الثلاثاء 2019/12/17

آخر تحديث: 19:47 (بيروت)

بعد لبنان.. إسرائيل تتوقع انتفاضة في الضفة

الثلاثاء 2019/12/17
بعد لبنان.. إسرائيل تتوقع انتفاضة في الضفة
increase حجم الخط decrease
على مدار شهرين من اندلاع الإحتجاجات الشعبية في لبنان، اتخذت وتيرة تغطية الإعلام الإسرائيلي لها شكل "الموجة".. بحيث يغيب لأيام أي تناول لمجرياتها، ثم نرى وقائع الثورة اللبنانية المستجدة عنواناً بارزاً في محطات التلفزة والإذاعة وحتى الصحافة المكتوبة في الدولة العبرية.

ويبدو ان التموّج في وتيرة التغطية الإعلامية الإسرائيلية لإحتجاجات لبنان مرهون بدرجة سخونة أحداثها.. فمثلاً عندما تقع مواجهات مؤسفة بين محتجين والأمن اللبناني قبالة البرلمان وسط بيروت، كما جرى خلال اليومين الماضيين، يحضر العنوان البارز في الإذاعة الرسمية "مكان" وهو: "عشرات الإصابات في مواجهات بين المحتجين وقوات الأمن اللبنانية".

فيما تعنون صحيفة "معاريف" صدر صفحتها الأولى: "على الرغم من خطاب نصر الله، توتر بين المتظاهرين وقوات الأمن اللبنانية".

كما تواكب وسائل الإعلام الإسرائيلية المشاورات السياسية العسيرة الرامية الى تسمية رئيس وزراء جديد للبنان، تمهيداً لتكليفه بتشكيل "حكومة طوارئ".. 

وبعيداً من الصحف ووسائل الإعلام التقليدية في إسرائيل، التي اقتصرت معالجتها لما يجري في لبنان على الناحية الخبرية المجردة -إن توافرت- في الأيام الأخيرة، فإن التحليل الأعمق للحالة الشعبية في لبنان ومقارباتها، نرصده في تلك الأقلام الإسرائيلية التي تمزج قراءتها العلمية والأكاديمية بالأمن والسياسة والإقتصاد.

وفي هذا المضمار، كتب الباحث الإسرائيلي في مركز هرتسليا للدراسات المتعددة المجالات أودي أفينتال، مقالاً بعنوان "الاحتجاج في العراق ولبنان وإيران: قواسم مشتركة في الشكل، والدلالات بالنسبة إلى إسرائيل".

والواقع، أن المفارقة بين مقال اودي افينتال، وطريقة معالجة الإعلام الإسرائيلي لأحداث لبنان، تكمن في أن الأول يتخذ الشكل العلمي والشامل، وهو مُوجّه للدوائر الإستراتيجية في تل أبيب كي تفهم الحالة عن كثب.. بينما المعالجة الإعلامية العبرية يغلب عليها الجانب "الدعائي" والتنميطي والتسطيح في بعض الأحيان.

يحاول افينتال- وهو جنرال سابق في الجيش الإسرائيلي- أن يكون واقعياً عندما يُقر بأن دوافع الاحتجاج في الساحات الثلاث (لبنان، العراق، ايران) نابعة من مُنطلق اجتماعي واقتصادي بالدرجة الأولى ثم تطور الأمر إلى المطالبة بتغيير المنظومة الحاكمة المتهمة بالفساد.

ويتابع الكاتب الإسرائيلي متحدثاً عن قاسم مشترك في احتجاجات لبنان والعراق وحتى ايران، ويتمثل بأنها تعكس صراع أجيال؛ ففي الدول الثلاث، الشباب يقودون الاحتحاج؛ فهم أقل تقيداً بالماضي والتابوهات التي خلقتها الأحزاب من مُنطلق مصلحي لا وطني.

ويواصل اودي افينتال تحليل سمة أخرى للاحتجاج في الدول الثلاث، مُستنداً على استنتاج نابع من علم "الاجتماع السياسي".. فيعتقد أنه عكس الصراع الاجتماعي بين الطبقات. في إطاره، مواطنون عاديون من الطبقات الدنيا، خرجوا للتظاهر ضد مَن يعتبرونهم من نخبة فاسدة أصبحت ثرية أو ازدادت ثراء على حسابهم. 

"بنظرة إلى المستقبل، يبدو أن الدول الثلاث دخلت في مرحلة طويلة من عدم الاستقرار".. هكذا استشرف افينتال، مآل المشهد الجاري في هذه الدول؛ معللاً ذلك على خلفية إصرار الأنظمة والنخب على عدم التنازل عن السلطة، وعدم القدرة على الحكم في الدولة بصورة ناجعة في النظام الحالي، وغياب جدول أعمال سياسي بديل أو قدرة على وضعه، يؤدي إلى تغيير ملموس في نوعية حياة المواطنين.

والحال، إن هذا المقال الاستراتيجي استبق المنصات الإعلامية الإسرائيلية المعهودة، في إماطة اللثام عن مكمن التوجّس الإسرائيلي من احتجاجات لبنان والعراق تحديداً، حينما أشار إلى الخوف من انتقال العدوى إلى المملكة الأردنية والضفة الغربية؛ خصوصاً أن عوامل الانفجار الشعبي مشابهة لكل من بيروت وبغداد.

ويوضح ذلك أكثر بقوله "إن عدم الاستقرار في العراق ولبنان وإيران ليس أمراً خاصاً بهذه الدول، بل يميز أيضاً أنظمة أُخرى تواجه مشكلات مشابهة، في الأساس بشأن كل ما يتعلق بالقدرة على تقديم رد شامل على الضائقة الاقتصادية-الاجتماعية ومشكلة البنى التحتية والديموغرافية".

وفي واقع إقليمي من عدم الاستقرار وعدم اليقين، حيث "العدوى" تنتقل في الساحات المتعددة من الواحدة إلى الأخرى، وفق افينتال، فإن المطلوب من إسرائيل "تحديد المخاطر"، ومواجهة تحدي الاستقرار في ساحتين جوهريتين: الأردن والضفة الغربية.

الكاتب الإسرائيلي قرّب المجهر من الواقع في الضفة الغربية، باعتبار أن أي قلاقل فيها ستضرّ بإسرائيل؛ إذ قال ان الضفة تتضمن كل المكونات التي تخلق خليطاً متفجراً: "جيل شباب لا يعرف كلفة سنوات الانتفاضة، يواجه أزمة اقتصادية حادة، ويخضع لسيطرة زعامة فاسدة، مشكوك في شرعيتها، ويقف عاجزاً في مواجهة خطوات إسرائيل، مع الإحساس بأن العالم العربي تخلى عنه".

في مثل هذه الظروف، يظهر افينتال في دور الناصح لاسرائيل، فيقول إن المطلوب منها الامتناع عن القيام بخطوات يمكن أن تزعزع الوضع القائم، مثل الضم، والتركيز على حلول فورية للضائقة الاقتصادية التي يرزح تحتها السكان الفلسطينيون وسلطتهم، وتوسيع حل تحويل أموال المقاصّة وغير ذلك.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها