الأحد 2019/11/10

آخر تحديث: 17:11 (بيروت)

"الجديد" في مواجهة الفساد:آليات الاصلاح تبدأ من هنا

الأحد 2019/11/10
"الجديد" في مواجهة الفساد:آليات الاصلاح تبدأ من هنا
الأثر الذي أحدثته الحلقات الثلاثة منذ بداية الإنتفاضة يفوق ما أنجزته هذه السنوات الستّ مجتمعة
increase حجم الخط decrease


حين سأل رياض قبيسي العسكري الذي أمره بعدم تصويره، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده مدير عام الجمارك، "أي مادّة بتقول ما فيي صوّر عسكر؟"، فإنه إسترجع للصحافة اللبنانية صلاحيةً كانت قد نسيتها منذ زمن طويل وهي صلاحيتها كسلطة رابعة. 

متمسّكاً بسلطة القانون، تحدّى قبيسي عرفاً سلطوياً، لا أساس قانونياً له، يقضي بحظر تصوير العسكريين، وهو عرف لطالما إستغلّ كأدأة قمعية ورقابية بحق الصحافيين والمواطنين عموماً. إن هذا القانون الوهمي الذي لم يجرؤ أحداً على تحديه من قبل، أصبح للمرة الأولى موضع نقدٍ وإعتراض، مع إطلاق دعوات عديدة لإنشاء ألبومات صور للعسكريين. 

ولأن لكلّ كلمة أو حتى سؤال وقعه اليوم على أوضاع الشارع المستعدّ لأن يثور من أجل كل قضية جديدة، إنتزع قبيسي بسؤاله هذا حقّ كل صحافي ومواطن إضطهدته المؤسسة العسكرية، ممارساً بذلك واجبه الصحافي كممثل للسلطة الرابعة، المستقلة والمراقبة للسلطات الأخرى، بما فيها العسكرية. فالإعلام الذي تعرض طويلاً لقمع الرقابة، يقتنص فرصته اليوم لقلب المعادلة والتحوّل إلى جهاز رقابي، وهو ما يتلخّص بالعبارة التي وجهها قبيسي لمدير عام الجمارك بدري الضاهر "I Am the One Who Knocks".




الواضح أن قناة "الجديد"، ولا سيما "وحدة التقارير الإستقصائية" فيها، تدرك أنها أمام فرصة ذهبية لقلب المعادلة؛ معادلة الفساد المستشري والواضح لدرجة الوقاحة في مقابل الملفات الضائعة في أقبية القضاء. أيقن الفريق الإستقصائي، بقيادة رياض قبيسي، أن الجهود الجبارة والمثابرة التي بذلها في سبيل فضح الفاسدين لم تذهب سدىً بالرغم من إرتطامها مراراً بحائطٍ منيع، هو حائط القضاء المسيّس. لكن هذا الحائط بات اليوم مهدداً بقوة الشارع، ولذلك لم يتعيّن على "الجديد" سوى إعادة فتح ملفات الفساد القديمة لتضعها هذه المرة برسم الشعب اللبناني الذي تعاملت معه في حلقات "يسقط حكم الفاسد" بإعتباره السلطة المطلقة.

وعليه، حرص مقدّم الحلقة جورج صليبي، عند كلّ ملفّ جديد يفتح، على تكرار سؤال "من المسؤول؟"، "من الذي يحاسب؟"، مصراً على تسمية المتورطين بالأسماء، إضافةً إلى تحديد الوصف الجرمي لكلّ متورط. فعند التعامل مع قضاء "نائم"، لا بدّ للصحافي من "تبكيل" ملفّه وتسليمه منجزاً للقاضي، بمعطياته ووثائقه وأدلّته، لكي لا يضطر الأخير إلى رفع مطرقته سوى لإصدار أحكامه النهائية. 

وفي كلّ مرة توسّع بيكار الفضائح والملفات والأسماء المتورطة، أعاد جورج صليبي، في احدى حلقات البرنامج اليومي، تصويب الحديث بإتجاه خطوات ملموسة وآليات عملية من أجل المساءلة والمحاسبة: "كيف يجب أن تتمّ المحاسبة؟"، "كيف يمكن محاسبة القاضي المحمي سياسياً؟، "هل من أمل؟"

خلال الأيام الأولى للإنتفاضة، جرت التلفزيونات وراء المحتجين ولاحقتهم من ساحة لأخرى، واضعةً الهواء في متناول اللبنانيين وهمومهم. إستمعت "الجديد" إلى هذه الهموم وإستخلصت منها العنوان العريض (أي الفساد)، لكنها لم تكتفِ بتسليط الضوء على الفساد نقلاً عن لسان الشعب، بل إتخذت على عاتقها إستكمال مسيرة تفصيل الفساد الذي كانت قد بدأتها منذ حين، موجهةً الحديث الفضفاض عن الفساد إلى قضايا وأسماء محدّدة لموظفين ومدراء عامين ووزاء وممثلي الشعب.

لم يعد لأزمات لبنان عنوان فضفاض هو "فساد السلطة السياسية" بل أصبح لها أسماء مثل: بدري الضاهر، المجوعة الرباعية في ملف "تاتش"، محمد شقير، منذر ذبيان.. وغيرهم من الاسماء التي وردت في البرنامج. 

تعود مغامرة رياض قبيسي في مغارة علي بابا (الجمارك) إلى العام 2013، إلا أن الأثر الذي أحدثته الحلقات الثلاثة منذ بداية الإنتفاضة يفوق ما أنجزته هذه السنوات الستّ مجتمعة.

وقد أقرّ قبيسي أنه كان على وشك الإستسلام للملل والتخلي عن متابعة ملفّ الجمارك بعد تكرار سيناريو فضحه لقضايا فساد خطيرة وصارخة دون تحرّك القضاء أو الرأي العام للمحاسبة. لكن يبدو أن جهوده المتراكمة على إمتداد السنوات قد أثمرت أخيراً، وذلك في لحظةٍ تاريخية أصبح فيها للشعب اللبناني قوة ضغط. وعليه، يعتزم قبيسي إستغلال هذه اللحظة إلى أقصى حدّ، وذلك عبر "التشهير"، أي فضح فساد السلطة أمام الرأي العام الذي يمثّل، وفق قبيسي، "وسيلة الردع الحقيقة". 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها