الإثنين 2019/01/21

آخر تحديث: 17:58 (بيروت)

احتجاجات الموالين للنظام تصطدم بالترهيب.. واللوائح السود

الإثنين 2019/01/21
احتجاجات الموالين للنظام تصطدم بالترهيب.. واللوائح السود
تم تشبيه طوابير الغاز بطوابير اللجوء الشهيرة قبل أعوام (فايسبوك)
increase حجم الخط decrease
ربما لم يعد التمييز التقليدي بين الموالين والمعارضين، كافياً للتعبير عن فروق حادة باتت واضحة المعالم بين السوريين في البيئات الكلاسيكية للموالاة أو المعارضة على حد سواء، أشارت إليها بيانات التخوين واللوائح السوداء وتوزيع صكوك الوطنية، التي انتشرت خلال الأيام الماضية على خلفية انتقادات حادة للوضع المعيشي المتردي، في البلاد التي يبحث مواطنوها بشكل محموم، ليس فقط عن الحاجات الأساسية، بل عن معنى مفقود للهوية والانتماء.


وأثار إصدار فنانين عُرفوا بولائهم للنظام، مثل شكران مرتجى وأيمن زيدان، بيانات ورسائل ناشدوا فيها الرئيس بشار الأسد لتوفير الأساسيات من غاز وكهرباء وحفظ كرامة المواطنين، رد فعل متشدداً من إعلاميين وفنانين أكثر "تشبيحاً"، اتهموا فيه القسم الأول بالخيانة وعدم الوطنية، مثل مضر ابراهيم من قناة "الإخبارية السورية"، أو زهير عبد الكريم، الممثل الذي اشتهر بتقبيل أحذية جنود النظام أمام الكاميرات.



وفي مقطع فيديو طويل و"مؤثر"، تحدث عبد الكريم والدموع في عينيه، عن المعنى الحقيقي للانتماء إلى الوطن، واتهم مرتجى وزيدان وبقية السوريين الذين أرسلوا رسائل عامة للأسد، بالخيانة، معتبراً أن جهات خارجية مشبوهة تقوم بتمويل تلك النشاطات "المعارضة" في وقت تعيش فيه "الدولة السورية" أزمة تقتضي مساندة الحكومة لا نقدها، وشكر الرئيس لا التوسل إليه. وكان لافتاً اختيار تسمية "البيان 1" كعنوان لفيديو من ثماني دقائق، كإشارة إلى أن لغة الخطاب لا تمثل المعنى الحقيقي له. فما يبدأ كبيان معارض ينتهي بتملق النظام، على عكس الرسائل المحتجة التي تخاطب الأسد بغرض معارضته.

والحال أن هذا الخطاب الدعائي الموجه، تزامن مع جلسة في مجلس الشعب لمناقشة الوضع الاقتصادي الحالي، اعتبر فيها رئيس المجلس حمود الصباغ، الانتقادات الواسعة التي انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي، حملة موجهة من "جهات خارجية تريد المساس بأمن الدولة" وأن "الغاية منها الفتن وللأسف يقع فيها الناس من دون قصد". وهو ما أثار انتقادات واسعة من سوريين في مواقع التواصل، شملت أيضاً وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عاطف النداف الذي قال أن زيادة الرواتب التي يطالب بها سوريون تتطلب رفع الدعم عن الخبز، وهو تهديد في صيغة اقتراح، ما اعتبره منتقدون في مناطق حكم النظام، انقلاباً على هوية الدولة "الاشتراكية" وتكريساً لاقتصاد أمراء الحرب.



هذا الخطاب المتشدد امتد نحو الإعلام الرسمي، حيث تحدثت صحيفة "البعث" في افتتاحية جدلية قبل فترة عن ضرورة عدم اعتماد المواطنين "الجاحدين" على الدولة في كل شيء. بينما امتدت للغة للتهديد الصريح في منشورات لأشخاص مثل مضر ابراهيم، وهو مدير الإعلام الإلكتروني في قناة "الإخبارية السورية"، والذي قاد حملة ضد مراسل قناة "الميادين" السابق في سوريا، رضا الباشا، بسبب بثه مقطع فيديو حاداً قبل أيام هاجم فيه تكميم الأفواه وحبس الإعلاميين الموالين، كما انتقد الأسد مباشرة، قبل أن يضطر إلى حذف ذلك، والاعتذار بالقول أن "الأسد خط أحمر".

والحال أن اسم الباشا كان واحداً من أسماء متعددة ضمتها لائحة سوداء، انتشرت عبر مواقع التواصل، وفيها مرتجى وزيدان وآخرون، بالإضافة إلى أسماء معارضة معروفة مثل المذيع في قناة "الجزيرة" فيصل القاسم، ومدير قناة "سوريا" المعارضة أنس أزرق، وأسماء سياسيين معارضين ومثقفين، وصفحات موالية مثل "يوميات قذيفة هاون"، قالت المنشورات أنهم مسؤولون عن توجيه الحملة من الخارج ضد "الدولة السورية". علماً أنه لم تتضح الجهة المسؤولة عن إصدار مثل هذه اللائحة التي يتم تحديثها باستمرار.

وسواء كانت اللائحة، جهداً شخصياً من أحدهم، أو تنفيذاً لأوامر مخابراتية، إلا أن هدفها يتمثل في خلق جو بوليسي ترهيبي لأي سوري في مناطق سيطرة النظام، مهما كان موقفه السياسي، بعدم الاحتجاج ورفع الصوت. مع بث شائعات موازية حول استدعاء زيدان لأحد فروع المخابرات من أجل التعهد بعدم المس بهيبة الدولة مجدداً، أو كون حادث السيارة الذي تعرضت له مرتجى، في عطلة نهاية الأسبوع، مدبراً بقصد اغتيالها على طريقة اغتيال الممثل ياسين بقوش قبل سنوات، أو توجيه رسالة شديدة اللهجة لها، بقصد إرهاب أي سوري يفكر في توجيه انتقاد علني للنظام في هذا التوقيت، في استكمال للحل الأمني الذي انتهجه النظام منذ اليوم الأول للثورة السورية.



وفيما قالت تعليقات أن الانقسام السابق يذكّر بالتمايز "الصحي" ضمن النظام الإيراني "الحليف"، حيث يتبارى المعسكران الإصلاحي والمتشدد في طهران في تقديم أفضل صورة للحفاظ على استمرارية النظام، وبث ذلك دعائياً عبر الرموز الثقافية والإعلامية المحلية، وتحديداً في مرحلة الانتخابات هناك، إلا أن الوضع في سوريا ليس بتلك البساطة، لعدم توافر الاستقرار الطويل وخروج مناطق واسعة عن سيطرة النظام ووجود المعارضة مهما كانت متشرذمة ومتوزعة في المنافي كنظيرتها الإيرانية، إضافة إلى عناصر خارجية كثيرة فاعلة في البلاد، ما يوحي بأن المشهد الحالي يتجه مستقبلاً لمحاكاة النموذج اللبناني في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية، سياسياً ومعيشياً وإعلامياً.

بموازاة ذلك، تم ترويج البديل "الوطني" للاحتجاجات والذي يتمثل بمبادرات أطلقها فنانون آخرون لمساعدة "الفقراء والمحتاجين". حيث تجمع الممثلة سلاف فواخرجي، التبرعات، لإيصالها "بشكل سري" للحالات الحرجة، وتحديداً عائلات جنود الجيش السوري ضمن مبادرة "جسر العطاء". فيما يشارك ممثلون آخرون في "تحدي البرد" الذي أطلقه الممثل وائل شريفي والإعلاميان باسل حاجولي ومروى عودة، بهدف "دعم النشاط المجتمعي والإنساني" و"تقديم مساعدة ولو بسيطة لشخص محتاج، احسن ما نعطي مشاعر فايسبوكية لا بتقدم ولا بتأخر"، ويشارك فيها أسماء من الصف الثاني مثل عبير شمس الدين وتولاي هارون وحسام تحسين بيك وآخرين.



والواقع أن هذه المبادرات التي تحصر النشاط العام في البلاد بالجمعيات الخيرية، كانت طريقة من بشار الأسد وزوجته أسماء، لخلق وهم بوجود "مجتمع مدني فاعل" في البلاد، بعكس حقبة حافظ الأسد التي كانت فيها كافة أشكال التجمعات محظورة. لكن هذا النموذج السام يلغي أي إمكانية لوجود نشاط سياسي أو ثقافي مستقل، كما أن النشاط الإنساني نفسه له شروط كثيرة ويتطلب موافقات أمنية، ويتم تحريكه لتلميع صورة النظام الحاكم في المناطق الأكثر فقراً.

أمام هذا الضغط الدعائي الموجه، تبرز تعليقات السوريين العاديين في مناطق النظام، والتي تتعدد بين تأييد موقف على حساب موقف آخر. أما متابعة الوضع نفسه من ناحية المعارضة، فتشير إلى أن الجدل يتمثل في التساؤل عن مدى شرعية الشماتة في السوريين الذين اختاروا موالاة النظام، وباتوا اليوم معرضين للجوع والبرد والإذلال في طوابير الغاز، بدلاً من اختيار طريق الكرامة منذ العام 2011. وهي مقاربة تبقى ناقصة، لأن السوريين في مناطق النظام ليسوا جميعاً من الموالين ولا من المعارضين، مع انكسار ذلك الحاجز بسبب سيطرة النظام على مناطق كثيرة خرجت عن سيطرته سابقاً وتراجع المعارضة سياسياً أيضاً.

ورغم أن المشاركات ككل تتحدث مباشرة عن الهم الاقتصادي والكرامة اليومية، إلا أنها ترتبط بشكل وثيق بمعنى الهوية السورية المعاصرة بعد سنوات الحرب. فكل طرف يطرح رؤيته لمعنى سوريا وكيف يريدها أن تكون، ولا يختلف الأمر هنا بين أجنحة الموالين عن طيف المعارضين. المشكلة الوحيدة أن هذا التشرذم في الرؤى يشير إلى حالة التشظي الديموغرافي والسياسي، وحقيقة أن الدولة التي عرفت يوماً باسم "سوريا" توقفت بالفعل عن الوجود، مع تحولها إلى كانتونات وتيارات متصارعة، تقول كل منها أنها تمتلك الرؤية الوحيدة الصحيحة لمستقبل البلاد ومعنى أن يكون الشخص سورياً.





increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها