الخميس 2019/03/07

آخر تحديث: 19:28 (بيروت)

"راب مهدوي": لطم على إيقاع الهيب هوب

الخميس 2019/03/07
"راب مهدوي": لطم على إيقاع الهيب هوب
كاتبها عباس السبتي يدافع عن "مشروعية الراب الدينية والدستورية"
increase حجم الخط decrease
"لا خمور ولا هيروين.. لا حشيشة وكوكايين.. رابي مشروع تحصين.. يصلح كل الفاسدين"...
بهذه الكلمات، يصدح صوت طفل عراقي متشح بالسواد، في الحسينية الحافلة بمراهقين ورجال يلطمون صدورهم بقوة ويتمايلون على إيقاع "الراب" الحادّ والسريع. في الخلفية، تقف مجموعة من رجال الدين المعممين، تتفاعل مع موسيقى "الراب" على مضض، في طقس شبيه بالشعائر الحسينية.


للوهلة الأولى، يبدو المشهد غرائبياً للدرجة التي يظنّ معها المشاهد أنه مركبّ وغير حقيقي. يخاله "رادودية" لمجالس حسينية إستبدلت "الرادود" بالـrapper، والمقامات بالـbeat، وحوّلت القصيدة الرثائية الناحبة إلى أغنية "راب" سريعة ومحمومة. 
بقليلٍ من التدقيق، يتبيّن أن الفيديو الذي نشِر في "يوتيوب"، وتجاوز تداوله حدود العراق ليشمل سائر دول العالم العربي، أصيلٌ بالفعل، بدليل أنه ليس الوحيد من نوعه. فمن العراق، إنطلقت مؤخراً صيحة "الراب المهدوي"، وهو راب ذو هوية إسلامية شيعية يحمل "رسالة عقائدية تربوية وإصلاحية هدفها تقويم الشباب الغارق في الفساد،" وفق تعريف منتجيه.

لكن خلافاً لأصول نشأة "الراب" كنوع موسيقي مرتبط بالشارع ومنبثق عنه، ليست هذه الظاهرة تلقائية وعفوية، إذ تقف خلفها جهة مؤسساتية هي "المركز الإعلامي لمكتب المرجع الديني الاعلى السيد الصرخي الحسني". وخلال مراسلة معه، أوضح المركز لـ"المدن" أن إستخدام الراب في هذا الإطار الديني نابع من رؤية المرجع الصرخي التي "تحمل إمتداداً وتجديداً لرسالة الإسلام". يشدّد خطاب  المركز على الإتجاه الحداثي والعصري لأطروحات المرجع ومساعيه إلى "إصلاح وتحصين الفرد والمجتمع فكرياً وسلوكياً".

يتردّد ضمن كتّاب الكلمات إسم السيد عباس السبتي، وهو يظهر في مقاطع فيديو في "يوتيوب" مدافعاً عن "مشروعية الراب الدينية والدستورية"، بصفته باحث ورجل دين. يعتبر السبتي "الراب" أسلوب تخاطب يصلح للإستخدام من قبل المظلومين والمقهورين لمقارعة الإضطهاد والإستعباد، وذلك بالعودة إلى تاريخ ظهور هذا النوع الموسيقي كأداة تعبير سياسية إبتدعها المجتمع الإفريقي الأميركي لمواجهة العنصرية والتفوق الأبيضين في الولايات المتحدة. 

يتعارض هذا الموقف مع الإتجاه الإسلامي العام المعادي للموسيقى والمحرّم لها. لكن السبتي، وكذلك الصرخي، لا يجد أي منهما حرمة شرعية في مزج الراب بـ"القصيدة الحسينية" وأدب كربلاء، ذلك أن "الراب، حاله حال باقي الأصناف الموسيقية التي يمكن أن تستخدم في الحرام والإفساد أو الحلال والإصلاح، أي أن الإستخدام والمستخدم هو الذي يجعلها محرّمة،" وفق المركز الإعلامي. 

تبدو النزعة إلى التجديد ومواكبة ركب الحداثة واضحةً في خطاب صنّاع الراب الشيعة، خصوصاً وأن المؤسسات الدينية، من جوامع وحسينيات، فشلت في إستقطاب الشباب بأساليبها التقليدية. ويعزو هؤلاء فشل الخطاب الديني الكلاسيكي إلى "إنغلاقه على الموروث العرفي والإجتماعي من دون محاكاة الثقافات الأخرى بطرق علمية دينية مهذبة، إضافة إلى إهماله لإهتمامات وميول الشباب الثقافية". 

لكن هذا الخطاب التجديدي في شكله، ليس كذلك على مستوى المحتوى الذي لا يقدّم أي مقاربة جديدة للآفات الاجتماعية التي تصيب الشباب العراقي. فبالرغم من إدعائه "نقل سخط الشعب على دكتاتورية السلطات"، نجده مهتماً بتقويم فساد الشباب عوضاً عن الاضاءة على فساد السلطة والدولة. 

وبالرغم من إقراره بأن هذه الآفات، كتعاطي المخدرات وخمول الشباب وإنسحابه أو تطرفه، ليست سوى نتيجة للواقع السياسي والإجتماعي السائد، إلا أن الأناشيد لا تتطرق إلى هذه الأسباب من فقر وبطالة وتعصّب، بل تنصبّ على معالجة وتهذيب الشباب عوضاً عن مناوأة السلطة، وهو ما قام من أجله "الراب" أساساً. 

بالطبع لم تفلت هذه الصيحة من النقد اللاذع لمستخدمي السوشال ميديا ومن بينهم المنتمين إلى المذهب الشيعي الذين سارعوا إلى "تبرئة الطائفة" من هذه المظاهر. فمنهم من وجد في إستخدام الراب "تحريفاً للدين" و"تدميراً للشعائر الحسينية"، ذلك أنه "لا يمكن التقرّب إلى الله بالرقص"، وفق البعض. وفي تعليقات أخرى، وصفَ صنّاع الراب المهدوي بـ"دواعش الشيعة"، لتشويههم الإسلام تماماً كما "داعش". وأشارت بعض الإنتقادات الساخرة إلى أن هذه الأناشيد "أقرب إلى الديسكو من العزاء". 

في المحصلة، إن هذه المحاولة إلى الإنفتاح على الثقافات الأخرى وسبل التعبير العصرية، تخفي في باطنها إنغلاقاً عقائدياً أقرب إلى الأصولية منه إلى التجديد. كما وتظهر تناقضاً بين هدفها المعلن، وهو تنوير الشباب الضائع، وبين الرسائل والمدلولات التي تحملها الأغنيات، والتي ترمي بالدرجة الأولى إلى التجييش والتعبئة وشدّ العصب الطائفي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها