الخميس 2019/08/08

آخر تحديث: 16:10 (بيروت)

مراسل "لوموند" في بيروت.. هُدّد بالخطف لمبادلته بجورج عبدالله؟

الخميس 2019/08/08
مراسل "لوموند" في بيروت.. هُدّد بالخطف لمبادلته بجورج عبدالله؟
بنيامين بارت تلقى التهديد في العام 2015، ووثقها في تجربته المنشورة في "لوموند" هذا الاسبوع
increase حجم الخط decrease
اثنا عشر صحافياً يشكلون، تقريباً، مجمل مراسلي صحيفة Le Monde خارج فرنسا. عبر صفحات جريدتهم الفرنسية، يتناوبون منذ عشرة أيام على الإدلاء بشهاداتهم حول طبيعة وظروف عملهم في تغطية الأحداث، وخصوصاً الخصوص العوائق التي تواجههم. 

الملفت في هذه السلسلة أن كل مراسل من المراسلين، طرح اشكالية مختلفة عن الآخر وفقاً للبيئة التي يعمل فيها: مراسلة الصحيفة في موسكو، ايزابيل موندرو، تطرقت إلى العلاقة المتوترة بين السلطات الروسية والصحافة الأجنبية.

هو توتر يواجهه أيضاً فريدريك لوميتر مراسل الصحيفة في الصين الذي لم يتمكن من الالتحاق بعمله إلا بعد تدخل رئيس الوزراء الفرنسي، معددا المواضيع التي تحظر السلطات الرسمية الصينية تناولها، مواضيع لا يمت بعضها للسياسة بصلة، لكنها لسبب ما تعتبر حساسة كالتصحر أو الاتحاد النسائي لكرة القدم.

وانسحب هذا التوتر كذلك إلى مراسل Le Monde في تل ابيب، ليس فقط على الصعيد الرسمي بل أيضاً على المستوى الشعبي، أمرٌ لمسه بيوتر سمولار من خلال تواصله اليومي مع الإسرائيليين.

زميلهم في لندن اختار الحديث عن المطبات اللوجستية التي وضعت في دربه، ما أعاقه عن تغطية استفتاء "البريكست" من قُرب.

من ناحيته تناول مراسل واشنطن حالة الجفاء السائدة بين الصحافيين والبيت الأبيض منذ انتخاب ترامب رئيساً. أما مراسلا بروكسل (عاصمة الاتحاد الأوروبي) وألمانيا، فاختارا التطرق إلى كيفية تأقلمها المهني مع هاتين البيئتين، لا سيما في ألمانيا حيث يختلف النظام السياسي والمؤسساتي عن فرنسا، ما شكل نوعاً من الصدمة لتوماس فيدير. من جهته، اعتبر جان فيليب ريمي أن عمله في أفريقيا جعله يلمس التحولات التي تشهدها القارة السمراء على مختلف الصعد والأهمية التي ستحتلها هذه البقعة الجغرافية في المستقبل. 

وليس من المبالغة القول أن العنوان الذي اختاره مراسل الصحيفة في لبنان كان الأكثر تميزاً مقارنة بزملائه. عنوان صادم للقارئ الفرنسي: "في لبنان... ماذا لو اختطفناك؟" 

فأواخر العام 2014 استقر بنجمان بارت في بيروت كمراسل للـLe Monde في لبنان ودول الجوار. وحتى يوطد صلاته بالوسط الإعلامي اللبناني، استفاد من الاعتداء على "شارلي ايبدو" (بداية العام 2015) ليستطلع آراء أبرز الصحافيين اللبنانيين. أحد الذين التقاهم أراد استفزازه، فسأله عما سيكون ردّ فعله، إذا ما تم اختطافه لمبادلته بأحد المسجونين اللبنانيين في فرنسا، وهو جورج عبد الله.

أدرك بارت أن ما سمعه ليس إلا رسالة أراد المعني إيصالها وإن بطريقة فجة، أمرٌ أكده في ختام مقاله ثم عاد وشدد عليه في اتصال مع "المدن". لكن مجرد استعادة هذه الموقف واختياره عنواناً سيحفز القارئ الفرنسي للاطلاع على ما كتبه بارت. فعمليات الاختطاف المتفرقة التي طاولت 12 فرنسياً (من ديبلوماسيين وصحافيين وأكاديميين) خلال الحرب الأهلية لا تزال حاضرة وبقوة في ذاكرة كل فرنسي عاصر حقبة الثمانينيات، لأسباب عديدة.

ففي بداية كل نشرة من نشرات Antenne 2 كان لا بد من التذكير بهذه القضية، من جهتها اختارت بعض البلديات إثارة الموضوع بصورة رمزية عبر جلب أرزة ووضعها داخل قفص في ساحة عامة، من دون أن ننسى النهاية المأساوية لميشال سورا.

لكن حتى النهايات السعيدة لباقي الرهائن لا تزال حتى اليوم مادة للجدل والتراشق السياسي إن لناحية طرح علامات الاستفهام حول التوظيف السياسي لصفقات الافراج أو الغموض الذي لا يزال يحيط ببعض منها لا سيما لناحية الثمن الذي تكبدته فرنسا

فهل كان الصحافي اللبناني المذكور على دراية بحساسية هذه المسألة لدى الفرنسيين فاختار تعليب رسالته بهذا القالب عن عمد؟ أمرٌ يصعب التكهن به. على أي حال، يبقى العنوان الذي اختاره بارت، كما مقدمة مقاله، عامِلَي جذب للقارئ الفرنسي، خصوصاً أن الكلام وجهه صحافي لزميل له.  

لكن ليست هذه الاشكالية التي أراد مراسل الصحيفة المقيم في بيروت طرحها. فكما سبق وذُكِر آنفاً، لا ينحصر عمل بارت في لبنان، بل يشمل المنطقة ككل، أي أنه يعمل في بيئة يشكل فيها الصحافيون "مصدر قلق"، على حد وصفه خلال الاتصال به. واقع يعيق بارت عن التحرك بحرية إلى مكان الحدث، خصوصاً لملاحقة التطورات في سوريا، إما بسبب رفض السفارة في بيروت منحه التأشيرة اللازمة "لافتقاده للمهنية والموضوعية" (على حد وصف السفارة) أو التزاماً منه بقرار إدارته بعدم المغامرة بالتوجه للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام.

كلها عوامل دفعت مراسل الصحيفة الفرنسية للتردد على نقاط حدودية في الأردن وتركيا، بغية الاقتراب قدر الإمكان من مكان الحدث، أو التواصل من بيروت مع الجهات الفاعلة، تواصل دونه عوائق لوجيستية من انقطاع الكهرباء إلى الخدمة السيئة لشبكة الإنترنت. وتجدر الاشارة إلى أن تكبيل حركته لم يعد متوقفاً على سوريا، بل يشمل دولاً أخرى كمصر والخليج. 

في المقابل وعلى قاعدة المقارنة بين مختلف البلدان التي قصدها، يعتقد بارت أن لبنان ما زال يمثل استثناء في محيطه، لناحية حرية العمل الصحافي، فتاريخ البلد وإرثه السياسي يطغى على حاضره. طبعاً ليست خافية على مراسل Le Monde محاولات التضييق على الحريات العامة، إلى جانب التمويل السياسي الذي تحظى به وسائل الإعلام، والاستدعاءات إلى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية. وهي أمور سلبية بلا شك، لكنها تتقلص أمام المكانة التي لا يزال لبنان يحتلها، مكانة شبهها بارت "بمقياس الحرارة" الذي يتيح له متابعة وفهم كل ما يجري في النطاق الجغرافي المكلف بتغطيته. وعليه، ليس مصادفة أن يكون المقر الاقليمي للـ Le Monde، في بيروت، وهو ما أشار إليه بارت خلال الاتصال مع "المدن".

منتصف العام الجاري، سجل مؤشر حرية الصحافة، تراجعاً على المستوى الكلي، إذ ازداد الخطر المحدق بالعمل الصحافي. فالتقرير السنوي لمنظمة مراسلون بلا حدود أشار إلى ارتفاع حالة الكراهية والعدائية تجاه الصحافيين في العالم. لكن الشهادات الحية للمراسلين تحاكي أيضا الواقع اليومي للعمل الصحافي، وربما ترضي شغف القارئ أكثر من البيانات الرقمية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها