الخميس 2019/01/17

آخر تحديث: 16:57 (بيروت)

الإعلام السوري يسبق العسكريين إلى منبج

الخميس 2019/01/17
الإعلام السوري يسبق العسكريين إلى منبج
أعلن منها ولادة "المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الأميركي" بلا اي دراسة لتداعيات الاعلان سياسياً
increase حجم الخط decrease
سبق التلفزيون السوري الرسمي، جنود النظام وحلفائه، ودخل مدينة منبج، ليعلن منها ولادة "المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الأميركي"، بعدما شهدت المدينة الاستراتيجية توترات متزايدة إثر التفجير الأخير الذي أودى بحياة أربعة جنود أميركيين، في أكبر خسارة لواشنطن طوال سنوات الحرب التي قادتها ضد تنظيم "داعش" في البلاد.


وخلا التقرير الذي بثته قناة "الفضائية السورية" وتداولته الصفحات الموالية على نطاق واسع، من الحديث عن الحدث الميداني الأكبر المتمثل بالتفجير، بينما بدت اللقاءات التي أجراها مراسل التلفزيون الرسمي فاضل حماد في المدينة، روتينية بسبب الأسلوب المهترئ في التقديم، والذي تتكرر فيه شعارات الولاء للنظام أمام الكاميرا مع الهتافات الوطنية.



وفيما يبدو ذلك غريباً للوهلة الأولى، إلا أنه ليس عبثياً بالتأكيد، بل هو جزء من العملية التي يقوم بها النظام، دعائياً ودبلوماسياً، لترويج سيادته على "كافة الأراضي السورية" من جهة، وإرسال رسائل للخصوم في نفس التوقيت، في وقت يزداد فيه الحديث عن مقترحات للمنطقة الآمنة في شمال البلاد، فضلاً عن غموض مصير الانسحاب الأميركي من سوريا الذي أعلن عنه الرئيس دونالد ترامب الشهر الماضي.

والحال أن تركيز التقرير على "المواطنين السوريين"، وعلاقتهم "الوطيدة" بالدولة السورية، ومناشدتهم "الجيش السوري" لدخول المدينة، يرتبط بإثبات وجود ولاء للنظام في المناطق التي توصف في الإعلام العالمي وفي الخطاب الدبلوماسي عموماً بأنها خارجة عن سيطرة النظام أو معارضة له، بالإضافة للقول إن "الدولة السورية" تمثل المدنيين في شرق وشمالها، بعكس الفصائل الكردية المتناقضة في ولاءاتها، أو تركيا التي تمثل "دولة احتلال"، وبالتالي يحاول النظام أن يطرح نفسه كعنصر قادر على حكم الديموغرافيات المختلفة في المنطقة، بعكس البدائل الأخرى المتوفرة.

وكانت أحداث منبج حاضرة في نشرات الأخبار والبرامج الحوارية والصحف الرسمية، بكثافة، فعنونت صحيفة "الثورة" بعبارة "الإرهاب يلدغ مشغليه"، وتحدثت بشكل موسع عن "الوجود غير الشرعي" للقوات الأميركية، التي أطلق عليها في مواقع التواصل الموالية تسمية "قوات الاحتلال الأميركي"، فيما تحدثت صحيفة "الوطن" شبه الرسمية عن "رسائل خفية" لأحداث منبج ستنكشف لاحقاً.

وفيما لم تكشف "الوطن" ماهية الرسائل التي تقصدها، كانت قناة "الإخبارية" أكثر مباشرة، وجزمت بشكل قاطع بأن "داعش" ليس مسؤولاً عن التفجير، بل كان ذلك مجرد تمويه أميركي - تركي - كردي على "الحقيقة"، وهي وجود مقاومة شرعية شعبية ضد "الاحتلال الأميركي"، مضيفة أن تلك فصائل المقاومة تحمل أسماء مختلفة، لكنهم جميعاً "قبائل وعشائر عربية وكردية تدين بالولاء للدولة السورية".



وبالتالي يصبح التقرير الرسمي من داخل منبج، أكثر وضوحاً، وكأنه "رسالة من دمشق للأميركيين كي يسرعوا انسحابهم لأنه سيكون في المستقبل ضدهم مقاومة شعبية واسعة"، فيما تكرر الدعاية الرسمية فكرة أن ذلك حق مشروع للشعب السوري، من دون تبني أي عملية ضد الأعداء، وبالتالي فإن النظام وحلفاءه، يستطيعون تمرير خطاب دبلوماسي معاكس، ومطالب بانسحاب عسكري أميركي تركي من شمال البلاد، من دون أي لوم محتمل، لأن العمليات ضد "قوات الاحتلال" شعبية وليست رسمية.

ويتأكد ذلك بحقيقة أن التقرير صور قبل التفجير في منبج، لكنه نشر مباشرة بعد التفجير، كدليل على وجود "المقاومة الشعبية" و"الرفض الشعبي" للاحتلال "بكافة أشكاله". والملفت هذا الغباء الاعلامي السوري، كونه يتبنى عملية هي محط شكوك حتى الآن، وتترتب عليها تداعيات سياسية وعسكرية كبيرة، وتخلط الاوراق السياسية في سوريا. وإذا كان النظام لم يعلن موقفاً صريحاً حول المسؤول عنها، بعد تحقيقاته التي يفترض أنه بدأ بها للتوصل الى خيوط، وهذا فعلا إذا كان له وجود أمني في المنطقة على الاقل، فإن الاعلام يتبنى ما لم يتبنه النظام، وهو سلوك اعلامي غبي، تترتب عليه تداعيات سياسية كبيرة. 

يُشار الى ان نموذج "المقاومة الشعبية ليس جديداً تماماً، بل طرح منذ أشهر في الإعلام الرسمي، بعد التشديد الأميركي على الوجود الإيراني في البلاد، ومثل حلاً أمام الإيرانيين لتنفيذ عمليات ضد القوات الأميركية في شرق البلاد من دون تبنيها، بشكل يعقد العلاقات المتوترة بين طهران وواشنطن ويمنع نشوب صراع مباشر بينهما، مع الإشارة إلى أن الوجود الأميركي على الحدود السورية العراقية يعرقل مشروع الممر البري الذي يربط إيران بحزب الله في لبنان.

وعليه، يتركز الضخ الدعائي الرسمي حول تجييش "السوريين الشرفاء" ضد المحتلين، وبالتحديد المواطنين الأكراد، بالقول أن التركيبات السياسية الكردية الحالية لا تمثل تطلعات أكراد سوريا، وبالتحديد الجماعات الانفصالية الممولة من الولايات المتحدة، لأن واشنطن بدعمها لهم تسعى لإطالة أمد الأزمة بخلق مفاهيم جديدة تعيق انتشار الجيش السوري على كافة الأراضي السورية وتعيق الدولة السورية عن إعادة الأمن والأمان لربوعها وتعيق الحوار والسيادة الوطنية".

ويجب القول أن الحديث عن هذه المقاومة الشعبية لا يعني أنها موجودة أصلاً، بل هي معلومات يتم ضخها ضمن لعبة البروباغندا الحالية، بسبب تعدد الأطراف الفاعلة في سوريا، وتشتت مصالحها، وذلك بالاستفادة من ترهل تنظيم "داعش" حالياً وسهولة إلقاء اللوم عليه أو اتهام الأطراف الأخرى بتسييره أو إصدار بياناته، وهي حالة لم تقتصر فقط على النظام السوري وإعلامه، بل كررتها كافة الأطراف الفاعلة في منبج، بالتساؤل عن "من دفع داعش لتبني الهجوم الذي لم يقم به" في ظل التشديد الأمني المحكم في المدينة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها