الإثنين 2019/12/09

آخر تحديث: 20:04 (بيروت)

ساحات العراق تغني: لا نُحاوِر ذيل الكلب..الأعوج مهما استقام

الإثنين 2019/12/09
ساحات العراق تغني: لا نُحاوِر ذيل الكلب..الأعوج مهما استقام
من أحد كليبات "ذيل أعوج" المُنتج بمجود فردي من "شباب الساحات"
increase حجم الخط decrease
تحولت أغنية "ذيل أعوج" التي قدمها المغني والكوميديان العراقي، أيمن حميد، ضمن برنامج "البشير شو" الساخر، قبل أسبوعين، إلى شعار يجمع العراقيين عبر الإنترنت وفي ساحات التظاهر ضد نظام الحكم الطائفي في البلاد. ويمكن رصد عشرات النسخ من الأغنية التي يعيد تقديمها المتظاهرون والناشطون في "تويتر" و"يوتيوب" بإمكانات إنتاجية متفاوتة، بهدف واحد مشترك وهو التعبير عن الاستمرار في تحدي السلطة التي تواجه المحتجين بالعنف والتهديد.

وفيما يحافظ الناشطون على الكلمات واللحن، عند إعادة تقديم الأغنية الثورية، لعدم وجود حاجة للتغيير، فإنهم يقدمون تعبيراً بصرياً مختلفاً يعبّر عن حالتهم الشخصية ومنظورهم للثورة العراقية، خصوصاً أن الكلمات نفسها قادرة على ملامسة جميع العراقيين، وربما جميع شعوب المنطقة، التي تسعى للحرية والديموقراطية والتخلص من الأنظمة الفاسدة، منذ انطلاقة الربيع العربي العام 2010، والذي تجدد في موجة ثانية يمكن تلمسها حالياً في العراق ولبنان بشكل خاص.

وهنا يبرز إنتاجان بصريان للأغنية، الأول هو الفيديو الأصلي الذي قدمه برنامج "البشير شو" عبر قناة "دويتشه فيلله" الألمانية قبل نحو أسبوعين، والثاني هو الذي قدمه ناشطون عراقيون من ساحة التحرير وسط بغداد وأعاد البرنامج نفسه نشره السبت الماضي. كما يمكن تلمس فيديوهات أخرى من بينها إنتاج للأغنية يمزج بين اللقطات الواقعية للتظاهرات في العراق مع لعبة "بوبجي" الشهيرة، فيما أخرج مغردون أجانب الأغنية من إطارها المحلي عبر مقارنتها بتظاهرات هونغ كونغ، وتم تقديمها مع لقطات تدمج بين التظاهرات في البلدين.


وفيما يقدم الفيديو الأصلي نظرة داكنة ومخيفة لمعنى الحياة في العراق، في ظل سطوة الميليشيات التابعة لإيران بشكل خاص، من ناحية الخطف والتعذيب والقمع المستمر للاحتجاجات، وبالتحديد لقطة حمّام الدم التي تأتي كتعبير أكثر مباشرة، فإن الفيديو الثاني يبدو أكثر بهجة، ليس لأنه مصور بشكل حي في ساحات التظاهر نفسها، بل لأنه يظهر الإرادة الشعبية ويتفاءل بالمستقبل الذي سيتولد عن تلك الاحتجاجات، بالإضافة إلى ابتعاده عن المباشرة التي يكرسها الفيديو الأصلي. ويبدو الفيديو الثاني في المحصلة، أقرب إلى نتيجة يولدها الفيديو الأول، ومن هنا ينتفي التضاد بين الإنتاجين ويأتي الإحساس بالتكامل بينهما.

وتكرر كلمات الأغنية بإيقاع ثابت: "ذيل ينطي بناسه وأهله. ذيل أعوج ياهو يعدله. ذيل رافعلي قناصه، ويم الجارة يرفع رجله. ذيل يهددني بعمري. ذيل يدري لو ما يدري. ذيل شحَدّه يحاجيني؟ الساحة كلها بظهري. ذيل ضايج من لمّتنا. ذيل كل حلمه يسكتنا. ذيل نبقى نحجي بزود وغصباً عن كِلمِن هددنا"، علماً ان اللازمة التي تتكرر بالإشارة للذيل الأعوج، تستند إلى المأثور الشعبي المتناقل "ذيل الكلب أعوج.. ولو وُضع في القالب 40 سنة"، ما يشير إلى احتقار عام للميليشيات التي تقتل المتظاهرين من جهة، وطبقة السياسيين المرتبطة بأجندات خارجية من جهة ثانية، أي أنها "ذَيل" لطرف آخر. إضافة إلى فقدان الأمل من السلطة بشكلها الحالي، ما يتطلب التغيير الجذري. وبعض الكلمات معناه أن "ذيل الكلب هذا أعوج، لا شيء يقوّمه، يرفع قنّاصته في وجهي، وقرب الجارة يرفع ساقه، يهددني  في عُمري، ويقدّم نفسه على أنه يعرف كل شيء وهو لا يعرف شيئاً، فهذا ذيل.. كيف يحاورني؟ الساحة كلها خلفي. ذيل الكلب هذا يخشى اجتماعنا، وكل حلمه أن يُسكتنا".

وإن كانت الكلمات سوداوية في بعض الأحيان، إلا أنها تعبّر عن الواقع فقط. فبعد اندلاع الاحتجاجات، انتشرت تقارير عن وجود قناصة مقنَّعين قيل أنهم من الجماعات المسلحة الموالية لإيران، استهدفوا المتظاهرين وأطلقوا الرصاص عليهم من سطوح البنايات. وأصبح الرجال بالزي العسكري العراقي أكثر شراسة، واستخدموا الرصاص الحي ضد الناشطين، ما أدى إلى ردّ فعل عنيف. وبحسب منظمة "هيومان رايتس ووتش"، اختُطف 200 شخص على الأقل، بينهم محامون وصحافيون، وتقول منظمة العفو الدولية "أمنستي" أن العدد أكبر من ذلك.


وهنا، تتطرق الأغنية إلى التناقض في خطاب السلطة، حيث تنطلق بجمل من خطاب لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، وهو يتحدث عن "إعادة الحياة إلى طبيعتها في جميع المحافظات" و"احترام سلطة القانون"، وتبرز الأغنية الطريقة التي اعتمدتها السلطة لتحقيق ذلك، عبر العنف بعدما خرج مئات آلاف العراقيين إلى الشوارع في بغداد والجنوب، مطالبين بالتغيير، ووعد المسؤولون بالإصلاحات، وردّت قوات الأمن بإطلاق النار على المتظاهرين، وقتلت أكثر من 400 شخص، ولم تنجح التنازلات ولا القمع في تخويف المتظاهرين. ووصلت الأمور إلى ذروتها في 29 تشرين الثاني/نوفمبر، عندما دعا المرجع الشيعي، علي السيستاني، إلى تغيير الحكومة، فرد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، بالاستقالة.

ويرفع المتظاهرون العراقيون شعارات وطنية تنادي بتخليص البلاد من النفوذ الأجنبي، وتحديداً النفوذ الإيراني العميق في البلاد، وتجلى ذلك في الهتافات ضد نظام الملالي في طهران بالإضافة إلى حرق قنصليات إيرانية في مناطق مختلفة، منها النجف ذات الأهمية الدينية، فيما تشير تقارير دولية إلى الأساليب التي اتبعتها السلطات لقتل المتظاهرين بما في ذلك قنابل الغاز المسيل للدموع التي كانت تطلق على رؤوسهم، والتي جسدتها فيديوهات الأغنية بالتركيز الكثيف على أقنعة الغاز التي يرتديها المتظاهرون في الساحات.



ورغم أعداد القتلى إلا أن المعنويات عالية، فهناك أجواء احتفالية في المدن العراقية، تبرزها الأغنية بشكل واضح، خصوصاً أن الشريحة الأكبر من المتظاهرين هم من الشباب الباحثين عن التغيير والذين فقدوا الأمل في الإصلاح، ودعوا إلى حكومة جديدة ونظام انتخابي جديد وانتخابات مبكرة، وهم يريدون محاكمة الفاسدين ومن تورط منهم في مقتل المتظاهرين. واللافت هنا أن ما يقدمه المحتجون العراقيون من أساليب للتعبير عن أنفسهم، بات ينتشر في المنطقة، بما في ذلك اللافتات التي رفعها لبنانيون في منطقة "سعدنايل" والمأخوذة من الاحتجاجات العراقية مباشرة.

هذا المشهد الذي تجسده الأغنية أيضاً، يكسر الصورة النمطية الطائفية عن العراقيين في وسائل الإعلام العالمية، وباتت هناك احتفالية في الصحف الكبرى بالطاقات المدنية في البلاد، والمنفصلة عن الحكومة. فصحيفة "نيويورك تايمز" مثلاً تشير إلى بروز شركات ناشئة ونسخة عراقية لموقع "أمازون"، وخدمة توصيل بقالة للمنازل، ومساحات للعمل المشترك ومقاهٍ ثقافية. وأضافت في تعليق من ساحة التحرير وسط بغداد: "ليس هناك نقص في المواهب أو التصميم على خلق فرص في مجالات عجزت عنها الحكومة. وحققت جماعات المجتمع المدني المستقلة ومنظمات الشباب والمرأة تقدماً كبيراً".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها