الأربعاء 2019/12/18

آخر تحديث: 21:12 (بيروت)

السلطة للناس: لن أسمعكم بعد اليوم.. ولن أراكم

الأربعاء 2019/12/18
السلطة للناس: لن أسمعكم بعد اليوم.. ولن أراكم
سقطت شرعية النواب الذين سكتوا على جدار العار (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
المسافة التي تصنعها السلطة مُبتعدةً عن المواطنين، لم تعد مسافة سياسية، تريد فيها أن تدير أذنها الطرشاء لمطالب الشعب. فهي، ببناء جدار من الاسمنت في وسط بيروت، لا تريد أن ترى ما يريده الناس، وتخلق مسافة بينها وبينهم. 

والسلطة هنا، لا تكتفي بالابتعاد عن الشعب، فهي تبعدهم عن حق صنعه الناس لتوظيفه لصالحهم، يوم شاركوا في الانتخابات النيابية. السلطة تهاجر الى مكان مجهول. الى جزيرة نائية، حيث لا تريد سماع أصوات الناس، ولا رؤيتهم. جدار للفصل بين واقعين، مصنع للتشريعات وراء الجدار، وعمّال يحصدون الهواء خارجه. إنه العبث. 

والعبث هنا، يُستدل اليه في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تحفل التغريدات بإدانة السلطة، وتصوريها كأداة عزل وانعزال. تقول مغردة: "أنتم تبنون  جداراً ونحن نبني وطناً". تحمل هذه العبارة إشارات كثيرة الى رؤية السلطة لنفسها، استناداً الى مشهدين: الأول تصنعه الثورة، لجهة التلاقي مع الآخر، وتوحيد الساحات والمطالب، والانفتاح على الآخر بمعزل عن الطائفة والانتماء السياسي، وهو ما يُستدل اليه ببناء الوطن.

أما بناء الجدار، فهو النقيض. مشهد الانعزال أحد وجوهه، نتيجة الخوف، أو اللامبالاة. ويجتمع السببان في بناء الجدار في وسط بيروت. لا مبالاة تجاه أصوات الناس، وخوف من مواجهتهم. توجس من رؤية متظاهر يعبّر عن غضبه بالشتيمة. وتوجّس من غاضب قد يطاول غضبه البنيان المحميّ. وهو وصفة للتعامل مع "إنسانية" القوى الأمنية التي يفترض، بحسب منظور السلطة، أن تكون جداراً بشرياً في وجوه الناس، وقد سقط خلال تجربة 60 يوماً.

والمفارقة، فإن خطاب السلطة تجاه الجدران، يتسم بازدواجية المعايير. فعندما بنى المعتصمون في نهر الكلب جداراً رمزياً لتحطيمه في اليوم التالي، تصاعدت التحذيرات من مخطط للفرز الطائفي والمناطقي، وقطع أوصال البلاد، تحضيراً لحرب أهلية جديدة، كما زعم أنصار السلطة آنذاك. 

اليوم، يبنون جداراً يلوذون بالأبنية خلفه، كتجسيد لحرب المسافات. حرب تصطنعها السلطة، في زمن السلم، وهي نفسها السلطة (أو قسم منها) اعتاد على المشهد عندما كان يثبت الأكياس الرملية في الحرب، للاحتماء بها. وعليه، بات الجدار محل إدانة، عبّر عنها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، عندما كشفوا زيف الانتقاد التحذيري لجدار نهر الكلب. 


والحال أن السلطة، بذلك، لا تملك خيارات المواجهة، أقلها خيار الإصلاح المطلوب منها دولياً ومحلياً، وخيار استبدال فاسدين بوجوه متخصصين على مسافة من الطبقة السياسية والولاءات المصلحية الضيقة، من أجل إنقاذ الوضع المالي والاقتصادي. عوضاً عن ذلك، تهرب السلطة إلى ما بعد الجدار. ذلك الذي تُخبّأ خلفه أسرار الدولة المهترئة، وتفاصيل الترهل في المنظومة. هناك، سقطت شرعية النواب الذين سكتوا على جدار العار، وأقاموا حواجز سياسية ونفسية مع ناخبيهم. 



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها