الإثنين 2019/09/16

آخر تحديث: 17:40 (بيروت)

"مرايا" جديدة في رمضان...لكن مَن يذكُر "مساكين" 1969؟

الإثنين 2019/09/16
"مرايا" جديدة في رمضان...لكن مَن يذكُر "مساكين" 1969؟
لطالما استفاد ياسر العظمة من الأماكن والشخصيات الرمزية
increase حجم الخط decrease
جزء جديد من المسلسل الشهير "مرايا" سوف يتمّ إنتاجه في دبيّ ليكون جاهزاً للعرض في رمضان 2020. هذا ما أعلنه ياسر العظمة نجم المسلسل مؤخّراً، وسيكون هذا الجزء بعد توقّف ستّة أعوام كاملة للمسلسل الذي يقوم على تقديم مجموعة من القصص الساخرة والناقدة في كل حلقة. 
منذ العام 1982 كان مسلسل "مرايا" ضيفاً على المشاهدين كلّ رمضان، وهو من تأليف ياسر العظمة وانضمّ له بعض المؤلفين في أجزاء لاحقة في أواخر التسعينيات، وقد تعاقب على إخراجه العديد من المخرجين لكنّه حافظ على شكله العام لوحات كوميدية ساخرة تتراوح مواضيعها بين الاجتماعي والسياسيّ، كذلك تتراوح جرأتها بين الانتقاد السياسيّ المباشر أحياناً وانتقاد بعض الظواهر الاجتماعية والاقتصادية في سوريا، ممّا يشفي غليل المشاهد الذي يرى مشاكله تُطرح على الشاشة فيطمئنّ إلى أنّ "المسؤولين" قد علموا أخيراً وسوف يعملون على حلّ هذه المشاكل حتماً. 

ومن الملاحظ بوضوح أنّ "مرايا" في أجزائه جميعها، كان يُقدّم أماكن وشخصيات رمزية، فهو لم يسمِّ ولو لمرّة واحدة حيّاً من أحياء دمشق أو مدينة من مدن سوريا، ربّما كان هذا الأمر يُساعد على "تمرير" جرعات الجرأة المتزايدة والتي وصلت حدوداً بعيدة اعتباراً من عام 1997، ومن المعروف أنّ الرقابة في سوريا تتساهل كثيراً مع الكوميديا، الأمر الذي أسهم في دفع "مرايا" نحو درجات جرأة لم يسبقه إليها أحد.

ولا يعتمد "مرايا" على أي رابط درامي بين حلقاته أو لوحاته، ربّما الرابط الوحيد هو وجود ياسر العظمة وحضوره الطاغي، ويبدو أنّ المشاهد قد تواضع على قبول هذا الرابط الذي هو خارج الدراما، واستمتع بأداء ياسر العظمة الكوميديّ الظريف والأهداف الطوباوية التي تطمح أغلب حلقات المسلسل إلى جعلها أهداف المواطن بشكل عام دون طرح أي شكل أو إشارة إلى السبب الحقيقي وراء المشاكل أو طريق إلى معالجتها. 

ظهر الكثير من الأعمال بعد "مرايا"، يستلهم روحها لجهة اللوحات القصيرة الناقدة والكوميديا، لكنّ هذه الأعمال افتقدت دائماً الى حضور النجم، حتّى ظهر مسلسل "بقعة ضوء" العام 2001 الذي أخذ شكل "مرايا" العام من حيث تقديم لوحات قصيرة ساخرة، لكنّه لم يعتمد على نجم واحد بل كان فيه حضور شديد التنوّع للممثّلين، وقد تعاقب على إخراجه العديد من المخرجين، شأنه شأن "مرايا".

تكفي العودة إلى الماضي قليلاً لنكتشف أنّ "بقعة ضوء" أو حتّى "مرايا" لم يكونا السبّاقين إلى تقديم هذا النوع، ولم تكن جرأتهما، مهما بلغت من حدود، أبعد من جرأة أعمال سبقتهما في أواخر الستينيات وكان صاحبها الفنان عمر حجّو، فهو الذي ابتدع "مسرح الشوك" العام 1968، وكان عبارة عن لوحات مسرحية منفصلة شديدة الجرأة سياسياً واجتماعياً، وبعدها قدّم عمر حجّو اقتراحه الأهم في التلفزيون وهو مسلسل "مساكين" من إخراج سليم صبري عام 1969، ويقوم على عرض قصص ونماذج مختلفة من المجتمع السوريّ، وكانت مواضيعه محليّة بامتياز، بينما كان مرايا يعتمد في الكثير من حلقاته على تعريب قصص من الأدب العالمي الساخر. 




ويتميّز "مساكين" بأنّه ابتدع حكاية بسيطة هي بمثابة رابط درامي يُبرّر تقديم عدد كبير من القصص والشخصيات، حيث يُقدّم لنا منذ البداية شخصية البقّال أبو محمّد "أدّاها عمر حجّو بنفسه" الذي يغشّ في رمضان ويُصاب بتأنيب الضمير فيلجأ إلى الشخصية الرئيسية الثانية المختار أبو حسن "أدّاها ياسين بقّوش" فينصحه بالذهاب إلى شيخ الجامع الذي يفتي بأنّ على أبي محمد إطعام ستّين مسكين، وهكذا تبدأ رحلة البحث عن المساكين والتثبّت من أنّهم مساكين فعلاً كي تستقيم توبة أبي محمد. 

وتبدأ رحلة طويلة وممتعة تمتدّ إلى جميع نواحي الحياة ويتنوّع المساكين وأسباب "مسكنتهم" عبر معالجات طريفة وشديدة الالتصاق بالواقع، وبإصرار واضح على إظهار المكان والزمان، هي دمشق أو ريفها، حلب أو درعا، يتمّ تحديد الأماكن وأسماء المدن، وحتى أحياء دمشق يتمّ تعدادها في إحدى الحلقات بشكل طريف يؤكّد على محليّة العمل وإصراره على تأكيد واقعيته وصدق حكاياه التي تتراوح بين قصص بسيطة لفقراء تمّ النصب عليهم، أو أغنياء افتقروا بسبب طمعهم وجشعهم.

كذلك كان لافتاً في "مساكين" خروج المخرج بكاميراته إلى شوارع دمشق وأسواقها في مشاهد نادرة، حيث كان التصوير الخارجي يستلزم الكثير من الجهد في ذلك الوقت، ويُمكن رصد ظهورات كثيرة لممثّلين أصبحوا نجوماً فيما بعد، بينهم ياسر العظمة نفسه الذي أدّى أدواراً غير رئيسية في حلقات المسلسل.

ومن اللافت أيضاً ظهور شخصية أبو عنتر للمرّة الأولة بمواصفاتها نفسها التي رأيناها في مسلسل "صحّ النوم" من تأليف نهاد قلعي بأداء الفنان ناجي جبر، لكنّها في "مساكين" كانت للممثل أحمد طرابيشي، وبنفس المفردات والصفات، فهو "خرّيج الحبوس" و"المشكلجي" والجاهز دائماً لخدمة الشرّ دون النظر إلى أي جانب أخلاقيّ.

يقول عمر حجّو في آخر كلّ حلقة من "مساكين": "هلّق هدول مساكين؟! لك نحنا المساكين". ويبدو أنّه كان ينطق بلسان عمر حجّو الفنان وليس الشخصية التي يؤدّيها، فرغم استفادة الجميع من ريادته في هذا النوع لم يقم أحد بذكره أو بالتعاون معه بشكل جدّيّ، حيث لم يظهر في "مرايا" أبداً، ولا في "صحّ النوم"، وكانت له مشاركات قليلة في "بقعة ضوء" حيث أخرج ثلاثة أجزاء منه ابنه الليث حجّو الذي صرّح أكثر من مرّة أنّ "بقعة ضوء" مستوحى من مسرح "الشوك"، لكنّه لم يعترض أبداً على ادّعاء باسم ياخور وأيمن رضا ملكيتهما لفكرته!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها