الجمعة 2019/04/26

آخر تحديث: 20:03 (بيروت)

صور فلسطينية "معتقلة".. ستعيد كتابة التاريخ

الجمعة 2019/04/26
صور فلسطينية "معتقلة".. ستعيد كتابة التاريخ
رجال النجادة في قرية صلحا على الحدود اللبنانية العام 1947
increase حجم الخط decrease
لم يتبقَ للفلسطينيين إلا المخيمات وروايات الأجداد المتوارثة فقط كدليل على نكبتهم وتهجيرهم من أراضيهم عام 1948، فيما يفتقدون "الكنز" الأكبر والمتمثل بعشرات الآلاف من الصور التي توثق التاريخ الفلسطيني قبل تاريخ النكبة وما بعدها؛ وذلك إثر تعرضها للنهب والإخفاء الإسرائيلي.

فباتت الذاكرة الفلسطينية "صوراً معتقلة" في الأرشيفات العسكرية الإسرائيلية، ويُحظر نشرُها. لعلّها تروي الحقيقة التي لا تريدها الدولة العبرية.

ومع ذلك، يتداول نشطاء فلسطينيون بين الحين والآخر، في فايسبوك وتويتر، بضع صور عتيقة لمناطق فلسطينية وحياة نشطة لمثقفين ومزارعين ومدنيين، وبنى تحتية جيدة جداً في حيفا والقدس ومدن أخرى، بالنظر إلى تلك الفترة الزمنية التي تعود إلى عشرينيات وثلاثينيات واربعينيات القرن الماضي، بل وبعضها إلى ما قبل ذلك.

هذه الصور شكلت مفاجأة كبيرة بالنسبة  للفلسطينيين الذي يمثلون الجيل الجديد؛ ليس من مضمونها، فهم يعلمون ذلك.. وإنما من درجة الوضوح التي تتسم بها تلك الصور وسياقاتها. فيتساءل هذا الجيل: أين كانت هذه الصور مُخبأة؟.. ولماذا يتم الإفراج عنها بالتنقيط؟.. وهل من مزيد؟

تتنوع مصادر الصور بين صور موجودة لدى بريطانيا توثق فترة انتدابها لفلسطين، وبين تلك المحتجزة في أرشيفات عسكرية إسرائيلية، أو تلك الموجودة في مكتبة الكونغرس الأميركي، وحتى لدى أشخاص اقتنوا هذه الصور فأفرج الجيل الثالث أو الرابع من أحفادهم عنها الآن. ناهيك عن صور تاريخية لفلسطين تمتلكها تركيا وروسيا أيضاً.

وتكرس غالبية هذه الصور المسلوبة حياة ثقافية وإجتماعية وسياسية وزراعية نشطة للفلسطينيين، بشكل ينافي الأكاذيب التي تدّعي "أن الحركة الصهيونية هي من عمّر هذه الأرض وحولها إلى جنة". ويعد ذلك دافعاً آخر لإخفائها وطمسها.

وبينما تعمل الدولة العبرية على تسريب صور قديمة تريدها هي، كتلك التي تحاول من خلالها أن تكرس وجود اليهود أزلياً ووحدهم فقط على أرض فلسطين، جاء مؤرخون إسرائيليون جدد ليفكروا خارج الصندوق.

تتصدر هؤلاء المؤرخين الاسرائيليين في السنوات الأخيرة، الباحثة رونة سيلع التي خاضت "نضالاً" كبيراً للإفراج عن عشرات من هذه الصور. وقد أصدرت كتاباً بهذا الخصوص العام الماضي بعنوان "لمعاينة الجمهور: الفلسطينيون في الأرشيفات العسكرية الإسرائيلية"، والذي يمثل أول بحث شامل حول التاريخ الفلسطيني البصريّ والمكتوب في الأرشيفات الإسرائيلية.

رونة سيلع التي تقود حركة نشطة بهذا المجال، تبرر جهدها بأنه "ينصب على إعادة كتابة التاريخ، خدمة للشعب اليهودي الذي يجب أن يعرف الحقيقة"، بعدما أدركت أنه فيه من التزييف؛ فهي ترى أنه من الضرورة بمكان أن "نعرف كيهود أين أخطأنا وأين أصبنا".

سيلع ومن لف لفيفها دخلوا معركة جدية مع كل من "أرشيف الدولة" والحكومة الإسرائيلية، من أجل الإفراج عمن تستطيع من هذه الصور، ثم تعيد تحليلها وقراءتها بعد بحث مع الجهات ذات العلاقة، ثم تكتب "الكابشن" (التعليق والوصف) الذي تراه هي "الأصح".

وحاولت- قدر الإمكان- أن تواجه الذريعة الإسرائيلية الرسمية لعدم الإفراج عن هذه المخزون الضخم من الصور والوثائق، عبر الزعم "إن هناك قانوناً إسرائيلياً يسمح بإمكانية الكشف عنها بعد ثلاثين سنة إلا إذا رأت الحكومة أن نشرها يمس بدولة إسرائيل ومصالحها الإستراتيجية".
ومع ذلك، دأبت سيلع على صياغة حركة ترصد على مدار أربع وعشرين ساعة وطيلة أيام الأسبوع، أي "خيط" يقود إلى هذه الصور والوثائق، من منطلق "أن تُكشف ولو لمرة أو دقيقة واحدة، فهذا يعني نفاد مبرر إخفائها". فالهدف الأساس بالنسبة لها هو مراجعة التاريخ واكتشاف الحقيقة، ونسف "التضليل".



وفي السياق، رصدت "المدن" عبارة في كتاب رونة سيلع، تعلق فيها على الصور التي التقطها المصور الفلسطيني خليل رصاص، حيث تسرد فيها: "تحتفظ أرشيفات الجيش العسكريّة في إسرائيل بأعمال رصاص التصويريّة، ونحن ننشر بعضًا منها هنا، بحيث أنّ تحليل هذه الصور يشير إلى أنّه رافق القوى المقاتلة المختلفة في منطقة القدس وفي عمق المدينة ذاتها، ووثّق النضال والثورة الفلسطينيّتين".

وتنشر رونة سيلع صورة تستدل فيها على أعمال النهب التي اقترفتها جماعات صهيوينة بحق موروث استديو "رصاص"، فتكتب "وصفاً" لتلك الصورة، مفاده "خليل رصاص.. الدكّان الذي (سُحبت) وصُوّرت فيه هذه الصور، أرشيف (الهَچَناه). سُلبت الصورة من أستوديو المصوّر مع أرشيفه. تُنشر الصورة بلطف من عائلة رصاص".

بدوره، يقول المصور الصحافي محمد فراج (من مخيم بلاطة شرق نابلس ويقيم في رام الله)، لـ"المدن" إنه قرأ بعناية كتاب سيلع حول ما نشرته من الصور، مبيناً أن "ما قامت به عمل عظيم. لا نستيطع نحن أن نفعله؛ بحكم الإستيلاء الإسرائيلي على هذا المخزون الضخم من الصور والوثائق".

ولا ننسى تلك الصور الجوية التي التقطتها طائرات بريطانية وكذلك تابعة لجماعات صهيونية، وقد حصلت عليها الباحثة سيلع؛ إذ وثقت تدمير  قرى بأكملها، كما لو أنها إبادة؛ ما يكذب الرواية الإسرائيلية التي تنكر ذلك من الأصل.

ويعتبر فراج أن تحليل رونة سيلع للصور جيد جداً وقد وضعها في سياقاتها، مشيراً إلى أن أهم ما في الموضوع أنها استرجعت "إرث عائلة رصاص"، حيث كانت تمتلك استديو تصوير في مدينة القدس قبل النكبة. وقد تواصلت سيلع مع عائلة رصاص وأخذت إذناً منها بنشر كل صورة.

استدلالٌ آخر من قبل الباحثة سيلع، على عمليات النهب لموروث الصور والوثائق، ولكن هذه المرة في الحقبة التي تلت النكبة، وتحديداً ما جرى خلال اجتياح بيروت عام 1982، حيث نشرت صورة لإقتحام دبابة إسرائيلية "مركز الأبحاث الفلسطيني" التابع لمنظمة "التحرير" وهو أمر لطالما أنكره الإسرائيليون.

وقد انتجت سيلع فيلماً بعنوان "النهب والإخفاء" مستوحى من كتابها حول ما نشر من صور توثيقية مهمة، فتلخص في الفيلم ما جرى من عمليات نهب لها وقد تواصلت مع ناشطين ومقاتلين من "منظمة التحرير"، في عملية بحثها عن الحقيقة المأمولة.

لا يمكن إحصاء العدد النهائي للصور والوثائق التي تمكنت رونة سيلع من جمعه وكشفه حتى الآن؛ كون معركتها في هذا المضمار مستمرة ولم تتوقف، فضلاً عن تتبعها عدة مصادر للإفراج عن المزيد منها، سواء كانت ممثلة ببريطانيا أو مكتبة الكونغريس أو أشخاص اقتنوا صوراً مهمة، وحتى مما حكمت المحكمة الإسرائيلية بالإفراج عنها بعدما توجهت سيلع إليها من أجل هذه الغاية. لكن في الوقت ذاته، كان رد الحكومة الإسرائيلية في كثير من الأحيان "ان الصور تُعتبر اسرار دولة ويُحظر نشرها".

وتجدر الإشارة إلى أن ما يثير إشكالية بالنسبة لإسرائيل في تسريب بعض تفاصيل الصور السرية، هو توثيق جرائم بشعة ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق الفلسطينيين، حتى أن هناك وثائق لم تكشف بعد، تعري رواية الجماعات الصهيونية حينما استغلت اعلامياً وسياسياً حادثة هجوم مسلح على سيارة يهودية في فلسطين في اليوم الثاني لصدور قرار التقسيم عام 1947. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها