الثلاثاء 2019/07/16

آخر تحديث: 19:11 (بيروت)

من يسعّر النار الفلسطينية ضد "القوات"؟

الثلاثاء 2019/07/16
من يسعّر النار الفلسطينية ضد "القوات"؟
ليس كميل ابو سليمان.. بل "صفقة القرن" (من الاحتجاجات في عين الحلوة على قرار وزارة العمل اللبنانية)
increase حجم الخط decrease
لم يبدّد توضيح وزير العمل، كميل أبو سليمان، حول الإجراءات الأخيرة التي نفذتها الوزارة لتنظيم عمل العمال الأجانب، الحملات المستعرة ضده، وضد حزب "القوات اللبنانية"، وضد السلطة اللبنانية بشكل عام. إذ وصفت الحملات هذه الإجراءات التي طاولت العمّال الفلسطينيين بأنه "عنصري"، وهو ما يدفع إلى إحالة الحملات الى الجانب السياسي، لا الاجرائي فحسب. 

ويسري اعتقاد، بعد استمرار الحملات الالكترونية والاعلامية، والمقاطعة الاقتصادية التي قام بها الفلسطينيون ضمن خطة تصعيد ميدانية، أن المستهدف هو حزب "القوات" بالنظر إلى أن ابو سليمان هو أحد ممثليه في الحكومة، وهي قراءة أولية لملف يحمل أبعاداً أكبر، ويرتبط بالتطورات السياسية في المنطقة، بعدما بات الفلسطينيون الحلقة الأضعف في نقاشات تسعى إلى إنهاء ملف الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي. 

والقراءتان، تستوجبان التدقيق، لا الجزم. وفي الوقت نفسه، تحملان جزءاً من الصحة، على قاعدة إن الإفادة السياسية المحلية (والضيقة حكماً) من الملف، ستكون قائمة، لكنها هامشية إذا ما تم التمعن في التغريدات والتحركات على الأرض، والتي أظهرت أن هناك "أمر عمليات" لمواجهة القرارات، بالتدليل الى تداعياتها الاقليمية. 

والحال أن وزير العمل وُضع في واجهة الاستهداف، وتم التعبير عنه تحت وسم #تجويعي_يخدم_الصفقة، باعتبار أن الوزارة التي يتولى حقيبتها، مطلوب منها، حكومياً، إجراءات مشابهة. ولم يلغِ توضيح الوزير، اليوم، الحملات التي تحمّله مسؤولية ما يجري، كما لم تخفف الحملات المقابلة، المدافعة عنه والداعمة لإجراءاته تحت هاشتاغ #قانون_العمل_عالكل، من السخط الفلسطيني، والدعم السياسي والحقوقي لحقوق الفلسطينيين، في خلط بين إجراء حكومي لتنظيم العمالة الأجنبية في لبنان، وبين حرمان الفلسطينيين من حقوقهم المدنية وفي مقدمها حق العمل والتملك والتقديمات الاجتماعية. 

واستفاد خصوم "القوات" من الإجراء للتصويب على الحزب واستهدافه وتسعير الحملات باتهامات للحزب وللمسيحيين في لبنان بما أسموه "استهداف الفلسطينيين بلقمة عيشهم". وتصدر القائمين بالحملات، مغردون لبنانيون من مناصري الفلسطينيين، ومنتمون الى التنظيمات الفلسطينية المنافسة لحركة "فتح" والسلطة، اضافة الى ناشطين حقوقيين وآخرين من فلسطينيي سوريا. 

غير أن قراءة سياسية متمعنة، تظهر أن الإجراء حكومي، ووزير العمل، وُضع في الواجهة، ولا يرتبط الملف بعنصرية لبنانية، اتُّهمت بها الوزارة عندما طاول القرار السوريين قبل أسابيع أيضاً. فالملف الفلسطيني معزول عن الملف السوري، رغم انهما من ناحية اجرائية يتشابهان، كما يتشابهان في الإجراء مع العمال الوافدين من بنغلادش أو الهند أو مصر أو السودان وسواهم... وهو ما أكده الوزير ابو سليمان في تغريدته وتصريحاته اليوم، وما أكدته السفارة الفلسطينية التي تؤدي دور "الاطفائي" والمحفز على الالتزام بتطبيق القرارات اللبنانية، منذ العام 2007 على الاقل. 

يمكن لأبو سليمان اعتبار ربط الملف بصفقة القرن، مضحكاً، وهو كذلك إذا ما عُزل عن تطورات المنطقة واعتُبر إجراءً إدارياً لتطبيق قانون العمل. لكن الملف الفلسطيني من السهل ربطه بالتغيرات في المنطقة، وبـ"صفقة القرن"، كما تقول مصادر سياسية، وهو ما أثار حفيظة الفلسطينيين الرافضين لإجراءات تضيق الخناق عليهم، فدفعهم الإجراء الى الخروج الى الشارع، واختيار التصعيد عبر المقاطعة. وهو ما عبّرت عنه صُور بُثت من سوق الخضار في صيدا (الحسبة) حيث تكدست الخضار مع تراجع سوق التصريف بسبب إضراب مخيم عين الحلوة. 

ويتوجس الفلسطينيون، على مختلف مشاربهم وتياراتهم السياسية، ومعهم حلفاؤهم، من أن يكون الإجراء تضييقاً إضافياً عليهم، يمكن أن يُستكمل بإجراءات أخرى أكثر تشديداً على الفلسطينيين، بهدف دفعهم الى الهجرة بدلاً من منحهم حقوق مدنية تكفل لهم العيش الكريم هنا. علماً أن المطالب الحقوقية بهذا الشأن، تثير الهواجس اللبنانية من توطين مقنع، وهي محل رفض سياسي لبناني عارم، ويتم نقله الى ممثلي الأمم المتحدة والسفراء الأجانب في لبنان بأن لبنان لا طاقة له، اقتصادية وديموغرافية، على تحمل هذا الوجود القائم منذ 71 عاماً. 

كما يتخوف الفلسطينيون وحلفاؤهم من تدني المستوى المعيشي للفلسطينيين غير القادرين على الهجرة، في ظل مساعٍ لاستكمال موجة الهجرة التي تضاعفت خلال العامين الماضيين، وسجلت انتقال الآلاف منهم الى بلد ثالث. 

من هنا، تستعر الحملات الالكترونية بموازاة التصعيد الميداني، للدفاع عن آخر حقوق الفلسطينيين، والاحتفاظ بالمكتسبات، على قلتها وندرتها، خوفاً من محاصرتها أكثر، لدفعهم مرة أخرى الى الشتات، ما يعني، مع مرور الاجيال، إسقاط حق العودة. لذلك، يصعد الفلسطينيون، وهو تصعيد محق، بالمبدأ، لكنه مخطئ حين يتم توجيهه الى وزير لا يتحمل، عملياً، هذه المسؤولية.

فما قام به ابو سليمان، اجرائي ومطلوب لحماية اليد العاملة اللبنانية وتنظيم قطاعات اقتصادية أسوة باللبنانيين، ما يعود على بعضهم بتحصيل الحقوق من رب العمل. لكنه تزامن مع تصاعد الهواجس الفلسطينية التي تتوجس من تغيرات ومشاريع تطاول القضية، بدءاً من وسم المخيمات بالإرهاب، وصولاً الى المساس بلقمة العيش. وهنا حصل الالتباس والاشتباك. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها