الأحد 2019/01/13

آخر تحديث: 17:50 (بيروت)

ديما زيدان وفجر السعيد.. التطبيع النسائي أكثر تأثيراً

الأحد 2019/01/13
ديما زيدان وفجر السعيد.. التطبيع النسائي أكثر تأثيراً
الكويتية فجر السعيد تتباهى بالتطبيع وتحتفل بها مواقع رسمية اسرائيلية
increase حجم الخط decrease


لم تعد تلك المواقف الصادرة عن عربٍ عاديين وسياسيين ومثقفين لتدافع عن إسرائيل وتُروّج لـ"التطبيع" معها، خبراً أول. ولكن.. أن تكون امرأة هي مَن اتخذت على عاتقها القرار بتصدر المشهد التطبيعي، وبطريقة تضطر فيها لأن تتحدى ذوي القربى وبمعيتهم قيماً وطنية وقومية ومجتمعية وكل شيء، من أجل تلميع الإحتلال وتكريس دعايته المزيّفة، فهذا هو الخبر اللافت بحدّ ذاته.

كما في الكثير من محافلنا مِن منطلق مجتمعاتنا التي تطغى عليها الذكورية، كان صوت الرجال العرب المطبعين هو الأعلى، فتربّعوا على عرش "بروباغندا التطبيع" لدرجة أن التقارير الصحافية في السنوات الأخيرة، كانت تلاحق أي تصريح أو زيارة تطبيعية لهذا البرلماني أو السياسي او الإعلامي القادم من هذه الدولة العربية أو تلك. 
وقلما تحدثت هذه التقارير عن امرأة مُطبّعة من هذا القبيل، بالرغم أن حكومة تل ابيب تبذل جُهداً حثيثاً في سبيل مراعاة الجندرية في وفود التطبيع الزائرة لإسرائيل سراً وعلانية، بحيث تضم رجالاً ونساءً وإن كانت الغلبة العددية دائماً للرجال. وطبعاً في ذلك هدفٌ إسرائيلي خبيث.

حاولت إسرائيل مؤخراً استغلال مثالين شاذين للمرأة العربية لطرحهما كما لو أنهما "نموذجاً جريئاً". ثم تطرح سؤالها الإسقاطي المعتاد: هل من أصوات نسائية عربية "مثقفة" وسياسية تحذو حذوهما؟!. 

المثالان حديث الساعة هما الفلسطينية ديما تايه زيدان المنحدرة من بلدة قلنسوة في اراض 48 والمقيمة حالياً في بلدة كفر مندا، بالإضافة إلى الكاتبة الكويتية فجر السعيد.

"فش احتلال وعايشين أحلى عيشة".. جاءت هذه العبارة على لسان ديما تايه في لقاء اجرتها معها القناة الإسرائيلية "الثانية" قبل أيام، على هامش إعلانها نيتها خوض الانتخابات التمهيدية على قائمة حزب "الليكود" اليميني الحاكم، لتفجر غضب فلسطينيين وعرب على مواقع التواصل الإجتماعي اتجاه التايه؛ إذ وصفوها بـ"الصهيونية".

حاولت التايه أن تبرز من خلال الجملة سالفة الذكر، رفضها المُطلق إعتبار إسرائيل "دولة إحتلال.. وإنما ديموقراطية تحفظ حقوق العرب كما اليهود في هذه الدولة بالتساوي"، على حدّ ادعائها. ليس هذا فقط بل وتعتبر ديما أن قانون "القومية العنصري" جيد لا يمس بحقوق العرب، وأن نتنياهو "زعيم عالمي". عدا عن أنها قبل ذلك جُنّدت للدفاع عن سمعة الدولة العبرية التي اختارتها ضمن فريق "منتخب الأحلام الإسرائيلي" المعني بمكافحة حركة المقاطعة ضد إسرائيل الـ(BDS)، لا سيّما وأنها تُجاهر دائماً بـ"حبها لإسرائيل..وطناً".
عائلة تايه سارعت إلى التبرؤ من ديما التي بدأت علناً ارتداء ثوب حزب الليكود قبل ستة أعوام، ليكون هذا الحدث عنواناً يتصدر صحيفة "يديعوت احرونوت"، فكتبت: "عائلة فلسطينية تعلن البراءة من ابنتها التي تريد المنافسة على مقعد في حزب الليكود". وكأن الإعلام الإسرائيلي يحاول بائساً أن يقزّم من خلال العنوان المذكور الإشكالية بالعقلية العربية داخل الخط الأخضر لا أكثر، بحجة أن " هذه العقلية تتحمل مسؤولية عدم الإندماج في دولة إسرائيل.. وأما عُنصرية الأخيرة وسياستها الإقصائية للحق الفلسطيني فهي بريئة"!.

مثال جديد للمرأة العربية "التطبيعية" جسدته المنتجة وكاتبة المسلسلات الكويتية فجر السعيد. هي لم تكتفِ بتغريدتها الجدلية الأخيرة على "تويتر" التي دعت إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وإنما خرجت على الإعلام الإسرائيلي لتدافع عن وجهة نظرها، قائلة: "أنا ما رحت طبعت، دخلت مطار بن غوريون، ونزلت على إسرائيل وقلت لهم يالله أنا مطبعة، انا دعيت دعوة وتمنيت أمنية، قد تقبل وقد ترفض.. هذا رأيي الشخصي". 

من خلال القراءة الإعلامية لما صرّحت به السعيد للقناة "الثانية"، لمست "المدن" سعياً إسرائيلياً لتقسيم المجتمع العربي إلى "مع التطبيع..وضده"؛ أي بشكل يبينه مشتتاً في موقفه إزاء التطبيع. وقد دفعت فجر السعيد نحو ذلك، عندما زعمت: "وصلني تأييد.. ووصلني استنكار، وتلقيت تهديدات على كلامي عن إسرائيل. أعتقد أنه في هذا الوقت أكثر قبولاً للسلام مع إسرائيل.."

 فور ذلك، سارعت نقابة الصحافيين الفلسطينيين إلى مهاجمة فجر السعيد بسبب ظهورها على شاشة التلفزيون الاسرائيلي ومطالبتها العرب بالتطبيع مع الإحتلال. وأدرجت السعيد في "قائمة العار". 

هو أمرُ مغرٍ لإسرائيل أن تسلط الضوء كثيراً على أي امرأة عربية بغض النظر عما تمثله في محيطها من تأثير أو مكانة، لمجرد أن تتحدث عن "التعايش" أو تطبيع العلاقة معها. حتى أنهم في تل أبيب يدركون بشكل زائد عن الحد، أهمية توظيف "الجندرية" في نشر الدعاية الإسرائيلية من ناحية، وتشجيع المزيد من العرب من ناحية ثانية.

وبموازاة ذلك، يحذر باحثون ومراقبون للبروباغندا الإسرائيلية، من مغبة انجرارنا كعرب للمربع التحريضي على أساس جندري والذي تريده إسرائيل، لتظهر العرب تقليدياً بصورة "المتخلفين" تجاه المرأة، بدليل أنهم انهالوا على المُطبّعات بالسباب والشتائم ثم طال الأمر التقليل من شأنهن كونهن "نساء".

لكن العنصر الجندري ليس ذا دلالة على الإطلاق، فإذا ما نظرنا إلى عدد الرجال المطبّعين مع اسرائيل في سبيل التزلف إليها لوجدناه أكبر مقارنة بالجنس الآخر، ولذلك يجب الحذر من الوقوع في فخ الجندرية العربية.

والحق، إن ديما تايه والكويتية فجر السعيد، وقبلهما الصحافية الأميركية من أصل لبناني بريجيت جبرئيل التي زارت الدولة العبرية في آذار/مارس الماضي، وغيرهن، قد استحوذنَ- إسرائيلياً- على إهتمام إعلامي كبير يتعدى مسألة انخراطهن في الدور التجميلي لصورة الإحتلال، إلى أكثر من ذلك؛ ألا وهو إضعاف الرواية الفلسطينية وتحفيز دول أخرى غير  العربية والإسلامية على الذهاب إلى أبعد مدى باتجاه الإنفتاح على إسرائيل، ابتداءً من "التوقف عن التعامل معها ككيان عدواني موجود في المنطقة".

في ذلك يتحقق الإحباط وقلة الحيلة لدى اطياف واسعة من رجال ونساء عرب، ما يحقق الغاية الإسرائيلية المنشودة والمتمثلة بلجم الموانع والقيود الشعبية للتطبيع، وبالتالي قبول إسرائيل قدر الإمكان ولو كان تراكمياً.

وفي السياق، توظّف إسرائيل العنصر النسائي العربي عموماً والفلسطيني خصوصاً لطمأنة الأنظمة العربية المترددة في تطبيعها عبر تضخيم الأصوات العربية التطبيعية، والقول لها "ها هي أصوات نسائية باتت تُسمع في هذا المضمار، فماذا تخشون؟.. مرة على مرة، يتحقق المناخ المناسب..ثقوا!". ثم توجه رسالة مماثلة لدول في هذا العالم ليست على علاقة وطيدة مع إسرائيل، وهي: "أصحاب الشأن يقبلوننا..ماذا عنكم؟.. هلّا كسرتم حاجز الخوف والتلكؤ".

إذاً، تهتم الدوائر الإستراتيجية والسياسية الإسرائيلية وتتعاطى كثيراً مع الجانب النسوي العربي ولكن باتجاهات متناقضة. فتطرح شخصية ديما تايه المنغمسة بالفكر الصهيوني حتى الثمالة بصورة "المرأة الشجاعة والمتعايشة".. في مقابل طرح القيادية في حزب "التجمع الوطني الديموقراطي" وعضو الكنيست حنين زعبي، على سبيل المثال لا الحصر، وما تمثله من نموذج للفلسطينية الرافضة لفكرة القبول بإسرائيل وعنصريتها، في صورة "القاسية جداً".

ولهذا تُطرح صورة ديما تايه بالشق الآخر، فتكرس أكذوبة "المساواة الإسرائيلية" عبر الإدعاء أن الفرصة متاحة لها كي تحقق طموحها السياسي في "الليكود" ليست فقط كعربية وإنما كإمرأة أسوة بغيرها من اليهود. لكن تايه ومعها الكاتبة الكويتية فجر السعيد لم تعيا أنهما استُخدمتا كأداة في التوقيت الخطأ، كي تسجلا نقطة لصالح نتنياهو قبل انتخابات الكنيست أمام الجمهور الإسرائيلي، وذلك بصفته "المهندس الذي اخترق صميم الوعي الثقافي الفلسطيني.. والعربي أيضاً".

والحال إن استخدام إسرائيل لثلة قليلة جداً من فلسطينيات ال48 في المعترك السياسي وحتى في عملهن بجيشها وشرطتها، لصناعة دعايتها، ما هي إلا محاولة منها لعقد مقارنة جندرية بينها وبين جاراتها الدول العربية، عبر طرح نفسها "بأنها دولة المساواة على الإطلاق.ليس فقط بين اليهود والعرب..بل النساء والرجال أيضاً". علّها تكسب بذلك اعجاب شرائح نسائية عربية واسعة ولو بصمت، وتستغل تل أبيب معاناة المرأة العربية من ظلم اجتماعي وسياسي في بعض المناطق العربية، بغية دفعها للكفر بوطنيتها وقوميتها، ثم الإنتقام من دولها من خلال الإيمان بإسرائيل، سراً وعلانية.

وتبدو المرأة العربية محوراً مهماً في دعاية التطبيع مع إسرائيل؛ ولهذا لا تتردد تل أبيب في اقتناص أي فرصة للتركيز على لقاء مفتعل أو صورة مفتعلة تجمع إسرائيلياً مع فنانة عربية في دولة ما بعد وقوعها فريسة التضليل- رغم نفيها معرفتها بجنسيته. ثم تسوقها بطريقة تسعى من خلالها أن تؤثر على جمهور ومحبي تلك الفنانة، فيتقبلون إسرائيل..ولو بعد حين!
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها