الخميس 2019/11/14

آخر تحديث: 17:51 (بيروت)

الإعلام اللبناني يخوض ثورته

الخميس 2019/11/14
الإعلام اللبناني يخوض ثورته
الزميل يوسف بزي متحدثا في الملتقى (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
لم يلبث أن ظهر الرئيس ميشال عون في مقابلة تلفزيونية وأثار جدلاً بخطابه الذي اعتبره البعض مهيناً للشعب اللبناني، حتى نزل اللبنانيون بالمئات إلى الشوارع مستكملين ثورتهم ومطالبين رئيسهم بالرحيل. أما إستشهاد المواطن علاء أبو فخر وتناقل صورته مضرجاً بالدماء، فأدّى، في غضون لحظات، إلى إشتعال الشارع دفعةً واحدة وتحوّل مئات المحتجين إلى آلاف.

للإعلام إذاً دور جوهري في الثورة، وهو بالتأكيد لا ينحصر في وسائل الإعلام ذات الخطوات الثقيلة بالمقارنة مع الإعلام الشعبي، إعلام السوشيال ميديا وكاميرات الهواتف سريعة الحركة. 
إنطلاقاً من أهمية هذا الدور، وتحت عنوان "الإعلام اللبناني والثورة"، نظّم "ملتقى التأثير المدني"، أمس، جلسة نقاش في خيمته في وسط بيروت، كجزء من الحوارات اليومية التي يعقدها الملتقى على الأرض. تطرّق الحوار الذي إستضاف عدداً من الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام إلى موضوعات متعدّدة، أهمها خروج الإعلام من سلطة المؤسسات الإعلامية التقليدية وتحوّله إلى سلاحٍ بيد الشعب، يواجه به إعلام السلطة وثورتها المضادة. 

فالإعلام اللبناني التقليدي مملوك، بنسبة 43%، من قبل 12 عائلة لبنانية نافذة فقط. نسبة نبّهنا إليها المسؤول الإعلامي في "مؤسسة سمير قصير" والصحافي جاد شحرور، قائلاً: "ذكّرتنا الثورة بأن لا إعلام معارضاً في لبنان". في مواجهة تبعية المؤسسات الإعلامية، تحوّل المواطنون أنفسهم إلى مراسلين وصحافيين، متفوقين على القنوات التلفزيونية بسرعة نقلهم للأخبار الموثقة بالصور ومقاطع الفيديو المأخوذة من قلب الحدث، وقبل أن يتسنى لوسائل الإعلام أن يعرفوا بها.

"الحدث يصنع نفسه ويسبق الصحافي". هذا ما خلص اليه مدير تحرير "المدن" الزميل يوسف بزي. وعليه أصبح الصحافيون أمام مشكلتين؛ الأولى تتمثل بمتابعة الحدث، والأخرى بالمواطنين الذين أصبحوا صحافيين.

على إن إمتثال الإعلام التقليدي لحركة الشارع والمواد الإعلامية المنبثقة عنه أجبره على "التواضع أمام لغة اللبنانيين"، وفق بزي، الذي تحدّث عن أهمية الشتيمة وأثرها في تحرير لغة الصحافة، بما فيها صحافة السوشيال ميديا. وقد أشار، في هذا الإطار، إلى سطوة سلطة العهد وأجهزته الرقابية على لغة الإعلام والناس معاً، وهذا عبر "مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية" الذي أضحى، في الآونة الأخيرة، الجهاز الرسمي الوحيد الناشط والفاعل، مانعاً الناس حتى من أن "يفشوا خلقهم" في السوشيال ميديا.

والثورة التي فرضت تحولات عديدة على العمل الإعلامي، انعكست بدورها على مقاربة "المدن" لها من أكثر من ناحية، أوّلها أنه "لم يعد بالإمكان أن تكون جريدة تصدر لبيروت"، يقول بزي، موضحاً "فقدنا أول اعتياد بأن يكون الاعلام ابن العاصمة، بل صار لزاماً علينا أن نكون صحافة لكل المناطق والأطراف"، ويُضاف ذلك إلى "وقوعنا في حيرة اللغة. هل هي ثورة أو انتفاضة أو حراك؟ الفروقات كبيرة في المعنى والإيحاء. ونحنا وجدنا أنفسنا أمام مسؤولية المصطلحات، حيث أن تبنّي المفردات هو تحدٍ شبه بومي بالنسبة إلينا". وفي حين أننا في "المدن" نملك الاستقلالية التي لا تتوافر لوسائل الإعلام الأخرى خصوصاً تلك المملوكة لسياسيين أو تعتمد على التمويل السياسي، فإننا لم ندّعِ الحيادية، بل نحن موضوعين في تعاطينا مع الأحداث منذ بدايتها، يضيف بزي، مشيراً إلى أن همّ الجريدة الأول هو التحيّز دائماً للصواب.

تتجسّد سطوة السلطة على الإعلام من خلال الدعاوى القضائية التي تلاحق اي مؤسسة صحافية تسعى إلى فضح الفساد أو إنتقاد السياسيين. ويقول محامي جريدة "النهار"، إن "كل مقال نقدي تجاه السياسيين وممارساتهم يؤدي بنا إلى المحكمة"، لكنه أكّد أن الطريقة الوحيدة لحماية الإعلام من بطش السلطة أن يكون العمل الصحافي متقناً وموثّقاً بالأدلّة. وأضاف: "يجب ألا نخاف أبداً من إبداء الرأي حتى وإن تجاوز الحدود التقليدية".

أدّت الثورة إلى تحوّل جذري في مقاربة الإعلام للسياسيين. ويرى بزي ان واجب الإعلام ألا يتحوّل إلى منبر لرجال السلطة، قائلاً: "ممنوع قسم السياسة في الصحف أن يكون منبراً للسياسيين". كما ان تغطية الوجه الإقتصادي للثورة يتمّ عبر نقل هموم الناس الإقتصادية، لا أرقام وتهويلات المصرف المركزي والمحللين الإقتصاديين وغيرهم". هذا بالإضافة إلى تخلّص الإعلام، بين ليلة الثورة وضحاها، من طابعة المديني ومركزيته ومناطقيته.

أما بالنسبة للتحديات التي تواجه العمل الصحافي اليومي، فتطرقت الندوة الى إشكالية تبني مفردات من مثيل "ثورة/حراك"، وتساءل بزي: "هل نحن قادرون على تحمّل مسؤولية مصطلح "الثورة"، بما يستلزمه هذا المفهوم من تغيير شامل للنظام؟".

كما يجب ألا ننسى أنه، إلى جانب القنوات الإعلامية التابعة للأحزاب والجهات الفئوية، لدينا أيضاً تلفزيون وطني هو "تلفزيون لبنان"، الذي لم يغطِّ من كل الأحداث التي إندلعت في الشهر الأخيرة سوى تحرّك العونيين أمام قصر بعبدا.

وعليه، دعا الباحث السياسي مكرم رباح إلى "ضرورة إسترجاع تلفزيون لبنان من السلطة قبل التفكير بتأسيس إعلام خاص بالثورة"، مضيفاً: "لا يحق لأحد أن يقول لنا ما علينا أن نقرأ ونكتب ونفكر، ليس مسموحاً لأحد أن يكون رقيباً أخلاقياً علينا". ويعدّ إصلاح القضاء معركة أساسية لضمان حماية الإعلام وحرياته. وقال رباح: "أنا أتعرّض شخصاً لهجومٍ من قبل صحافيين ليسوا في نهاية المطاف سوى مخبرين صغار يعدّون تقارير لأطراف السلطة".

لكن الأهم في هذا السياق، هو أن الثورة أسهمت بسقوط كل الحواجز والضوابط المعتادة، إذ صار بالإمكان للناس أن يعبّروا عن انتقاداتهم للإعلام وأن يسمعوا الرأي الآخر، في حين أن "هذه الثورة سوف تسمح بغربلة من هو صحافي وإعلامي ومن هو بوق السلطة والسياسيين"، على ما يقول رباح.




increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها