الثلاثاء 2019/01/22

آخر تحديث: 16:05 (بيروت)

موت الطفل أحمد.. وخزة في ضمير الإعلام اللبناني

الثلاثاء 2019/01/22
موت الطفل أحمد.. وخزة في ضمير الإعلام اللبناني
increase حجم الخط decrease
كان يمكن لحادثة موت الطفل السوري اللاجىء، أحمد الزعبي، أن تعبر وسط زحمة الأحداث المحلية اليومية، بلا ضجّة وجدل إعلامي ومجتمعي (إلا في السوشال ميديا، لا سيما السورية). أو كان يمكن لأحمد أن يكون في نشرات الأخبار خبراً عابراً يفيد أن ماسح أحذية لاقى حتفه أثناء هروبه من ملاحقة شرطة البلدية له، إثر الاشتباه فيه كمتورط في سرقة أحد صناديق الزكاة في المنطقة، ليُعثر عليه بعدها جثة هامدة داخل فتحة تهوئة لمبنى في تلة الخياط في بيروت.

إلا أن أحمد وطريقة وفاته سرعان ما أصبحا حديث مواقع التواصل خلال اليومين الماضيين، بعدما نشرت الصحافية والناشطة، مريم مجدولين لحام، مقطع فيديو سجلته كاميرات المراقبة الخاصة بمسجد السلام القريب من الحادثة، اعتبرت أنه عبارة عن دليل يُثبت مطادرة الطفل من قبل عناصر شرطة بلدية بيروت، الذين لحقوا به إلى المكان الذي حاول الاختباء فيه ومن ثم أدّى إلى وفاته، ليعودوا أدراجهم وحدهم من دون الإعلان أو الكشف عن مصير الطفل. وهو الأمر الذي رسم شكوكاً لدى كثيرين حول احتمال أن تكون عناصر شرطة البلدية قد ساقت أحمد إلى حتفه، متعمدين عدم إنقاذه بعدما تكشف لهم مصير سقوطه. وهذا ما أعطى للحادثة بُعداً آخر، خصوصاً بعدما اعتبرت عائلته بأن الأمن اللبناني لجأ إلى إخفاء التفاصيل ولفلفة تداعياتها، كون الطفل يحمل الجنسية السورية، وبالتالي لن تكون هناك أي تساؤلات أو محاسبة. وما يُعزز هذه الشكوك هو البيان الصادر عن بلدية بيروت، وتبريرها لسياق الحادثة، والذي بدا غطاء لعناصر الشرطة التابعين لها، عقب ملاحقتهم الطفل ومحاولة القبض عليه.

حجم الغضب في مواقع التواصل والتفاعل اللافت مع قضية أحمد، لم يتح للإعلام اللبناني أن يغضّ الطرف أو يصرف النظر عما حصل، ما جعله يطرح الأسئلة المتوجبة ضمن معطيات القضية المتوافرة، وهو ما ظهر في تقارير نشرات الأخبار مساء أمس، معتمدة الحيادية، تاركة للتحقيقات الجارية أن تأخذ مجراها وتحسم حقيقة ما حدث. وهو موقف لافت كونه أتى معاكساً لما عودتنا عليه الوسائل الإعلامية، التي تعاطت في كثير من الأحيان باستخفاف، مع قضايا مماثلة، فكان الإعلام يُسارع إلى إطلاق الأحكام ويستبق التحقيقات، ويُلقي باللائمة على السوريين بجلّ القضايا المرتبطة بهم، من دون مراعاة لمعاناتهم ومأساة لجوئهم.

التعاطي الإعلامي المسؤول مع قضية أحمد بلغ ذروته، في حلقة أمس من برنامج "هوا الحرية"، مع جو معلوف في شاشة "إل بي سي"، حيث استضاف فيها المحامي واصف الحركة، الذي تولى متابعة قضية الطفل أحمد ومسار التحقيقات الجارية، إلى جانب شابين من أقارب الطفل وأحد أصدقائه الذي يعمل أيضاً كماسح أحذية. إلا أنّ أكثر ما كان لافتاً في حلقة أمس، محاولة معلوف كسر النمطية السائدة في الاعلام اللبناني لدى التعاطي مع قضايا ذات طابع أمني، أبطالها من غير اللبنانيين. إذ كرر في فقرته، التي خصصها لموضوع أحمد، على وجوب التعاطي مع هذا النوع من الأحداث والقضايا من منطلق وحسّ إنساني، بعيداً من أي تمييز لجنسية الجاني أو المجني عليه، سواء كان لبنانياً أو سورياً أو فلسطينياً.

الحلقة التي استعرضت مسار وتفاصيل الحادث، أفسحت المجال للجميع لإبداء وجهات نظرهم والإفصاح عن المعلومات التي لديهم، مع إتاحة المجال للردود والتعليقات المباشرة، ومن ضمنها مداخلة لمدير العلاقات العامة في بلدية بيروت، فادي بغدادي، الذي عاد وكرر الرواية الصادرة عن البلدية، والتي تفيد بأن عناصر شرطتها لم يعلموا بسقوط الطفل في فتحة التهوئة، وأن ما حصل لا يعدو كونه حادثاً مؤسفاً.

لكن وبصرف النظر عن الحقيقة المنتظر تكشفها خلال التحقيقات الجارية، فإن أهمية الحلقة تكمن في فتحها الأفق واسعاً للخوض في مناقشة أمور مشابهة لهذا الحدث ومرتبطة به، لتخلص إلى التركيز على أن تنفيذ القانون ضروري (دورية البلدية) إلا أنه يجب التشدد في مراقبة أسلوب تطبيقه، إلى جانب فتح النقاش حول مسؤولية وزارة الشؤون الاجتماعية وقضايا التسول المكشوف والمستتر، ووجوب إعادة النظر في كيفية تعاطي الأجهزة الأمنية مع هذه الفئات، كي لا نصل إلى نهايات مشابهة للنهاية المأساوية التي انتهى إليها أحمد.

إفساح الهواء لأقارب أحمد وأصدقائه في حلقة "هوا الحرية"، أمس، دفعت بقضية المسحوقين والمشردين من اللاجئين السوريين إلى الواجهة، ووضعهم في خريطة التماس الانساني بعدما كان يتم تصنفيهم من البعض على أنهم "جناة على أنفسهم وحقيرين لا بَواكي لهم"، وهو الأمر الذي عبّر عنه بحرقة أحد أقارب أحمد خلال الحلقة، حين قال "هذه هي المرة الأولى التي نستشعر فيها أن هناك من يهتم ويسأل ويسعى لكشف حقيقة الظلم الذي نتعرض إليه، كون النظرة إلينا دوماً أننا غرباء ذوو مستوى أدنى من أبناء هذا البلد".

هذا الكلام استتبعه مغردون ونشطاء في مواقع التواصل بالتساؤل عن أنه لو كان الإعلام قد لاحق قضايا أخرى مرتبطة بالسوريين أو الفلسطينيين وتابع تفاصيلها، بالشكل المهني والحيادي الذي اتبعه جو معلوف في حلقته أمس، لكانت الكثير من الحقائق قد عرضت بشكل مختلف تماماً عن روايات الأجهزة الأمنية والإعلام المحرّض الذي يحذو حذوها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها