الأربعاء 2019/11/20

آخر تحديث: 19:32 (بيروت)

"الجديد" يُكرّس فصام "حزب الله"

الأربعاء 2019/11/20
"الجديد" يُكرّس فصام "حزب الله"
"بري، نصرالله، والضاحية كلها" (غيتي)
increase حجم الخط decrease
الفصام العجيب لـ"حزب الله" وجمهوره لم يعد اليوم موضع شك، بعدما كرّت سبحة الأحداث والدلائل لتكرّس ذلك الجانب وتبرزه في أكثر من حدث وموقف. فمَشاهد ساحتي رياض الصلح والشهداء من اعتداء على المتظاهرين وتحطيم خيمهم وسرقة محتواها وحرقها، بحجة الاعتراض على شعار "كلن يعني كلن"، أو بذريعة استنكار ما ورد على لسان بعض المتظاهرين من الفاظ لا تليق "بمقامات" قياداتهم، قابلها مشهد آخر أباح من خلاله جمهور"حزب الله" لنفسه تبنّي الشتيمة والتفنن بها، بل وصل بهم الأمر لهتك أعراض الثوار ومن ينقل صوتهم في وسائل الإعلام.


وبدلاً من أن يتجمّع هؤلاء حول مواطن الفساد ومقرات المفسدين، صوّبوا وجهتهم نحو الوسيلة الإعلامية الوحيدة في الوقت الراهن، التي تقوم تباعاً بكشف وفضح الفاسدين وتؤشّر عليهم بالوثائق والأرقام. هكذا قامت مجموعة من الشبّان المناصرين لـ"حزب الله" و"حركة أمل" بالتجمّع، مساء الثلاثاء، أمام مبنى تلفزيون "الجديد"، احتجاجاً على ما ورد في مقدمة نشرة الأخبار المسائية، والتي يبدو أنها أفقدت "حزب الله" صوابه، بعدما كسر "الجديد" عادة المسايرة والملاطفة وسمّى الأمور بأسمائها.


لم يكتف "حزب الله" وحلفاؤه بالدعوة إلى مقاطعة الثورة وتخوين المتظاهرين والاعتداء عليهم، بل وصل به الأمر إلى حدّ التحريض ضدّ مراسلين وصحافيين ليس لهم سلاح سوى كلمتهم الحرة. وليست حملة توزيع أرقام المراسلين عبر مجموعات في "واتس اب" والدعوة إلى شتمهم وتهديدهم، سوى الدليل الأبرز على نوبات الهيستيريا التي انتابتهم. وفي حين كان لمراسلي "الجديد" الحصّة الأكبر من حملة الشتائم والترهيب هذه، قررت القناة المواجهة والقول إنّ "مجموعات مِن حِزبِ الله، بغطاء غير رسمي، تُديرُ أمرَ عملياتٍ ضِدَّ الاعلام.. وما تعرّض ويتعرضُ له موظفو الجديد لا يقبلُه عقلٌ ولا دين.. افتراءاتٌ وشتائمُ وصورٌ إباحيةُ وتوزيعُ خُطوطِ زميلاتٍ وزملاء.. ومعظمُ الجيوش من البراغيتِ المُهاجمة تحتمي بصورةِ السيد حسن نصرالله لادّعاءِ الحَصانةِ الحزبية. ومعَ استمرارِ القصفِ المركّزِ على الزملاءِ وأعراضِهم فإنّ الحزبَ صمَتَ عن الإدانةِ أو عن تسطيرِ بيان من بياناته الرادعة.. ولأن الصمتَ علامةُ الرضا فإنّ الجديد تحمّلُه اليومَ مسؤوليةَ هذا الهجومِ حتى يتبينَ العكس".

وفيما ظهر موقف لنجل أمين عام "حزب الله"، جواد نصر الله كرادع للمشاركين في هذه الحملة، وعلى أنه بمثابة رد أو موقف رسمي من الحزب تجاه ما يحصل، إلا أنّ الواقع يشير إلى أنّ تغريدته التي أطلقها في هذا السياق، لا تندرج سوى في ألاعيب الحزب التي دأب على ممارساتها، من خلال عادته باستخدام التقية كسبيل لتبرئة نفسه والظهور بأنه يتعالى عن الأساليب الرخيصة، رغم أنّ هذا دأب جيوشه الالكترونية التي اعتادت الترهيب بشتّى الوسائل، التي لا تراعي ذمّة أو كرامة.

عدا عن أنّ المتابع لمسيرة "حزب الله" السياسية، لن تغيب عنه حقيقة أنّه كان من أبرز من أرسى الشتيمة في المعادلة السياسية، سواء في جلسات البرلمان، الحافلة بالشتائم والاهانات والقاء تهم العمالة الجاهزة جزافاً، أوالتصريحات الاعلامية، أو حملات الهجوم التي يدفع مناصريه لشنّها ضد الخصوم، ليعود اليوم في أعقاب الثورة ويحرّض ضدّ كل من يرفع صوته شاتماً أو حتى منتقداً أالفاسدين في الطبقة السياسية جمعاء.

لكنّ حملة الهجوم الممنهجة ضدّ الإعلام الداعم للثورة ومطالب المحتجين، تأخذ بُعداً آخر حين يتعلق الأمر بتلفزيون "الجديد"، الذي لطالما كان مقرّباً من قيادات "حزب الله" وجمهوره ومسانداً لخطّه وموقفه، بل ومروّجاً لها، خصوصاً في مقدمات نشرات الأخبار التي دأبت على الدفاع عن سلاحه ومشروعه. إلا أن المفارقة هي أن "الجديد" ييتلقّى الهجوم اليوم لاختياره الاصطفاف مع الثورة وفتح ملفات الفاسدين، وبات يمثّل رمز الحرب على الفساد بالنسبة للبنانيين، الأمر الذي يبدو أنه قضّ مضاجع "حزب الله"، تماماً مثل كل الأحزاب التي تشكّل السلطة.

"الجديد" الذي عادة ما يحظى بنسبة مشاهدة عالية لدى جمهور "حزب الله"، لم تعجب قيادة هذا الجمهور وقوفها إلى جانب الحق والثورة على أهل الفساد في السلطة، ولا كونها قررت أنّ تكون صوت الناس المطالبين بالتغيير ونبضهم، فوجّهت مجموعة من تابعيها إلى التجمّع أمام مبنى القناة، بعد أيام قليلة من انطلاق الثورة، لاتهامها بالعمالة وتنفيذ أجندات خارجية، واصفين رئيس مجلس إدارتها بـ"الصهيوني".

وبالرغم من اعتياد "الجديد" على هذه المشاهد والاتهامات، بعدما صار الروتين اللازم لدى عناصر من "حركة أمل" ومناصرين لها، الذين يتوجّهون إلى مبنى القناة للشتم والتهديد والاعتداء، كلما أصدرت موقفاً أو قدّمت تقريراً أو برنامجاً لا يروق لهم ولقياداتهم، إلا أن ما هو جديد هذه المرة، هو وقوف الحزب إلى جانب "أمل"، وهو ما أظهرته الفيديوهات التي نقلها التلفزيون ليلة أمس، لهتافات داعمة للسيد نصر الله ورئيس مجلس النواب، نبيه بري من أمام مبناه.

كما أن الهجوم الشرس الذي يقوده "حزب الله" ضدّ "الجديد" يأتي استتباعاً للحملة التي شنتّها "حركة أمل" وإعلامها ضدّ القناة مؤخراً، حيث اعتبرت قناة "إن بي إن" أنّ الزميل رياض قبيسي، الذي وصفته بـ"الدخيل على الإعلام والصحافة"، يعتقد أنه ومن معه في برنامج "يوميات ثورة" أنهم فلاسفة في علم مكافحة الفساد"، معتبرة أنّ "المضحك في الأمر أن هؤلاء صدّقوا كذبتهم بإدعائهم أنهم يمثلون ملفات الفساد، في حين أنهم يتحدثون في بيت الفساد بعينه".


 

ولم تكتف القناة بذلك، بل ذهبت إلى حد القول إنّ "القبيسي ومن معه، من النماذج الرديئة في إعلامنا، لا يلامون، كونهم مجرد موظفين عند صاحب القناة، الذي يأمرهم بالسوء فيأتمرون، ويأمرهم بالقدح والذم والتشهير بالناس، فينصاعون له ويطيعونه مثل النعاج". ولما كانت قناة "أمل" تخاطب جمهورها، فإن هذا الأخير لم يتأخر في تلقّف الدعوة لمهاجمة "الجديد"، حيث قام بداية بإحياء هاشتاغ #دكانة_الجديد، وكيل الشتائم وتوزيع التهم جزافاً على طاقم عمله، قبل أن يؤدّي عراضته المعهودة من أمام مبنى القناة ضمن الشعار المكرور: "برّي، نصرالله، والضاحية كلها".

يقود كل ذلك إلى خلاصة تشير إلى أنّ "حزب الله" وحليفته "أمل" مسكونان بالرعب من فكرة التغيير وإطاحة المعادلات القائمة. إذ إنها المرة الأولى التي يكون فيها الحزب في موقع المدافع عن الفساد، بهذا الانكشاف السافر والمفضوح، فهو العاجز عن نسج أي تحالفات خارج بيئة الفساد والمفسدين، الذي يشكّل بالنسبة إليه الغطاء الحامي لكل سياساته، في حين أنّ تطهير السلطة من الفاسدين واستبدالهم بالأحرار وغير المرتهنين، لن يقابل سوى بالصد والمحاربة من أصحاب العقلية الخشبية، الذين حشدوا جهودهم وتفرّغوا للتجييش ضدّ الإعلام والثوار أو أي جهة تشيد بالتغيير وتنادي به.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها