي"

الجمعة 2020/01/17
جورج غانم و"حقده الطبقي"
اعتصامات أمام المصارف في شارع الحمرا (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease
المقاربة الطبقية التي أعطاها الاعلامي المخضرم، جورج غانم، للهجوم على فروع المصارف في الحمراء، بوصفها "حقداً اجتماعياً وطبقياً"، تختزل تصورات كثيرين عن التحركات الاعتراضية على سياسات المصارف وإجراءاتها الاخيرة، بالنظر إلى انه لم ينظر اليها على أنها "ردّ فعل على فعل"، بل أخرجها من سياقها الى سياق الثورات العربية التي اختزلها أيضاً في الصراع الطبقي.


فما قاله غانم، يمثل جزءاً من صورة عامة تتردد، منذ ليل الثلاثاء الماضي، في الصالونات السياسية ومجالس رجال الأعمال، وتتحدث عن أن ما جرى مرتبط بـ"حقد طبقي". يستند بعض هؤلاء الى تقارير أمنية أشارت بوضوح الى ان معظم المشاركين في الهجمات على الفروع المصرفية، ينتمون الى تيارات وأحزاب يسارية بما يتخطى الاحزاب والتيارات الممثلة في السلطة التنفيذية. وأن الآخرين من هؤلاء، ليسوا سوى أفراد مقابل ثقل المشاركة اليسارية.

وليس مستهجناً على الطبقة المنتفعة من النظام النقدي اللبناني، النظر الى أحداث الثلاثاء على أنها "حقد طبقي" ضد المصارف. لكن المستهجن، تسويقها على هذا النحو، في برنامج سياسي ومحطة يفترض أنها داعمة للانتفاضة الشعبية ضد السلطة السياسية وأعوانها في النظام المالي اللبناني.

والتصوّرات عن الربيع العربي، تحتمل في بعض جوانبها هذا الجانب الطبقي، وهو ملف خاضع للنقاش، بينما لم تكن الانتفاضة اللبنانية على هذه الصورة، ولم يعدُ التحرك ضد المصارف كونه ردّ فعل على اجراءات غير قانونية يعترف بها غانم، حين أكد أن هناك "كابيتال كونترول" يُطبّق خارج القانون.

وقال غانم في اطلالته: "هناك مشهد ذكرني بليل 16-17 ايلول 1975، ليلة احتراق الأسواق اللبنانية، يومها أُعلنت نهاية الدور الإقليمي للبنان كنقطة جذب للمنطقة". ورأى أن ما شاهده، ذكّره ببدايات الحرب اللبنانية، مضيفاً: "الحقد الاجتماعي والطبقي بطريقة التدمير والتكسير التي تحصل، ذكرني بأحزمة البؤس، وبهجوم الريف الذي حصل في الثورات العربية على المدن وأراد الانتقام منها" مستشهداً بـ"ريف حلب وريف دمشق والغوطة"، معتبراً أنه "خطير ويحتاج الى معالجة على المستوى الاجتماعي والسياسي".

والتصور عن الحدث السوري بوصفه ثورة الريف على المدينة، ليس الأول، وظهر في قراءات متعددة للثورة الممتدة منذ 8 سنوات، مع انه يحتمل نقاشاً كثيراً، على ضوء معطيات أهم، تتعلق بنظام حكم مستمر منذ أكثر من أربعين عاماً، أعطى امتيازات مادية واقتصادية لشرائح واسعة، لا تقتصر على طائفة أو فئة، وأقصى الريف عن التنمية، ما اضطر "الريفيين" إلى الثورة عليه. ويدل أتباع نظرية الريف والمدينة على امتناع المدينة عن السقوط في أيدي المعارضين، في مقابل سقوط الأحياء المهمشة فيها التي استقطبت أبناء الريف، فأخرجوها عن سيطرة النظام كامتداد لخروج الأطراف من قبضته.

في الحالة السورية، قد يكون هناك جانب، لكنه ليس الأول. ذلك أنه، في أحداث حماه، حينما أطلق رفعت الأسد أيدي العلويين ضد أهل المدينة، لم يكن المعيار المذهبي هو وحده الدافع، بل ترافق مع حقد طبقي من سكان الريف (العلويين في ذلك الوقت) ضد سكان المدينة (السنّة) الذين كانوا يستقطبون العلويين للعمل بثمن بخس في منازلهم، حسبما يقول عالم الاجتماع الفرنسي الراحل جورج سورا في كتابه "سوريا الدولة المجرمة". لكن في لبنان، لم يكن هناك اي سيّد، أو عامل يُستعبد، على الأقل منذ 25 عاماً، رغم تدني المستوى المعيشي وتفاوت مستوى معيشة المنتمين لتلك الطبقات الاجتماعية.

لكن ما أسقطه غانم من الحسابات، هو أن القاسم المشترك بين اللبنانيين المنتفضين على المصارف والطبقة السياسية من جهة، والسوريين المنتفضين على "المدينة" بما ترمز إليه مركز سياسي واقتصادي يستحوذ على الحصة الأكبر من التنمية والرفاهية، هو إمعان النظام التشابكي بين السياسة وعالم المال بتسطير آلية للحكم، أفقرت قسماً كبيراً من الناس، وغطت المصارف أخيراً لحجز ودائع أفراد الطبقة الوسطى والثرية من خلال إجراءات يؤكد غانم أنها غير قانونية.

فالسلطة في لبنان ما بعد الحرب، كان بعضها مرتهناً لأصحاب المال، ومن ضمنهم المصارف، حتى العام 2000. أما بعد هذه المرحلة، فباتت للمال كتلة نيابية، وحصة وزارية، بعدما تغول في مؤسسات الدولة المُقرِّرة (البرلمان والحكومة)، وتوسع منها الى وسائل إعلام "تأكل من خبز السلطان فتضرب بسيفه"، وهو ما وضع سلُطات ثلاث في أيدي المصارف: التشريع والتنفيذ والاعلام، تلك التي تقوض سلطة القضاء عن إصدار أحكام قضائية لصالح المودعين.

ما جرى ليل الثلاثاء، لم يكن أكثر من نتيجة لإجراءات غير مسبوقة وغير قانونية اتخذتها المصارف. حين تنفذ المصارف قرار السلطة السياسية بتعديلات قانونية، سيتم تحييدها بالتأكيد عن ردّ الفعل. خلافاً لذلك، هي شريكة في صناعة أزمات البلد، حتى تثبت العكس.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها