الجمعة 2019/07/19

آخر تحديث: 17:33 (بيروت)

إياد الشامي: اكتشفت آليات السيطرة البعثية.. فأطلقتُ قناتي الخاصة

الجمعة 2019/07/19
إياد الشامي: اكتشفت آليات السيطرة البعثية.. فأطلقتُ قناتي الخاصة
increase حجم الخط decrease
رغم كل الحديث الذي باتت تكرره وسائل إعلام عربية وعالمية خلال العامين الماضيين، عن نهاية الثورة السورية كحركة سياسية فشلت في تحقيق المطلوب منها، أي الإطاحة بنظام الأسد الذي استخدم سياسة الأرض المحروقة وارتكب جرائم حرب لإحكام قبضته على السلطة في البلاد، إلا أن ذلك الحديث لا ينسحب إلى الحس الثوري أو وجود المعارضة بحد ذاته، وربما تقدم مواقع التواصل لمحة عن ذلك، حيث يمكن تلمس العديد من المشاريع الجديدة التي تحاول تأكيد هذه النقطة.


وبعيداً من المشاريع الأكثر احترافية والتي تشرف عليها شخصيات إعلامية أو ناشطون بارزون، فإن المشاريع الفردية البسيطة قد تكون الأهم هنا لأنها تعيد الحس الثوري/المعارض إلى جذوره كحركة شعبية واسعة بدلاً من النخبوية أو الأقلوية. ومنها على سبيل المثال، مدونة شخصية في "يوتيوب" للشاب السوري المقيم في ألمانيا، إياد الشامي، الذي يعرف عن نفسه ببساطة في حديث مع "المدن": "أنا أعمل فنياً صيانة حواسب. عمري 31 عاماً من مدينة دمشق، ولا يوجد لدي أي نشاطات أخرى في هذا المجال".

وأوضح الشامي أن قناته في "يوتيوب" "ليست مشروعاً ربحياً بالأولوية بل مشروعاً توعوياً. وفكرة القناة بدأت تراودني بعد انطلاق الثورة واكتشافي حقائق آلية عمل النظام للسيطرة على الشعب بعدما كنت مغيباً ومغرّراً بالمقاومة والممانعة وشعارات البعث. لكن ظروف الحياة في الداخل السوري والخطر الأمني في سوريا كانت تمنعني تماماً من البدء خوفاً من الاعتقال، إلى أن سافرت إلى ألمانيا، وأطلقت القناة من هناك".


ويمكن القول أن "الفيديو بلوغ" (Vlog) مازال غير سائد في المنطقة العربية مقارنة بمناطق أخرى حول العالم، كما أنه لا يتواجد في القناة إلا بشكل محدود، حيث يبدو ما يقدمه الشامي أقرب إلى أسلوب الـ"one man show" أو نمط البرامج الحوارية المصرية التي يتحدث فيها الإعلاميون مباشرة إلى الجمهور بشكل خطابي، وبشكل أقل الستاند أب كوميدي. ويعود ذلك الخيار إلى "بساطة الأسلوب وعدم توفر إمكانات أكبر"، مع ميل أكبر نحو السخرية "لأن الأسلوب الكوميدي والساخر يعمل على توصيل الفكرة أسرع من أسلوب المحاضرة والتنظير بلغة أكاديمية".

وأكمل الشامي أن الفكرة الأساسية للقناة أتت عند مشاهدته الفيلم الوثائقي "مملكة الصمت" الذي قدمته شبكة "الجزيرة" العام 2014 في جزئين وتناول خفايا حكم عائلة الأسد لسوريا طوال عقود. مضيفاً "أنا وغالبية الشعب السوري لم نكن نعلم من هو الرئيس السوري قبل حافظ الأسد لأن النظام عمل على تعزيز مفهوم سوريا الأسد التي لا تاريخ لها منذ فترة الاستقلال إلى انقلاب تشرين المسمى زوراً الحركة التصحيحية. ومن هنا أدركت كم كنّا مغيبين ونعيش في قوقعة مغلقة، ولم يقم أحد بالتكلم عن هذه المواضيع بلغة بسيطة يفهمها عامة الشعب المغيب، فالنخبة والمثقفون يعلمون كل هذه الأمور ويتكلمون عنها في الصحف والندوات والمؤتمرات فقط من دون استهداف لشريحة العامة من الشعب، وبالتحديد فئة المؤيدين للنظام".

وهكذا يقدم الشامي تعليقاته على الأحداث المختلفة على الساحة السورية مثل أزمة البنزين أو تعامل النظام مؤخراً مع الممثلين الموالين كأمل عرفة وعباس النوري وعابد فهد، أو يقدم محاكاة ساخرة للانتخابات في سوريا الأسد أو رؤيته الخاصة لأخطاء الثورة السورية والمعارضة السياسية استجابة لطلبات المتابعين بهذا الصدد، بالإضافة لبعض التعليقات المحافظة على ظواهر اجتماعية مثل الإلحاد في المجتمعات العربية أو خلع الحجاب، والتي بشكل مفاجئ، تبتعد عن عقلية إطلاق الأحكام وتترك مجالاً للحديث عن الحريات الفردية.

وأوضح الشامي هنا أن الهدف من البرنامج ككل هو "توعية المغيبين والمؤيدين للنظام وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة أو الانجرار للأيديولوجيات بالنسبة لبعض الثوار، وتوحيد الرأي السوري في الأمور اللتي لا جدال فيها مثل نبذ العنصرية والطائفية، وإيجاد حلول لبعض الأمراض المجتمعية والتخلص من رواسب البعث العالقة فينا كي نجهز فكرياً، كشريحة شبابية، لمرحلة ما بعد رحيل النظام".

والحال أن السخرية والمعلومات الجانبية التي يقدمها الشامي تبدو شديدة البساطة من ناحية الطرح، من دون ابتذال أو مبالغات، ويعود ذلك إلى "أنني لا أختلق كاراكتر تمثيلي معين وإنما أقدمها بشخصيتي الحقيقة نفسها اللتي في الحياة الاجتماعية"، كما لا يتجه المشروع نحو التحليلات المعمقة للأحداث، بقدر ما يحمل ذلك من ثقل ظل، بل تبدو مقاطع الفيديو أقرب لردة فعل شخصية بسيطة أو "فشة خلق" مع زخم في المواقف الشخصية التي تشكل إطاراً لكل فيديو على حدة، وهو جوهر التدوين والسوشيال ميديا، أي تسجيل موقف شخصي ورفض الصمت.

وعلّق الشامي بأن "التحليلات المعمقة هي مهمة المحللين والسياسيين والنخب ومخاطبة العامة تستدعي طرح امثلة واقعية بعيداً من الإعلام والفبركات، فأستدعي مواقف شخصية حدثت معي لأدعم الفكرة المطروحة أولاً وتشجيعاً للمتلقي على طرح موقف مشابه حصل معه ليساعد على كسر حاجز الصمت والخوف اللذي مازال موجوداً لدى الكثيرين". علماً أنه لا توجد معايير معينة أو قيود لانتقاء الأفكار، بل "هي مجرد أفكار تخطر في بالي أثناء قراءة مقال أو كتاب معين أو أثناء مشاهدة مسلسل أو فيلم ما،  فأقوم بكتابة الأفكار وبعدها أختار النقاط التي أريد التحدث عنها. أما عندما وجود حدث ما، كتصريح لأحد السياسيين أو الفنانين أو رجال الدين، فأقوم بتحديد الرسائل الموجهة وأعيد ترتيب الأفكار وكتابة النص، وبعدها أقوم بالتصوير. وتحتاج الحلقة الواحدة تقريباً إلى يوم عمل أو 10 ساعات. ولهذا خصصت يوم السبت من كل أسبوع لهذا الغرض".


وعلى عكس كثير من المشاريع الشبابية المشابهة التي ظهرت مؤخراً، يركز الشامي على القضايا السياسية والجدلية أكثر من القضايا الاجتماعية والحياتية والتفاصيل اليومية، ويفسر ذلك "بكثرة القنوات اللتي تهتم بالأمور الاجتماعية وعدم وجود محتوى سوري شبابي يتحدث بالقضايا التي تأخذ طابعاً سياسياً بطريقة بسيطة توعوية موجهة للعامة. وهذا التوجه هو توجه متميز بالنسبة للمجتمع السوري تحديداً بسبب خوف كثير من السوريين من الانخراط في أمور تأخذ طابعاً سياسياً".

ولا يتلقى المشروع أي دعم أو تمويل مثل كثير من المشاريع المشابهة، بل هو "مجهود فردي من الفكرة وكتابة النص والإعداد والتقديم والتصوير والمونتاج إلى مرحلة الرفع على القناة. أستعمل كامير هاتفي للتصوير وحاسوبي للمونتاج وباقي الأدوات تكلفتها أقل من 100 دولار أميركي. ويتم التصوير في مساحة ضيقة خصصتها لهذا الغرض في منزلي"، مشيراً إلى أن الإعلام والفن الثوري يحتاج إلى كثير من الرعاية، لكن كثيراً من السوريين لا يرغبون في تلقي الدعم المادي من أطراف معينة وبالتالي يلجأون إلى منصات التواصل الاجتماعي التي باتت عليها السخرية من النظام رائجة.

والحال أن القناة ككل تنطلق في وقت يعاني فيه الإعلام السوري البديل، بشقيه المؤسساتي وحتى الفردي القائم على التدوين، خارج سوريا تحديداً، من أزمة وجودية سواء من ناحية انعدام الدوافع الشخصية أو انقطاع التمويل. لكن الشامي يقول أنه لا يواجه كثيراً من الصعوبات، عطفاً على الفردية التي تغمر المشروع ككل، بل تكمن الصعوبة فقط  في "عدم القدرة على التطوير للوصول لأعلى مرحلة ممكنة من ناحية العمل الفردي"، مشيراً إلى أن ردود الافعال غالباً ما تكون إيجابية بسبب "فشة الخلق التي يشعر بها المتابع أثناء مشاهدته للحلقات وشعوره بأني أتحدث عن كل ما يجول في خاطره".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها