الجمعة 2019/03/15

آخر تحديث: 19:32 (بيروت)

طفلة سورية ضحية مدرستها اللبنانية: نقاش الكراهية!

الجمعة 2019/03/15
طفلة سورية ضحية مدرستها اللبنانية: نقاش الكراهية!
طفلة سورية لاجئة في لبنان (غيتي)
increase حجم الخط decrease
تغيير منهجي في الشكل العدواني ضد اللاجئين السوريين، طرأ أخيراً على القائمين به. ارتدى العنصريون وجوه الحملان، وتركوا لطفلة لاجئة أن تظهر بوجه الذئب، وهو منهج جديد في اجتذاب الغضب، وتسعيره، تحت سقف ادعاء البراءة والإحترام. 

طفلة عمرها ثماني سنوات تقريباً، تشتعل غضباً -غضب الأطفال- في واحدة من المدارس اللبنانية، رداً على مديرة تصوّرها بكاميرا الموبايل، وتستفزها لإخراج المزيد من عبارات الغضب والهجوم. المديرة، من وراء الكاميرا، تخاطبها بوداعة. هدوؤها، وسيلة لاستدراج المزيد من التهجم عليها وعلى اللبنانيين. "انت جدبة أو حولة؟ ما بتشوفي السوريين؟" توجه الطفلة سؤالاً للمديرة التي تسأل الطفلة: "لماذا تكرهين اللبنانيين؟ ولماذا لا تحبين لبنان؟".. وتضيف: "بس نحن منحبك.. واللبنانيين بيحبوكم كتير"... 

على مدى 6 دقائق، يتضاعف منسوب الغضب لدى الطفلة. تستفزها أسئلة المديرة، فتضرب قدمها بالأرض أكثر من 20 مرة. تتحدث عن أن السوريين يعرفون بشؤون كثيرة. ببراءتها، تبدو فخورة بجنسيتها بما يتخطى الايحاء بأنها تكره اللبنانيين. فالأطفال الذين لا يعرفون الكراهية، يتجهون اليها كتعبير عن رفض لواقع. لاستفزاز. لحشرهم في موقع الهزيمة. 

بالشكل، تتصرف المديرة مع الطفلة بدبلوماسية. تستدرجها للمزيد من الخطأ. وتبدو الطفلة في المقابل، تعاني تعنيفاً نفسياً ومعنوياً يدفعها للتعبير عن رفضها للمحيط من حولها. تشعر بالانكسار، إن لم يكن بالدونية في بيئة تتلمس فيها تمييزاً وكراهية ضد الآخر. السوري تحديداً، ذلك الضعيف، المهزوم، المنكسر، المرفوض في بيئة لا تزال تنظر اليه من منطق تمييزي. 

وما لبث "الحوار" مع الطفلة أن تحول إلى مسرحية اجتذبت موظفين آخرين في المدرسة لمشاهدة ردّ فعلها. عبر الباب المفتوح في خلفية الصورة، تطل أخريات "للتفرج" على الطفلة... وكأنه عَرض ترفيهي أو سيرك! وتكمل المديرة التصوير. تتصرف كما لو أنها تصور مسرحية بطلتها طفلة سورية "قوية". وما نشر الفيديو سوى تصور مضمر لاستهداف السوريين من خلال الطفلة، أو، في أقل تقدير، وسيلة للتسلية والتندر. والطفلة قالت ما في قلبها، وما تشعر به، وتصرفت على سجيتها، بلا احتساب لأي رد فعل في الخارج سيفضي حكماً الى تصوير السوريين أكثر عدوانية ضد المجتمع المضيف. في حين أن الله أعلم أي تجارب عاشتها هذه الطفلة، وماذا سمعت يُحكى أمامها وماذا اختبرت. وهي في النهاية.. مجرد طفلة!

انتشر مقطع الفيديو لفترة وجيزة، وبدأ يُسحب من التداول تدريجياً. لم يتم التأكد بعد أين تم تصويره، لكنه بات في عهدة وزارة التربية اللبنانية لفتح تحقيق في الحادث، ولمعاقبة المديرة. و"المدن" تتحفظ على نشر الفيديو الذي انتهكت به مديرة مدرسة حُرمة الطفولة وخصوصية تلميذتها (أياً كانت جنسيتها)، وبالتالي تأبى "المدن" المشاركة في نشر هذا الانتهاك المشين لحقوق الإنسان والطفل. لكن الفيديو بات في عهدة المسؤولين. 

ما جرى، قبل أن يكون عنصرية، هو انتهاك لكل ما تعنيه كلمة مدرسة وتربية ومعلّمة من معانٍ، بصرف النظر عن الجنسيات المعنية. وقبل هذا وذاك هو استباحة لحقوق الأطفال الذين يمنع القانون والأخلاق تصوير وجوههم من دون علم أهلهم، ونشر الصور/الفيديو في الانترنت. والاستباحة، مرة أخرى لمقومات شعورهم بالأمان، وتطمينهم لأمنهم الشخصي. وانتهاك لشعور مفترض بالمحبة، يقلل من عدوانيتهم، وليس الإمعان في استفزازهم وتصويرهم على هذا النحو لأسباب غير مفهومة. 

عندما يُقارن الفيديو، بفيديوهات أخرى تظهر عنفاً ضد اللاجئين، سيفضي الى نتيجة واضحة: بأن هناك تغييراً منهجياً في السلوك ضدهم. قوضت الضغوط الرسمية والأممية مساحة تحرك عنصريين لبنانيين ضد اللاجئين، فتحول التعبير عنها من العدوانية المباشرة، الى الانتهاك المبطّن. هو فائض القوة في مقابل فائض الضعف. القوة التي تنقض على الآخر الضعيف، بتحويله، إعلامياً، الى معتدٍ، حتى لو كان طفلاً. القوة التي تُمارس من موقع التحريض من المستويات السياسية الى المستويات الشعبية. 

لا جدال في أن الحرب السورية، ضاعفت منسوب العنف النفسي لدى السوريين، وساهمت قسوة النزوح في تنمية هذا الحس. لكن الأكيد أيضاً، أن التمييز والاحتقار والعدوانية أيضاً، كلها تنمي هذا الحس العداوني لدى الأطفال كردّ فعل، بمعزل عن قضية هذه الطفلة التي يبدو في حاجة إلى رعاية نفسية خاصة. 

وضع الفيديو الآن في عهدة وزارة التربية، وسيكون في عهدة جميع المسؤولين عند الطلب. ثمة أطفال يستحقون حياة أفضل. يستحقون الأمان والمحبة، والنظر الى حالتهم بوصفهم ضحايا لا مجرمين. فالمجرم من يمعن في الانتهاكات، وعليه أن يكون في موقع المحاسبة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها