الثلاثاء 2019/02/19

آخر تحديث: 21:23 (بيروت)

لبنانيون بمواجهة "البنك الدولي": حرب الصور والأرقام

الثلاثاء 2019/02/19
increase حجم الخط decrease
عشرات الصور، يواجه فيها ناشطون بيئيون لبنانيون البنك الدولي الذي يمول سدّ بسري. مساحة خضراء واسعة، و50 موقعاً أثرياً رومانياً، سينتهون تحت مياه سدّ ستباشر السلطات اللبنانية بتنفيذه. وحدها الصور، قادرة على جذب اللبنانيين لتوقيع العريضة الالكترونية ورفع الصوت، لكن "البنك الدولي" يواجههم بسلاحهم. بالصورة أيضاً، وبالاعلان الذي يصور فيه السد كمشروع إنقاذيّ للنفاذ من العطش. 
يبدو الكباش الالكتروني بين الطرفين، اشبه بحرب على الاولويات. فالبنك الدولي الذي يضع خطة دولية لتمويل مشاريع بناء السدود وتوفير مياه الشفة منذ العام 2013، يظهر المشروع على أنه خطة انقاذية لأزمة مياه ستجتاح العالم، ومن ضمنه لبنان. لا يلتفت في اعلاناته في ما يقوله الناشطون عن تدمير بيئي لمساحة تمثل رئة تنفس ومحمية طبيعية. ما يركز عليه، هو القدرة على توفير مياه الشفة لسكان المدن اللبنانية. لاطفال المدارس، ولأبناء بيروت. 


أولوياته، لجهة توفير حل مستدام لأزمة تلوح في الافق، يتقن الترويج لها اعلانياً، واقناع العطاشى بها. لكنه لا يلحظ خيارات أخرى في مناطق أخرى، قد تكون متصحرة، أو اقل ضرراً. وإزاء هذه اللقطة، لا يمتلك البنك الدولي دليلاً مقنعاً لجدوى إهدار واحدة من أجمل الواحات الخضراء في بيئة متصحرة. بل بيئة نمت فيها غابات الاسمنت، وسيقان الباطون. 

في الالبوم الذي نشره المصور اللبناني رامي رزق، قصة خضراء من مأساة محتملة. عبارة "انقذوا مرج بسري" المكررة، لا تحمل الكثير من علامات الجذب، لولا أنها ارفقت بصور خلابة التقطت من الجو، ومن قرب وأبعاد متعددة، وللمواقع الرومانية والانهار المهدورة، وحقول الزرع ومساحات الرعي. هنا، جنة مصغيرة من الأنعام الموعودة. تختلط الالوان في الصقيع، كما لو أنها في زمن اوروبي قائم.

ومع أن المنطقة لم تتحول في السابق الى وجهة سياحية اساسية (قد تكون الثغرة في الحملة للدفاع عنها)، إلا أنها تستحق أن تكون أكثر من ذلك. محمية أكيدة تفتح القلب على الحب، والرئة على التنفس، والعين على خيال. 

غير أن الصورة وحدها هنا، ليست أداة حرب في معركة خاسرة أمام أولويات انسانية، على الاقل على ما تقوله اعلانات البنك الدولي، ومشاريع تُنفّذ برعاية رسمية. فالشعار الذي تحمله صورة السد، تقول انه سيوفر المياه لبيروت الكبرى. الصفحة الفاعلة في فايسبوك، تقاتل بالارقام. اليوم قالت ان "المصدر الوحيد للمياه التي سيؤمّنها مشروع سدّ بسري هو مخزون السدّ نفسه، دون الحاجة إلى استجرار المياه من اي مصدر آخر، بما في ذلك نهر الليطاني"، و كل ما يتردد عكس ذلك يستند على معلومات مغلوطة من الاساس".

وأمس، نقلت عن مجلس الإنماء والإعمار قوله ان مشروع سدّ بسري لزيادة تغذية بيروت بمياه الشفّة، "يضمن توفير مياه الشرب النظيفة والسليمة" لنحو 1,9 مليون لبنانيّ، نافياً أن يكون المشروع يلحظ استجرار المياه من نهر الليطاني. هي تكرر الارقام بحوزتها، رداً على الارقام المقابلة، ما يشير الى ان هناك خطة اعلامية للمضي قدماً بالمشروع، رغماً عن المعترضين.
 
والمعترضون، يدركون أهمية الأرقام. وعلى الرغم من معرفهم أن القتال بحقيقة علمية تفيد بأن السد واقع على فيلق زلزالي، لن يدفع لرد، على غرار قضية سد جنّة في جبيل، إلا أنهم يؤكدون الواقعة، ويستندون الى الضرر البيئي الآخر الذي سيتسبب به السد.

في صفحة "انقذوا مرج بسري"، يقول الناشطون البيئيون ان 6 مليون من الاراضي الحرجية والسماحات الزراعية سيتم تدميرها. و20 مليون كيلوغرام متوسط امتصاص ثاني اوكسيد الكربون السنوي من مرج بسري، مقابل 5 ملايين ناتجة عن عمليات التشجير خلال السنوات الـ13 الاخيرة. هي أرقام صحية، تواجه اولويات البنك الدولي، الذي يمتلك أيضاً أرقامه. واللافت أن الطرفين يتصارعان على المستقبل. الطرفان يمتلكان وجهات النظر البيئية والصحية. الاول من جهة الهواء، والثاني من جهة الماء. لكن الطرف الاول، وهو الناشطيون المعترضون على تدمير المرج، يدعون لاعتماد البدائل، فيما الطرف المتوجس من العطش، لا يمتلك البدائل للهواء النظيف والمساحات الخضراء. أو على الاقل، لم يفكر بها.

مقابل هذه الحملات، شغل البنك الدولي أداته الاعلامية للرد على ناشطين لم يجدوا أمامهم الا العريضة الالكترونية لجمع 25 ألف توقيع، جمع أكثر من 17 منها حتى الآن. أسئلة واجوبة، وملصقات وصور، وترويج كبير للمشروع.. بدا أن البنك الدولي يتبنى المشروع، ويدافع عنه، وهو ما دفع ناشطين لسحب تقرير من صحيفة بريطانية في العالم 2013، يتحدث عن خطته لبناء السدود، واعتبار بعض المغردين لما يتم الترويج له على أنه مؤامرة. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها