الثلاثاء 2019/08/20

آخر تحديث: 17:25 (بيروت)

الحريري إذ يكشف السرّ اللبناني

الثلاثاء 2019/08/20
الحريري إذ يكشف السرّ اللبناني
باتت أزمة كيانية، تشبه قرار السلم والحرب، وحقوق الجماعة
increase حجم الخط decrease
ليست هناك جرأة أكثر من كشف الأمور على حقيقتها: البلد مقسوم بين المسلمين والمسيحيين. 

ولا بلاغة أكبر من الاعلان عن واقع مرير يعيشه اللبنانيون، وكان المسؤولون يتنكرون له: ثمة "عنصرية مناطقية". 

ولا وصف أدق من اعلان رئيس الحكومة سعد الحريري عن أزمة مكب تربل: "لا المسلم مستعد لاستقبال نفايات المسيحي، ولا العكس صحيح". 

فما قاله بالعبارات المنمقة، لا ينفي جوهر الأزمة اللبنانية، أن هناك "فدرالية زبالة". وهو مصطلح ليس جديداً، بالنظر الى انه تم استخدامه قبل ايام قليلة في واحدة من أكبر المنصات الاكاديمية اللبنانية، عندما استخدمت باحثة أجنبية مصطلح "دولة النفايات". 

لكن ما قاله الحريري، مركب من عنصرين. توصيف الأجنبي للواقع اللبناني، ودلالات الصراع اليومي في مواقع التواصل الاجتماعي، والرفض، والرفض المضاد للمس بمكونات دينية، أو السخرية منها. 

فقد اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي، ليل الاثنين، رداً على منشور للمقدم/الممثل التلفزيوني جاد أبو كرم، قال فيه انه "استخدم الشطافة، وسيتناول السلطة بالمعلقة"، لغرض التعايش (الطائفي، إذ يفترض، بحسب الكليشيه السائد أنه "يتشبّه" بالمسلمين). صحيح أنه قال نكتة سمجة، لا تستأهل الرد، لكن كثيرين اعتبروا ما قاله تنميطاً يحيي النقاش القديم حول "الكمية" و"النوعية"، وينال فيه من المسلمين، باعتبار أنهم "غير متحضرين" أو يجهلون الاتيكيت، ويتناولون السَلَطة بالمعلقة!


وعليه، لا يبدو ما قاله الحريري غريباً عما يعيشه اللبنانيون، لكنه كشف، للمرة الاولى من موقع مسؤول، عن واقع مرير لا يجد المسؤولون سبيلاً لحله. يتعايشون معه، ويصدرونه الى العموم، تلك القاعدة الجاهزة للانقسام والتناحر، والتي لم تخرج بعد من إرث الحرب اللبنانية الثقيل، وهواجس الطوائف وقلقها الوجودي، وعقدة "الدونية" لدى بعض أفراد ينتمون اليها في وطن التعايش و"العيش المشترك". 

غير ان الكشف عن "فدرالية النفايات"، يرقي الأزمة الى مصاف الازمات الهوياتية، وتُضم الى الأزمات الوطنية التي لا يجد اللبنانيون سبيلاً للعبور فوقها. فهي لم تعد أزمة متعلقة بسياسات الدولة، ولا تُختصر بإخفاق حكومي عن معالجة واحدة من أكبر الأزمات الداخلية التي يعانيها الجميع. باتت أزمة كيانية، تشبه قرار السلم والحرب، وحقوق الجماعة، ونقيض الاجتماع اللبناني على خلل يستدعي التصحيح. 

من الآن فصاعداً، ستكون أزمة النفايات أكثر قسوة من النقاش حول المناصفة والمثالثة وحقوق الطوائف والمذاهب. ما كشفه رئيس الحكومة، يكشف الزعزعة القائمة في مفهوم التعاطي مع الأزمات، وينعي الدولة التي فشلت في السابق في طمأنة اللبنانيين، وتبديد هواجسهم، فعمقت الانقسام بينهم، كما تفشل الآن في إخراج ملف من التجاذب الانقسامي المناطقي والطائفي، وتحيله الى الملفات الخلافية علماً أن الحكومة وحدها، تتحمل مسؤولية الفشل فيه، وتكرس فيه مفهوم "النفايات بالتراضي". 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها