الإثنين 2019/12/16

آخر تحديث: 13:19 (بيروت)

آدم شمس الدين ونوال بري.. وليلة التغطية المرعبة

الإثنين 2019/12/16
آدم شمس الدين ونوال بري.. وليلة التغطية المرعبة
increase حجم الخط decrease
على مدى دقائق، سارت مراسلة "ام تي في"، نوال بري، بين متظاهرين يستعدون لركوب الحافلات والعودة الى طرابلس قرب جسر شارل حلو، من غير أن تستصرح أحداً منهم. طلبت منها المذيعة في الاستوديو استصراحهم، لكنها راحت تستمهلها للوصول الى الحافلات. ولدى وصولها، سألت شخصين في الحافلة، وأبلغت المحتجين الى جوارها بأنها لا تريد فتح الهواء للشتائم، ثم عادت أدراجها الى الصيفي. 

ولعله لا بد من التوقف، مع الكثير من علامات الاستفهام، عند قرار "إم تي في" إيفاد نوال بري بالذات، ليلة أمس الأحد، لتغطية مجريات وسط بيروت، حيث الاحتجاج على أبواب مجلس النواب، والثوار يهتفون ضد رئيسه (كما هتفوا ضد سائر أقطاب السلطة في إطار "كلن يعني كلن").. في حين أن نوال بري هي الشهيرة بتغريدتها، "كبير العيلة، كبير الكل، ما في حدا متلو بالسياسة لا قبل ولا بعد" المرفقة مع صورتها "السيلفي" مع الرئيس بري، وذلك في صيف 2015 أيام الحراك المدني خلال أزمة النفايات.
ونوال، لم تكن الوحيدة التي حددت معايير استصراح المتظاهرين. فزميلتها في "ام تي في" أيضاً، جويس عقيقي، انسحبت من بين المحتجين حين علت هتافات ضد رئيس مجلس النواب نبيه بري، واعتذرت عن شتيمة صدرت على الهواء مباشرة، كما قالت انها لا تتبنى معلومة صدرت عن أحد المتظاهرين. ما يشير، حكماً، إلى قرار بعدم فتح الهواء إلا لما "مفَلتَر". 

ويبدو أن القرار لا يقتصر على "إم تي في"، بل يشمل معظم القنوات الاعلامية، بعد موجة من السباب اجتاحت التغطيات التلفزيونية خلال الأيام الأولى للثورة، تعرضت خلالها القنوات لموجة واسعة من الانتقادات والاتهامات. ويتصدر القرار، خوف من أن تطاول الشتائم شخصيات بارزة في البلاد، أبرزها رئيس الجمهورية ميشال عون، كما ظهر في السابق في تغطيات في منطقة جل الديب والذوق والشيفروليه وبعبدا، والآن رئيس مجلس النواب نبيه بري ضمن تغطيات اليومين الماضيين في ساحة الشهداء ومحيطها في وسط بيروت. 

والإجراء الذي اتخذته وسائل الإعلام المرئية، قد يُقرأ على أنه مسعى للتهدئة، وللحدّ من مادة إعلامية قد تثير حساسيات، وهو ما تم التعبير عنه في حديث أحد "فعاليات الخندق الغميق" قرب جسر الرينغ عندما قال لمراسلة "إل بي سي"، ريمي درباس: "عم يتطاولوا على أسيادهم".. لكن الإحجام عن نقل مشاهدات، أو تفسير ما تنقله الكاميرا، هو على الأرجح خوف مبالغ فيه. ولعله ليس التخوف وحده، أو عدم التوازن. بل ظهر أيضاً، في حالة مراسلتَي "إم تي في" بري وعقيقي، ومعهما مراسلة "الجديد" ليال سعد، قصور مهني. إذ بدت المراسلات الثلاثة سائرات على غير هدى في "أرض المعركة" أمس، وملأن الهواء بكلام وصفي لا يشرح ما يراه المُشاهد عبر الكاميرا، بل وغالباً ما يخلط بين "المتظاهرين" و"المندسين" وحتى "الشبان" الذين لا يُفهم إن كانوا من الثوار أم من شبيحة مناطق مجاورة. كما أن الاحتماء بالقوى الأمنية، ونقل المشاهدات من بعيد، ومن دون فتح الهواء للأطراف كافة، لا يندرج ضمن العمل الاعلامي، والوظيفة التي تقتضيها مهنته. 

تُسجّل في هذا السياق تجربتان ظهرتا في التغطية المباشرة، ليلة أمس الأحد. تكفّل مراسل "الجديد"، آدم شمس الدين، بشرح دقيق وميداني مُحترف لما يحدث أمامه وهوية الأطراف التي دخلت على خط المواجهات. ونقل مشاهداته، قائلاً إن عنصراً في شرطة مجلس النواب قام بإحراق احدى خيام المعتصمين في ساحة الشهداء، ثم ما لبثت شرطة المجلس أن أصدرت بياناً نفت فيه الواقعة. غير أن شمس الدين كان قد قال إنه تعرّف على وجوه هؤلاء نتيجة تغطياته سابقاً في مجلس النواب، ونقل بأمانة كيف أن ضباطاً في شرطة المجلس كانوا يدعونهم للتوقف لكن العناصر لم ينصاعوا. والحال إن شمس الدين كان مراسلاً ميدانياً حقيقياً، استخدم خبرته وتراكم معلوماته لإعطاء قيمة مضافة على ما تنقله الكاميرا، ولم يكتف بالثرثرة لملء الهواء فيما الكاميرا تصوّر.

وفي الضفة المقابلة، لم تفارق مراسلتا "إم تي في" القوى الأمنية، ومثلهما مراسلة "ال بي سي" هدى شديد. وإذا كان التصاق مراسلي القنوات القريبة من السلطة، بالقوى الأمنية، مفهوماً، فإن غياب وجهة نظر المتظاهرين عن الإعلام المفترض أنه المؤيد للثورة، يبقى غير مبرر. ولم تفارق المراسلات زاوية جريدة "النهار" وشارع فوش، إلا عندما كسرت مراسلة "ال بي سي" هذا الحظر ووصلت الى المتظاهرين لنقل وجهات نظرهم، وهو المشهد الذي كان غائباً، يبرره البعض بضرورات أمنية مرتبطة بسلامة المراسلين. 

وحدها "ال بي سي" قدمت الرواية من زوايا ثلاث. بعد ساعتين من المواجهات، توجهت مراسلتها هدى شديد الى ضفة المتظاهرين في الصيفي، ونقلت الصورة والرأي الآخر، قبل أن تلتحق بها مراسلة "ام تي في" بنحو عشر دقائق. في زاوية أخرى، كانت مراسلة "ال بي سي" تتقصى الخبر من مدخل الخندق الغميق، إثر وصول انباء عن تجمعات في الميدان استعداداً للنزول الى ساحة الشهداء. 

وباستثناء تلك الخروقات، فقد كانت ليلة المشهد الواحد. طوال ساعتين، كان الهواء مفتوحاً لصورة واحدة، معتمة، لا تتضمن رأياً يقابله رأي آخر. قيل في السابق، على سبيل توصيف الحال، ان الصحافي يكتب والمسدس فوق رأسه. وتبيّن أن الرعب لا يقتصر على الكاتب، بل يشمل المراسل التلفزيوني الذي يغطي متوجساً من حجر أو قنبلة مسيلة للدموع، أو من أزلام السياسيين الذين قد يشتمونه في مواقع التواصل. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها