السبت 2019/04/20

آخر تحديث: 16:29 (بيروت)

"أكلناها".. ضيوف باسم ياخور يبتلعون خطاب السُّلطة المقزز

السبت 2019/04/20
"أكلناها".. ضيوف باسم ياخور يبتلعون خطاب السُّلطة المقزز
increase حجم الخط decrease
يثير برنامج "أكلناها" الذي يقدمه الممثل السوري باسم ياخور عبر قناة "لنا"، الاشمئزاز حقاً، ولا يعود ذلك فقط إلى طبيعة البرنامج القائمة على إجبار الضيوف على تناول "أطعمة" غريبة في حال عدم إجابتهم على الأسئلة "المحرجة"، بل إلى طبيعة الحوار السطحي القادرة على إصابة المشاهد المسكين بآلام جسدية تتنوع بين الصداع والغثيان وضيق النَّفَس، فضلاً عن الآثار النفسية الناتجة عن كمية السموم التي يضخّها ياخور وضيوفه من المشاهير العرب.


ورغم أن البرنامج مستوحى من فقرة " الحديث Spill Your Guts or Fill Your Guts" ضمن برنامج "The Late Late Show" الذي يقدمه نجم الإعلام والكوميديا البريطاني جايمس غوردن عبر شبكة "سي بي إس" الأميركية، إلا أنه يفتقد للعفوية وخفة الظل المتواجدتين في البرنامج الأصل، كما يشكل نموذجاً للحياة في المنطقة العربية على مستويات عديدة، وبالتحديد طبيعة المشاهير السوريين والعرب أنفسهم، كأشخاص ينشرون أفكاراً ظلامية بالاستفادة من شهرتهم.


ففي الحلقتين اللتين عرضتها "لنا" حتى الآن، يقدم ياخور خطاب الكراهية بشكل واضح وصريح ومن دون مواربة ضد فئات من البشر، كالملحدين والمثليين، لأن هنالك "خطوطاً حمراء" بحسب تعبيره، كما يقدم الضيوف، مثل الممثل محمد حداقي، آراء رجعية عن الحريات الفردية وحقوق المرأة وطرق التعامل مع الأطفال. وفيما يتم تقديم تلك الأفكار على أنها تجارب شخصية، إلا أنها تعمم في الواقع نموذج الحياة المحافظ والتقليدي كأسلوب وحيد يجب اتباعه.

والحال أن هذا النموذج يتوافق مع السلطات التي تمتلك وسائل الإعلام في نهاية المطاف. فقناة "لنا" يمتلكها رجال أعمال مقربون من النظام السوري، ولا تخفي القناة توجهها السياسي، في برامجها الحوارية الفنية مثل برنامج "إيه في أمل" للممثلة أمل عرفة، أو "لنا مع رابعة" الذي تقدمه الإعلامية اللبنانية رابعة الزيات. ووفق هذا المنطق، يصبح أولئك المشاهير العرب، مجرد أدوات لتعميم النمط الاجتماعي المرغوب من السلطة الحاكمة، والذي يضمن الاستقرار في المنطقة بصورة الخضوع والتماثل.

وعلى الأغلب، لا يفكر أصحاب البرنامج بمنتجهم "المبتكر" لتقديم وجهة نظر سلطوية بشكل مباشر، مثلما يبدو في النتيجة النهائية. بل هم يتحركون فقط ضمن المساحة التي يدركون أنها مخصصة لهم، ويشكلون انعكاساً مدهشاً لها لا أكثر، ويصبح البرنامج بالتالي مجرد ثرثرة مستهلكة يتم تقديمها بأسلوب جدي في إطار الكوميديا الرصينة. 

وهنا، يشكل البرنامج صورة عن طبيعة العلاقة بين السلطة والشعب. فياخور الذي يمتلك سلطة الحوار هنا، يتعامل مع الضيوف من منطق الإجبار، وفي كل سؤال يطرحه على الضيف، يعود الى الذهن السؤال الشهير المستقى من فيديوهات الشبيحة بعد الثورة السورية: "بدكن حرية؟".. ذلك ان طبيعة الاسئلة التي يوجهها، تحمل وجهين أحلاهما مرّ: فإذا كان الجواب "نعم" سيكون الضيف/المواطن في ورطة عليه تحمل تبعاتها لاحقاً، وإن قال "لا" فإنه سيأكل المزيج المقرف الذي يمثل الحياة الفارغة من أي شيء باستثناء الذل، الذي يتم التركيز عليه مطولاً مع لقطات قريبة تأخذها الكاميرا.

ومن هنا يمكن إدراك سبب الاستفاضة المزعجة في شرح عامل "القرف" ضمن البرنامج مقارنة بالأصل الأجنبي، حيث يتم افتتاح كل حلقة بدقائق طويلة تشرح كيفية تحضير الأطباق المقززة من قبل "الشيف أنطوان" في المطبخ. ولا يعود ذلك فقط إلى حاجة أصحاب البرنامج لما يملأون به وقت البرنامج الممتد نحو ساعة ثقيلة كاملة، مقارنة بالأصل الأميركي الذي لا يتجاوز عشر دقائق ممتعة، بل يرتبط بشرح طبيعة العقاب المفترض عند تحدي السلطة. فخيار "الأمن والأمان" مع تناول الطعام المقزز مهما كان مذلاً ومهيناً يبقى، بحسب المنطق السلطوي، أفضل وأسلم من خيار تحمل مسؤولية الحرية كأسلوب للحياة، والذي يأتي بعواقب لا يمكن التكهن بها، والتي في البرنامج تأخذ شكل خلافات شخصية مع زملاء المهنة، وفي الواقع قد تصل إلى حملة إبادة معنوية من "الدولة السورية" بحق شعبها.


وفيما يسمح للمشاهير الأجانب، مثل كيم كارديشيان والفنانة شير، ببصق اللقمة الشنيعة التي يختارون تناولها لحساسية الأسئلة الموجهة لهم فعلاً، والتي قد تكون أسئلة جنسية أو حميمة أو سياسية، إلا أن ذلك غير مسموح في "أكلناها" حيث يجب على الضيف ابتلاع تلك الخلطات، مع الإذلال الإضافي الآتي من ضحك الجمهور واستهزاء ياخور.

مع الإشارة هنا إلى أن معظم الأسئلة التي تطرح في البرامج لا تستحق عناء المخاطرة بتناول الفظائع التي تم تحضيرها للضيوف، بل هي تكرار لأسئلة "الكليشيه" نفسها في أي برنامج حواري عربي أو في أي مجلة فنية.

ويرتبط ذلك بمناخ حرية التعبير في سوريا والعالم العربي، وحدود المسموح والممنوع والرقابة. فيختار محمد حداقي مثلاً تناول مركب شنيع، بدلاً من تسمية ممثل لا يستحق الشهرة في نظره، أو تسمية أحد الممثلين الجاهلين وعديمي الثقافة، رغم اتهامه للوسط الفني السوري عموماً بتلك الصفات في تصريحات سابقة. بينما في الأصل الأميركي، تختار النجمة العالمية شير تناول المركب الشنيع عندما تطلب منها تسمية صفة إيجابية واحدة تراها في الرئيس الأميركي دونالد ترامب. أما الاسم الوحيد الذي هوجم في حلقتي البرنامج حتى الآن، فكان الإعلامي فيصل القاسم، لأسباب سياسية طبعاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها