الإثنين 2019/07/29

آخر تحديث: 16:23 (بيروت)

موسم عقبالِك

الإثنين 2019/07/29
موسم عقبالِك
increase حجم الخط decrease
دخل موسم الأفراح والمناسبات السعيدة، دامت في دياركم جميعًا، ودخل معه موسم التزين والتبرج وتلبية دعوات الأحبة والأقارب، عساي كما تقول عمتي "انفق" في أحد الأعراس أو حفلات الخطوبة، أو حتى حفلات السن الأول وحفلات اول نصف عام لإبن إحداهن من اللواتي "نفقن" قبلي. و"أنفق"، كما هو معلوم لكثر، يعني أن يأتي من ينتشلني من أحزاني ويساهم في تقصير لائحة عوانس الأسرة الكريمة. 

مع هذا الموسم أيضًا تكثر تمنيات الغوالي والغاليات أن "يكبّر" الله حظي وأن تكون العقبى لي قريبًا. ومع كل تلبية لفرح إحداهن، تنهمر علي وعلى قريناتي ممن تجاوزت أعمارهن منتصف العقد الثاني، الأسئلة التقليدية لاستنباط السبب الحقيقي وراء نصيبنا المقفل، وأسئلة أخرى خبيثة تصاحبها دائمًا نظرة من خلف زوج نظارات سميكة واستنفار من أذُنيّ "المحققة": "ما في شي حواليكِ؟". غالبًا ما تتمنى السيدة السائلة أن يكون جوابي نفيًا وأن أُبرد قلبها بأني وحيدة بائسة ولا أخد يحوم حولي، ولا حتى فوقي، خوفًا على بناتها من أن أسبقهن الى القفص الذهبي وأن أتزوج شخصًا سوف تراني بالطبع لا أليق به كما ابنتها صاحبة "السحبة" المثيرة والرموش الغريبة. 

إن حالفك الحظ، يكون مقعدك في الزفاف على طاولة لا تضم سيدة النظارات السميكة، ولا أي سيدة أخرى تجاوزت الخمسين. وأسوأ المقاعد، ذلك الذي يلتصق به مقعد الأم التي زوّجت بناتها كلهن برجال يليقون بعراقة أصلها، وأن تكون ابنتها صديقة سابقة أو معرفة قديمة. هذه السيدة تتمتع بلباقة لسان لا تشوبه الا ثقوب صغيرة تنفس منها سمومها عن طريق الدعابة، تربّت على ذراعك وتضحك بهناء وهي تتلو استظهار "صهري صهري ما أحلاه"، وللمفارقة أني أعرف صهرها وحلاوته، حلو لدرجة أن آخر ما بحثت عنه زوجته المدللة في "غوغل" كان "كيف تقتلين زوجك من دون ترك أدلة". 

ولم أتحدث بعد عن طاولة المنبوذات، الطاولة الأخطر، والتي تجمع كل من فاتهن القطار من الحضور الكريم، وتشمل قريبات وصديقات العروسين وصائدات العرسان غالبًا. تتمتع هذه الطاولة بموقع استراتيجي قرب مكبر الصوت وتحت الكرة المضيئة الدوارة، كي يَراهنّ الرجال الباحثون عن فتاة أحلام، أو فتاة لعلاقة عابرة، والأهم أن تراهنّ سيدة دفتر الملاحظات، سيدة ستينية جافة الملامح تعلق على صدرها "بروش" على شكل حيوان غير أليف ترقب الطاولة الشهيرة وتدوّن ملاحظاتها لتختار لاحقًا عروسًا لابنها، رجل أنهى عقده الثالث ودخل الرابع بكرشٍ يسبقه الى المناسبات وبقعة كبيرة فارغة في وسط رأسه يغطيها بتسريحة "الخصلة اليتيمة". وعلى آنسات الطاولة المستديرة أن يحسنّ التصرف، لا رقص خلاعياً، ولا تصفيق "على العالي"، تمايل ناعم مع ابتسامة طفيفة من جلوسها في المقعد كافية لتأخذ علامة تامة في حسن السلوك في دفتر الملاحظات. 

"كل شي نصيب". استعملي عزيزتي الآنسة هذه الجملة، سلاحًا دفاعيًا في كل مرة تُسألين فيها عن سبب تأخر زواجك. قولي إن حصان عريسك الأبيض يسابق في لندن، وستتزوجين عندما يعود بالكأس الذهبية، أو اكذبي بأن كل من تقدم لخطبتك لم يستوفِ الشروط القانونية لكي يصبح أبًا لأولادك، قولي أي شيء إلا الحقيقة. الحقيقة أنك لن تتزوجي كي لا تصيري سيدة النظارة السميكة أو سيدة "البروش الحيواني" ودفتر الملاحظات.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها