السبت 2019/03/23

آخر تحديث: 11:42 (بيروت)

من غانتس إلى نتنياهو..إزدواجية إعلام إسرائيل أمام "التنصت الإيراني"

السبت 2019/03/23
من غانتس إلى نتنياهو..إزدواجية إعلام إسرائيل أمام "التنصت الإيراني"
نتنياهو مخاطباً غانتس: إكشف المعلومات التي تعرفها عنك إيران
increase حجم الخط decrease
يبدو أن أجواء المنافسة المحتدمة بين الأحزاب الإسرائيلية التي تستعد لخوض غمار انتخابات الكنيست، بعد أقل من ثلاثة أسابيع، قد جعلت من "التنصت" المنسوب إلى إيران على هواتف شخصيات سياسية وعسكرية إسرائيلية ليست في سياق الحرب مع طهران، بل تدور رحاها بعيداً منها الآن.
حربٌ تتركز في قلب الدولة العبرية حيث خصوم السياسة، عبر استغلال كل طرف لتسريبات "التنصت" وجعلها موادّ تهدف إلى إطاحة الآخر سياسياً.

فبعدما انشغل إعلام إسرائيل وصحفها بذلك التسريب، عن التنصت على الهاتف الشخصي للرئيس العشرين لهيئة أركان جيشها (السابق) بيني غانتس، والذي يقود تحالف "أزرق-أبيض" المنافس القوي لحزب الليكود بزعامة نتنياهو، جاء ذلك الخبر الذي نشرته صحيفة "الجريدة" الكويتية، الثلاثاء، ليكون عنواناً رئيسياً في الموقع الإلكتروني للإذاعة الإسرائيلية الرسمية "مكان" وهو: "إيران تدعي بأنها اخترقت هواتف نتنياهو وزوجته ونجله يائير".

"الجريدة" الكويتية نقلت النبأ عما أسمته مصدراً رفيع المستوى في مركز "الحرب الإلكترونية" التابع للحرس الثوري الإيراني؛ إذ قال إن المركز تمكّن من اختراق هواتف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة وابنه يائير، وأن بلاده "حصلت في أعقاب ذلك على معلومات حساسة جداً، بعد الإستماع لبعض جلسات الحكومة الإسرائيلية".

وبحسب المصدر، فإن التنصت تم من خلال فيروسات أرسِلت إلى هاتف نتنياهو عبر هواتف أقربائه، وأن الإسرائيليين لم يكتشفوا ذلك إلا منذ بضعة أشهر. 

ولأنّ مصدر التسريب عن التنصت الإيراني على هاتف غانتس، هو إسرائيلي بالدرجة الأولى، رغم تأكيده لاحقاً من مسؤول في الحرس الثوري الإيراني للصحيفة الكويتية، فإن الإعلام الإسرائيلي الرسمي وبقية الوسائل الأخرى تعاملت بحذر مما نشرته الجريدة الكويتية بشأن التنصت على نتنياهو وعائلته. وذلك على عكس طريقة التعامل الإعلامي التي شهدناها مع قضية التنصت على غانتس، لدرجة إرباك الأخير وشعوره بالإنهيار في لحظة معينة.

فقد سارعت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية إلى نشر نفي مكتب نتنياهو لما ذكرته وسائل إعلام عربية عن أن إيران اخترقت هواتف عائلة نتنياهو. ورغم ذلك، بدا أن ثمة أوساطاً إسرائيلية لا تستبعد حدوث ذلك؛ نظراً لإمكانية التنصت على هواتف شخصيات رفيعة من قبل دول وجِهات عالمياً.

وقد تعود أسباب المعيار المزدوج في التغطية الإعلامية الإسرائيلية في قضية "التنصت الإيراني"، على هاتف غانتس، مقارنة بنتنياهو، إلى الفترة الزمنية القصيرة التي تفصلنا عن نشر نبأ "التنصت" على نتنياهو. إذ لم تجد تفاعلات تُذكر، ناهيك عن أن المعلومات التي تحدث عنها المصدر الإيراني بدت "عامّة" وبلا تفاصيل. لكن لا يُسثنى أيضاً عامل ثالث، وهو أكثر أهمية بالنسبة للإعلام الإسرائيلي، ألا وهو أن تسريب التنصت على نتنياهو جاء على لسان مصدر إيراني، بينما في حكاية غانتس، سُرّب النبأ من جهة إسرائيلية مع أنها لا تزال مجهولة، لكن بواسطة الصحافي الإسرائيلي عميت سيغال، وهو صحافي يميني يعمل معلقاً في الشؤون الحزبية بالقناة "الثانية" الناطقة بالعبرية.

والواقع، أن عميت سيغال كان مجرّد وسيلة في تسريب نبأ التنصت الإيراني على غانتس، والأرجح لدواعٍ انتخابية في هذا التوقيت تحديداً، لكن لم يُعرف على أي من المصادر اعتمد في النشر. وبينما تحوم تقديرات حول قيام نتنياهو بتسريب معلومة أمنية سرية، من أجل دافع انتخابي، خوفاً من خسارته أمام غانتس، نفى هذا الصحافي اليميني أن يكون قد اعتمد على نتيناهو كمصدر له بهذا الخصوص.

بيدَ أن عميت سيغال هو ابن صحافي أيضاً، يعمل في قناة يمينية، ومعروف والده بفكره اليميني المتطرف ويُتهم بتبعيته لعصابة "كهانا" المحظورة. وهذا يدفعنا إلى الإعتقاد بأن المدرسة الأيديولوجية التي يتبع لها سيغال ربما هي التي تقف وراء التسريب، رغم محاولته أن يطرح نفسه كصحافي "موضوعي" باعتباره متخصصاً في شؤون الأحزاب في إسرائيل.

ولم يلجم النفي، الذي أتى على لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، الأربعاء، اختراق طهران لهاتف بيني غانتس، الحرب الإعلامية المتصلة بمسألة التنصت على غانتس. بل كانت حاضرة في عناوين الصحف الإسرائيلية أيضاً، الخميس، كما لو أننا ما زلنا في اليوم الأول لتسريب النبأ.

وتكتب صحيفة "معاريف" عنواناً يتصدر صفحتها الأولى، الخميس، مفاده أن "نتنياهو ينضم إلى إيران في ابتزاز بيني غانتس". بينما اعتبرت صحيفة "إسرائيل اليوم" أن إعادة إحياء قضية الغواصات، نجاح لتحالف "أزرق أبيض"، وغانتس تضرر، ونتنياهو يستغل ذلك.

وتنقل الصحيفة ذاتها عن نتنياهو، مخاطباً غانتس: "إكشف المعلومات التي تعرفها عنك إيران".

لكن صحيفة "هآرتس" التي تطرقت، كباقي الصحف، لأحدث استطلاع للرأي العام الإسرائيلي، فإنها تستنتج بأن اختراق هاتف غانتس لم يمس به، وهو يزيد الفارق مع الليكود، رغم حفاظ معسكر اليمين عموماً على قوته.

نتنياهو لا يستغل فقط اعلامياً وانتخابياً، مسألة التجسس على هاتف غانتس، بل سيحاول أن يستثمر الإستقبال الحافل الذي ستقيمه له الإدارة الأميركية، الإثنين المقبل، قبل اسبوعين من الانتخابات الإسرائيلية، كي يوظفه في سبيل الدعاية الإنتخابية لصالحه. وذلك بموازاة استثماره لتصريحات المسؤولين الأميركيين حول "أحقية" إسرائيل بالسيطرة على الجولان السوري المحتل.

من جهته، تساءل المحلل السياسي الإسرائيلي، أريك بندر، في مقال نشره في صحيفة "معاريف"، قائلاً: "ما الذي يسيطر على جدول الأعمال في الانتخابات: الاختراق الإيراني لهاتف غانتس أو قضية الغواصات؟".

لكن بندر لم يجب على تساؤله الذي كان عنوان مقاله، بقدر افتراضه أن هذه المواجهة ستزداد حدة حتى موعد الإنتخابات.

وبالخوض في كيفية وطبيعة المواد الإعلامية "المثيرة" التي واكبت حكاية غانتس مع التنصت الإيراني، فقد حاولت الصحافة العبرية منذ اللحظة الأولى للكشف عنه، أن تركز على سؤال مفاده: "ماذا في تفاصيل التسريب؟.. وما هو السر الذي علمته إيران عن بني غانتس بعد التنصت عليه حتى يكون مادة دسمة لإبتزازه في أي لحظة؟".

وهُنا، بدأت الإشاعات تتلاحق، حول ماهية المادة التي تم التنصت عليها من خلال هاتف غانتس، فتؤدي الى إبتزازه، لدرجة أن الصحافة الإسرائيلية دخلت في حياة غانتس الشخصية، وتحدثت عن علاقته بامرأة أخرى، ما تسبب بمشاكل عائلية لديه. حتى أن معالم الأزمة، في الأسبوع الماضي، بدأت تظهر على غانتس. وقد تجلّت بطبيعة رده، فبدا غاضباً جداً وغير متوازن في بعض الأحيان.

لكن، بعدما خضع غانتس على مدار ثلاثة ايام، لتدريبات على تحمل الإشاعات وما ينشره الإعلام الإسرائيلي عن قضية التنصت بحقه، عاد وقد تمالك أعصابه وأظهر نفسه بأنه متزن.

وتحول غانتس من "الدفاع" إلى "الهجوم"، فأطلق تصريحه ذا الدافع الإنتخابي ضد نتنياهو؛ فكان عنوان صحيفة "يديعوت احرونوت"، الأربعاء، هو "غانتس: نتنياهو سيُتهم بالفساد، والقضية منتهية". ثم عنوان آخر في "معاريف"، سلطت فيه الضوء على كلام غانتس الذي عبّر فيه عن إستعداده لمواجهة نتنياهو، مؤكداً أن حصول تحالف (وسط-يسار) الذي يترأسه على أربعين مقعداً في الكنيست المقبل سيتضمن تغيير الحكم في إسرائيل.

كما ونقلت فضائية "كان" عن بيني غانتس قوله "قضية الهاتف الخلوي لا تقلقني"، فيما بدا أنه واثق بعدم تسببها بإسقاطه كما يطمح نتنياهو.

وفي المقابل، واصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزعيم حزب الليكود نتنياهو، استغلاله الإنتخابي والسياسي لقضية التنصت على غانتس، لكن بطريقة "شعبوية" عندما طرح نفسه رجل الأمن الأول لإسرائيل، حينما قال "مَن لا يستطيع أن يحمي هاتفه، فكيف سيحمي إسرائيل من إيران؟!". هي طريقة اعتبرها مراقبون للشأن الإسرائيلي بالـ"شعبوية" المستهترة من قبل نتنياهو بعقول الجمهور الإسرائيلي وذلك عندما يثير قضية التنصت بهذه الضحالة.

ولذلك، في اسرائيل فقدت الأحزاب المتنافسة الضوابط، فيما نتنياهو من شدة خوفه وشعوره بمخاطر الهزيمة، وجد الطريقة الإنتهازية التي عمل على توظيفها طيلة الأيام الماضية لإسقاط بني غانتس نتنياهو. ولعلّ، هذه الحالة جعلت رجال الأمن والإستخبارات في إسرائيل يراقبون بقلق شديد الإستغلال الإعلامي من نتنياهو واطراف سياسية أخرى لمعلومات أمنية، من أجل مصالح حزبية ضيقة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها