الثلاثاء 2019/07/23

آخر تحديث: 12:59 (بيروت)

إسرائيل تستغل "مُطبّعاً سعودياً".. لمقاطعة الفلسطينيين شعبياً!

الثلاثاء 2019/07/23
إسرائيل تستغل "مُطبّعاً سعودياً".. لمقاطعة الفلسطينيين شعبياً!
المتحدث بإسم الخارجية الإسرائيلية للإعلام العربي، هندَس الزيارة واللقاءات الاعلامية
increase حجم الخط decrease
إذا ما تمعنّا في حجم الإحتفاء الإعلامي، وحتى السياسي، الإسرائيلي، بالزيارة التطبيعية التي أجراها ستة ممّن تم تسميتهم بإعلاميين وناشطين عرب إلى الدولة العبرية، بموازاة لقاءاتهم مع أعلى مستوى حكومي في إسرائيل، لساد اعتقاد أنها الأولى من نوعها.
الواقع، أن إسرائيل بدت وكأنها وجدت ضالّتها الأكبر في هذه الزيارة التطبيعية بالمقارنة مع سابقاتها؛ فللمرة الأولى يكون أحد أعضاء وفد من هذا النوع، سعودي الجنسية، وهو ناشط في "تويتر" ويُدعى محمد سعود.

ورغم أن الوفد الضيف تضمّن، للمرة الأولى أيضاً، زائراً من العراق بوصفه إعلامياً، إلا أن السعودي سالف الذكر هو من حظي بالهالة الإعلامية الكبيرة. فانتشرت صوره ومقابلاته في وسائل الإعلام العبرية المختلفة، لعاملين رئيسين: الأول، حاجة تل أبيب لإستغلال إعلامي لهذا الشاب تحديداً، بإعتباره قادماً من بلد خليجي كبير ذي مكانة سياسية ودينية، هو السعودية، التي لا تربطها مع اسرائيل علاقة دبلوماسية رسمية. والثاني، أن محمد سعود كان الأجرأ من بين زملائه في الوفد، إذ كشف وجهه وإسمه.

الحقيقة، أن ثمة أسئلة بارزة تفرض نفسها في حكاية هذا السعودي المُطبّع، ألا وهي: كيف جاء لوجستياً وفنياً إلى إسرائيل؟.. وهل جاء من خلال جواز سفر آخر يحمله غير السعودي؟.. ثم، لماذا التركيز الإعلامي الإسرائيلي على هذا السعودي دون غيره من زملائه بالوفد؟

حاولت "المدن" معرفة التفاصيل حول كيفية قدوم محمد، لكن ما علمته من مصادر فلسطينية مواكبة أن هذا الشاب يقيم في السعودية، ولا يحمل جنسية أخرى. وتوضح المصادر أن خط سيره تمثّل في السفر إلى دولة تربطها علاقة دبلوماسية مع إسرائيل، ثم انتقل عبرها جواً إلى مطار بن غوريون الإسرائيلي. علماً أن تل ابيب تخطت مسألة الختم على الجوازات، ذلك انه في مطار بن غوريون، هناك تقنية "الديجيتال" التي لا تُظهر أي ختم على جوازه خصوصاً إذا ما كان تابعاً لدولة لا تربطها معها علاقات دبلوماسية معلنة.

وهذا يعني أنه يمكن، من الناحية الفنية، أن "يختار" عربي المجيء لإسرائيل، بغض النظر عن مستواه كمطبّع، ومن دون أن يطاول جواز سفره أي ختم إسرائيلي قد يتسبب له في إشكالات وإحراج. لكن في جميع الأحوال، هذا السعودي قرر أن يكشف هويته، ما يبين أنه لا يكترث بكل التفاصيل الفنية واللوجستية المُشار إليها أعلاه.

ملاحظة أخرى تم رصدها خلال تتبع "المدن" للصفحة الفايسبوكية "إسرائيل تتكلم بالعربية" على مدار أيام سبقت ساعة الصفر لوصول الوفد العربي إلى إسرائيل. إذ نشرت الصفحة فيديو يظهر سعودياً اسمه محمد (على إسم الزائر)- لكن دون ظهور وجهه- وهو يقود مركبته في شوارع الرياض أثناء سماعه أغنية عبرية، ثم يكتب للإسرائيليين "نحبكم"... لعلّ، هذا يدفع إلى طرح سؤال لا إجابة حاسمة عليه، وهو: هل هذا السعودي "المحب لإسرائيل" هو نفسه المدوّن الزائر؟!
إسرائيل تدقُّ إسفيناً
زيارة الوفد "الإعلامي" التي بدأت الأحد، وتستمر حتى الخميس، ظهرت ساخنة منذ أوّلها، سواء على صعيد لقائه شخصيات إسرائيلية عالية المستوى، الإثنين.. أو في موقعة طرد الشاب السعودي من المسجد الأقصى بعد شتمه والبصق عليه من قبل مقدسيين، ليصبح عنواناً رئيسياً في الصحافة الإسرائيلية الصادرة اليوم الثلاثاء.
استغلّت إسرائيل الأمر عبر صفحات ناطقيها، مثل الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي افيخاي ادرعي، الذي ظهر بثوبه "الديني والأخلاقي المبتذل" في منشوره الفايسبوكي حيث كتب: "حسبنا الله عليكم ونعم الوكيل يا بلطجيين"، فيما وصف المتحدث بإسم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، تصرف الفلسطينيين مع السعودي "الضيف"، بـ"العمل المشين والعيب"، وانضمت صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية"، إلى ركب الإدانة لما وصفته بـ"العمل الوحشي".. 

لقد صبّت إسرائيل الزيت على النار لتغذّي نار فتنة بين الشعبين السعودي والفلسطيني، ولو عبر السوشال ميديا.

الأرجح أن الدولة العبرية أرادت من واقعة طرد محمد سعود من الأقصى، تشجيع غيره على التطبيع عبر إثارة غضب الشعب السعودي وغيره مِن تصرف الفلسطينيين كي يتطور إلى كره لقضيتهم وكفر بها؛ فطرحت مفارقة خبيثة مفادها: "نحن نكرمكم خير تكريم.. والفلسطينيون يبصقون عليكم رغم دعمكم المالي لهم".
ويبدو أن الفلسطينيين قد وقعوا بهذا الفخ فعلاً، من بعد تصرفهم المحق في الأقصى؛ إذ اشتعلت نار السباب والشتائم المتبادلة بين ناشطين سعوديين وفلسطينيين في مواقع التواصل الإجتماعي.
ووفق معلومات "المدن" لم يكن سعود، الوحيد الذي دخل الأقصى، الإثنين، فقد وطأت حرمه ايضاً أقدام زملائه الآخرين.. لكن بطريقة لم تلفت إنتباه المصلين في الأقصى، فمرت زيارتهم من دون أن يتعرض لهم أحد.

الحقيقة، أن إسرائيل أرادت عن قصد أن يحدث ما حدث في الأقصى. وإلا فلماذا لم تنصح سعود بعدم ارتداء اللباس السعودي خلال الزيارة؛ منعاً للفت الإنتباه إسوة بزملائه المُطبّعين؟ ثم لماذا لم تقم بحراسته حرصاً على حياته وللحيلولة دون اهانته، لو كانت فعلاً حريصة على حفظ كرامة ضيفها؟!.. وهو ما يثبت ان تل ابيب لعبت دور المحرّض على الفلسطينيين لتستغل حالة الرفض العاطفية لإحداث شرخ بين الفلسطينيين ومحيطهم العربي.

بالإنتقال إلى هدف الزيارة، فإن المتحدث بإسم الخارجية الإسرائيلية للإعلام العربي، حسن كعبية، هو الذي قام بهندستها من أولها لآخرها؛ وهو مَن تواصل مع "الضيوف" وصادَقهم عبر مواقع التواصل الإجتماعي، ثم انتقل لمحاولة إقناعهم بإجراء هذه الزيارة، وترتيب كافة الأمور الفنية واللوجستية والمالية لها.

اللافت، أن هذا الوفد المطبع على موعد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته يسرائيل كاتس، اليوم الثلاثاء، ما يدل على حجم الإهتمام الإسرائيلي بهذه الزيارة إلى حدّ المبالغة، أملاً في إستقدام المزيد، وتعزيز التطبيع الشعبي..إن لم يكن الرسمي ممكناً الآن. 
"إسرائيل الحقيقية"!
"إسرائيل بلد الأحلام"، "تعريفهم بإسرائيل الحقيقية"، "إطلاعهم على الإبتكارات الإسرائيلية في مجال التكنولوجيا والطب والزراعة"... جملٌ حضرت على ألسنة المسؤولين الإسرائيليين، على هامش لقائهم مع الوفد المُطبّع، بيدَ أنها تكشف في عمقها الوسيلتين الأهم بالنسبة لإسرائيل في إستراتيجية تشجيع التطبيع.

وتتعلق الوسيلة الأولى، بغسيل دماغ المطبعين وغيرهم من "المترددين" العرب، بإعتبار "إسرائيل ليست كما يُقال عنها عربياً وإسلامياً"، فيما تعتمد الوسيلة الثانية "إبهار" العرب بقدرات الدولة العبرية في مجالات شتّى، علّهم بذلك "يستسلمون لفكرة أن إسرائيل باقية وليست عابرة!". ذلك أن هناك جيلاً جديداً من العرب- بغض النظر عن حجمه- بات أسيرَ فكرة قائمة على الشعور بعقدة الهزيمة والدونية، مفادها "من كان مع القوي.. لا يخسر".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها