الخميس 2019/02/21

آخر تحديث: 19:12 (بيروت)

نيشان الصلب يعرض ولا يسوّق لعفو عام

الخميس 2019/02/21
نيشان الصلب يعرض ولا يسوّق لعفو عام
قصة طحيبش ستثير المنظمات الحقوقية
increase حجم الخط decrease
الانطباع الأوليّ عن الحلقة الاخيرة من برنامج "انا هيك" الذي يقدمه الاعلامي نيشان على شاشة "الجديد"، بأنها حلقة تسويق سياسي لقانون "العفو العام" الذي اقرته الحكومة ضمن بيانه الوزاري، سرعان ما يتبدد. 

فالقصص المثيرة من سجن رومية، هي قصص شخصية بمعظمها، لا سياسية، وتخالف الصورة النمطية التي درجت وسائل الاعلام على تقديمها عن سجن رومية. هنا، أشخاص مظلومون، لقنتهم تجربة السجن درساً قاسياً، قد يكون اصلاحياً على المستوى النفسي، وردعاً عن جريمة، خلافاً لكل التغطية الاعلامية السابقة عن ان السجن غير مؤهل، بالمعنى الانساني والحقوقي، وأن السجين يدخل بتهمة "سرقة الطيور"، ويخرج تاجراً للمخدرات. 

ومع أن الجانب الحقوقي لم يغفله نيسان خلال الطرح، ولا الكاميرا التي رافقته، ولا أحاديث المحكومين والنزلاء، الا أنه ليس الرواية التي أراد نيشان تقديمها. ما أراده، قصة مختلفة. انسانية، وشخصية بالمعنى الضيق جداً. أظهر أسباب الجريمة وتداعياتها، كما أبرز الجانب النفسي القائم على التعلم من الخطأ. وهو واقع قائم، حتى لو لم يُضاء عليه في وسائل الاعلام الى حدّ كبير، ولو أنه مادة غير جذابة لمشاهد تجذبه مشاهد العنف والحريق، كما هو الحال في سجن القبة، أو التمرد، كما كان الحال في سجن السجناء الاسلاميين في "روميه". 

"لو عاد بي الزمن لن أقتل". يقول محكوم منذ سنوات بتهمة قتل قاتل أخيه، نادماً على فعلته التي جاءت بلحظة غضب أو طيش. أما الآخر، فيقول ان يستحق العقاب الذي لاقاه بالسجن، إثر فعلة شنيعة قام بها عندما اغتصب خمسينية امام زوجها بعد تقييدهما بسريرهما، وسرقة منزلهما. وفي رواية أخرى، يعبر سجين غير محكوم عن ندمه جراء تزوير أوراق ثبوتية والشروع بأعمال نصب. كما يلقي آخرٌ التهمة على الفقر والضيق. 

هي قصص انسانية تلامس أياً كان. تحاكيه. تستدرجه الى ردع نفسه عن الجريمة. لا تدفع للاستعطاف مع مجرم، لكنه تدفع لقبول توبته. الصورة هنا، جزء من حكاية أكبر تحتضنها جدران روميه، بمعزل عن متهمين بلا أدلة، وآخرين يدعون المظلومية. ونيشان بهذا المعنى، محاور وليس راوياً. وهو سياق برنامجه الذي يفتقد الى أي فقرة غير لا يروي فيها الضيف شؤونه، وبلا مؤثرات. كما في سائر حلقاته، لا يتدخل في السياق، بقدر ما يتيح لضيفه تقديم نفسه. يفتح له نافذة لمخاطبة الرأي العام المنقسم بين تأييد عفو عام، أو رفضه. 

في الصورة، لا تسويق للعفو العام. يسوق نيشان لصورة مغايرة عن واقع السجون في لبنان. بعد زوايا السجن، اصلاح نفسي. وفي البعض الآخر، تأهيل الى جانب التأديب. من هنا، يعبر الى المشغل والى صف الكومبيوتر لتعليم السجناء. يضيء على انجازات قامت بها مصلحة السجون في الحكومة اللبنانية، وهو تماه مع الخطاب الرسمي حول واقع السجون أخيراً، بعد الازمات السابقة التي عصفت بها، وسلكت درب التطوير برعاية حقوقية وسياسية دولية على وجه التحديد. 

من بين كل القصص، ثمة قصة لافتة. فالدهشة التي أبداها ثلاثة مشاهدين من اصل اربعة تسمروا قبالة الشاشة لمتابعة الحلقة عند رواية قصة السجين الفلسطيني وسام طحيبش المتهم باغتيال القضاة الأربعة، سرعان ما تتبدد، عندما يعالجهم المشاهد الرابع الى جانبهم بقصة السجين الفلسطيني السابق يوسف شعبان الذي كان متهماُ لسنوات باغتيال دبلوماسي اردني في بيروت قبل أن تتكشف الحقيقة في الاردن، ويخرج من السجن بموجب عفو رئاسي خاص وقعه الرئيس ميشال سليمان. 

هناك سابقة في لبنان، وتزخر قصة طحيبش بالتفاصيل الانسانية، من تعلمه من تجربته الجرمية السابقة، ومقتل ابنه "المغرّر به" للقتال في سوريا، الى والديه وعائلته الصغيرة.. وصولاً الى ما يقول انه ظلم لاحق به. هي تفاصيل بالتأكيد ستثير المنظمات الحقوقية، من غير أن يعلن نيشان موقفاً، أو حتى يبدي أي تعاطف مع المتهم. حافظ على رباطة جأشه، وعلى تعابير وجهه كمحاور لا يحكم، ولا يقارب الملفات بعاطفة. وهو سلوك مهني تتطلبه ملفات لها أبعاد قضائية، وضعها بتصرف الرأي العام  ليصدر أحكامه عليها. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها