الأحد 2019/12/29

آخر تحديث: 17:02 (بيروت)

في عيدها الـ75.."اللوموند" تنشر أسرارها المخبّأة

الأحد 2019/12/29
في عيدها الـ75.."اللوموند" تنشر أسرارها المخبّأة
(غيتي)
increase حجم الخط decrease

الكتيبات الأربعة التي أصدرتها جريدة "اللوموند" الفرنسية العريقة بمناسبة مرور 75 عاماً على تأسيسها، تحت عنوان "أسرار اللوموند المخبأة"، حملت أكثر من رسالة وفي أكثر من اتجاه. فالجهة التي أنجزت المهمة هي أسرة مجلة Zola، التي أسستها مجموعة من الصحافيين الشبان، حيث من المقرر أن تبدأ الصدور العام المقبل، بعدما قررت اعتماد الأسلوب الأدبي لصياغة موادها ومقالاتها.

جريدة "اللوموند" التي وضعت أرشيفها بتصرف صحافيين لا تتعدى أعمارهم الخامسة والعشرين، عكست بذلك صراع الأجيال، لا سيما وأنّ جيل مواقع التواصل بات يستقي الأخبار من الإعلام الموازي. في حين تكرّس هذه المبادرة تطلّع وإيمان الصحيفة بديمومة الصحافة الورقية، إلى جانب تطبيق مبدأ الحيادية في تقييم تجربتها، حيث ابتعدت عن أن تكون الحكم على نفسها في يوبيلها الماسي.

وطالما كان هاجس الحيادية يسيطر على هذه الجريدة التي صدر عددها الأول في ديسمبر 1944. كان تأسيسها بمبادرة من شارل ديغول، في خضم الحرب العالمية الثانية، بهدف تغطية الأحداث الدولية ليرتفع بذلك صوت فرنسا المحررة من الاحتلال النازي. ورغم أن هذه الجريدة تدين بتأسيسها لديغول إلا أنها لم تكن امتدادا له ولا لسياسته، حتى بعد توليه رئاسة البلاد العام 1958 ظلت منبرا معارضا له.

و"اللوموند" لم تقر يوماً بميولها اليسارية، لكن ليس صعباً ملاحظة هذا الخط التحرري: ففي العام 2014 شكل اليساريون 63% من مجمل قرائها، وعقب انتخاب الاشتراكي فرنسوا ميتران رئيساً للبلاد العام 1981 لم تخف الجريدة دعمها له، لكنها سرعان ما عادت إلى "رشدها" بعد انتقادات القراء لها.

الصحيفة التي باتت اليوم واحدة من أشهر الصحف العالمية، كان للولايات المتحدة الأميركية الحصّة الأكبر من التغطية في صفحاتها الأولى، وهو ما يوثّقه جدول يستعرض أبرز موادها طوال مسيرتها المهنية الطويلة.

وأن تتصدر أخبار بلد ما الصفحة الأولى "اللوموند"،  فذلك مرده إلى مدى انعكاس الحدث الخارجي على الداخل الفرنسي. إذ نلاحظ، على سبيل المثال، أنه طوال الفترة الممتدة من 1956 إلى 1962 كان الحدث الجزائري عنوانا أول دون منازع تقريبا، وهي الفترة التي دارت خلالها حرب التحرير الجزائرية.

لكن في المقابل، تحيل المقارنة إلى ملاحظة أنه بين العامين 2011 و2019 لم يتصدر الحدث السوري عناوين الجريدة بالزخم نفسه، رغم فداحة تلك المأساة الإنسانية. فالأزمة الأوكرانية أخذت حصتها من التغطية العام 2014 ، كما نلاحظ اهتماما باليونان واقتصادها المتعثر آنذاك إلى جانب صعود اليمين المتطرف في إيطاليا والبريكست كما الحرب التجارية الأمريكية – الصينية، وغيرها من الأحداث والعناوين.

ولعلّ أكثر ما يوثق اهتمام الـصحيفة بالأخبار الدولية هو تأسيس Le Monde Diplomatique العام  1954، والتي باتت تصدر بأكثر من 18 لغة، وهي جريدة شهرية تعبر عن الميول اليسارية لهذه المجموعة الإعلامية. فيما تنحاز "لوموند ديبلوماتيك" بوضوح تام لدول العالم الثالث لا سيما في فترة ما بعد الاستعمار. كما أنها لا تخفي معاداتها للاقتصاد النيوليبرالي وللنظام العالمي الأحادي القطب، كما اتُهمت بمعاداة السامية لمساندتها القضية الفلسطينية.

في كتابه "تاريخ جريدة اللوموند" يشير باتريك إيفنو إلى أن الصحيفة لم تتبع منذ تأسيسها أي حزب، لكن ذلك لا يعني أنها لم تكن منحازة، بل إنها تصطف إلى جانب أي قضية تستحق الدعم وتحارب الأفكار المضرة بفرنسا وبالإنسانية". وصحيحٌ أن الخط التحرري للـ Le Monde Diplomatique مستقل، لكن ذلك لا ينفي "صلة الرحم" مع الجريدة الأساس، ليس فقط لأنها خرجت من باطنها بل أيضاً لأن Le Monde تساهم بـ 51% من أسهم Le Monde Diplomatique إلى جانب أن السياسة التحريرية في كلا الصحيفتين تدوران في الفلك نفسه، ولو أن Le Monde Diplomatique تبقى أكثر راديكالية.

جزء من تاريخ الـ Le Monde طبعته المطبات المالية والإدارية حتى دخلت رؤوس الأموال إلى قلب هذه الأسرة وسيطرت على غالبية أسهمها وذلك على حساب المستقلين (أي الهيئات الممثلة لمصالح العاملين في الجريدة) ما جعل الجريدة عرضةً للانتقاد لا سيما من إدوي بلينيل، مؤسس موقع "ميديا بارت" الاستقصائي ومدير التحرير السابق في "اللوموند". لكن سعي الصحافيين للحفاظ على استقلالية الخط التحرري لجريدتهم دفعهم للاشتباك مع الممولين في أيلول/سبتمبر الفائت مطالبين بتكريس الفصل بين رأس المال والعمل الصحافي.

لكن يجدر القول، إنّ الصحيفة العريقة التي باتت مرجعاً في عالم الصحافة، فرنسياً ودولياً ، لم تكن جذابة على مستوى المانشيت، فلم ترقَ إلى مستوى مانشيتات جريدة الـ Libération  مثلاً والتي نجد فيها لعباً على الكلام وتفنناً لغوياً إلى جانب الصور المستخدمة. وعلى الرغم من أن "اللوموند" تبذّل جهوداً في هذا الإطار، لكنها ما تزال جهوداً خجولة إلى الآن.

لكن ذلك لا يُشكّل الهاجس الأكبر بالنسبة للصحيفة، التي تعطي أولياتها في الوقت الراهن إلى تكريس جهودها الكبرى في سبيل توسيع رقعة انتشارها وزيادة عدد قرائها، خصوصاً من خلال الاشتراكات الرقمية، التي يبلغ عددها الحالي 223 ألف مشترك، مقابل 90 ألف مشترك بنسختها الورقية، في حين يبلغ عدد زوار موقعها الالكتروني 4.5 مليون زائر يومياً.

وتبقى "اللوموند" واحدة من آخر الصحف المسائية الفرنسية، فعند العاشرة والنصف من كل صباح تكون الجريدة جاهزة للطباعة ليبدأ توزيعها مع بداية الظهيرة لكن بتاريخ يوم التالي. 75عاماً وما زالت اجتماعات التحرير تنعقد وقوفاً، في تقليد أرساه مؤسسها هوبير بوف – ميري، وتمسّكت به أسرة الصحيفة، التي تستند على أمجاد الماضي لتحقيق النجاحات في الحاضر والمستقبل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها