الأحد 2018/09/09

آخر تحديث: 18:03 (بيروت)

سيرينا ويليامز.. المناضلة بجنسها ولَونها ومضرب التنس

الأحد 2018/09/09
سيرينا ويليامز.. المناضلة بجنسها ولَونها ومضرب التنس
سيرينا ويليامز: "أنا لا أغش كي أفوز.. أفضّل أن أخسر"
increase حجم الخط decrease
"أنا لا أغش كي أفوز.. أفضل أن أخسر". هي العبارة التي وجهتها نجمة التنس الأميركية سيرينا ويليامز إلى حَكَم المباراة النهائية، كارلوس راموس، في بطولة أميركا المفتوحة للتنس،  وتحولت إلى شعار في "تويتر" بعد الجدل الكبير الذي انتقل من الرياضة والمباراة، إلى المساواة الجندرية والعرقية ومحاربة الصور النمطية أيضاً.


وتحول المشهد في النهائي من مناسبة للاحتفال والفرح إلى أجواء مشحونة بعدما حصلت ويليامز على سلسلة من الإنذارات، إثر توجيه تهمة "الغش" لها لأنها تحدثت مع مدربها باتريك مراد أوغلو. لكن المشكلة تفاقمت بعدما قررت ويليامز الدفاع عن نفسها، وعلماً أن الاتهام ربما ما كان ليُطلق في وجه لاعب رجل، مثل روجيه فيدرر أو رافائيل نادال أو نوفاك دجوكوفيتش الذي يتحدث باستمرار مع فريقه التدريبي رغم منع القوانين لذلك.

وتصدر هاشتاغ #Serena التريند العالمي في "تويتر" طوال ساعات الليلة الماضية، حيث حيا عشرات الآلاف، ويليامز، على موقفها الذي غيّر التاريخ إلى الأبد، بحسب وصف نجمة الإعلام الأميركية إيلين ديجينيريس. فاللاعبة ويليامز (37 عاماً) هنا لم تكن غاضبة من خسارة مباراة أو بطولة، بل كانت معترفة بسيطرة منافستها اليابانية ناعومي أوساكا (20 عاماً)، وكانت تتحدث نيابة عن كل امرأة تتلقى معاملة مزدوجة، سواء في التنس، أو في أي موقف من مواقف الحياة.


والحال أن ويليامز لم تتلقَ يوماً المعاملة التي تستحقها من الإعلام ومن مجتمع التنس نفسه، ولطالما اعتبرت نجمة من الدرجة الثانية أمام نجوم اللعبة الرجال كفيدرر ونادال، رغم كل إنجازاتها داخل وخارج الملعب ورغم القيم الإنسانية التي تروج لها، أولاً لكونها امرأة، ولكونها أميركية من أصول أفريقية في لعبة للبيض عموماً، وهو تمييز طاولها منذ تسعينيات القرن الماضي عندما انطلقت مسيرتها المذهلة لتصبح واحدة من أشهر الشخصيات الرياضية في الملعب، عموماً بسبب تحديها المنطق التمييزي السائد.

يمكن تلمس المعاملة غير العادلة في ما قدمته وسائل الإعلام الأميركية، فصحيفة "نيويورك بوست" اليمينية والتي تميل لتأييد الرئيس دونالد ترامب، هاجمت ويليامز بقسوة، ليس فقط لأنها دافعت عن نفسها وعن سمعتها، بل لأنها شاركت في إعلان "نايكي" الجدلي الأخير الذي اعتبر تحدياً للقيم التي يمثلها ترامب كرجل يمثل مصالح الرجال البيض. وهي مقاربة تكررت في وسائل إعلام عديدة، وفي بعض التغريدات العنصرية أيضاً، مع تكرار أوصاف مجحفة بحق البطلة الأميركية، مثل "ناكرة الجميل"، وهي عبارة تظهر مقدار الفوقية باشتراط وجود فضل مسبق بالسماح لامرأة سوداء بلعب التنس من الأساس.


وفي اللحظة التي اشتد فيها غضب ويليامز لتقول للحكم كارلوس "أنت لص.. أنت تدين لي باعتذار"، في مشهد لن ينسى قريباً، بدا وكأنها لا تخاطبه مباشرة بقدر ما كانت تخاطب تاريخاً من الظلم والتشكيك والاحتقار الذي عوملت به. ففي بطولة أميركا المفتوحة العام 2004 و2009 و2011، تكرر المشهد تقريباً حيث حكم حكّام المباريات حينها على ويليامز بعقوبات بسبب "التنفس بصوت عال" أو "الصراخ بكلمة هيا في وقت غير مناسب"، وغيرها من التفاصيل التي تتكرر في مباريات التنس لدى الرجال، من دون أن تحظى بأي اهتمام.

الظلم الذي تشعر به ويليامز قديم وتتحدث عنه دائماً. فمنظمو بطولة "إنديانا ويلز" الأميركية عاملوها مع شقيقتها فينوس بعنصرية عرقية، مطلع الألفية لتقاطع الشقيقتان البطولة 13 عاماً قبل أن تقررا توجيه رسالة من أجل التسامح العام 2015 بعودتهما للعب في البطولة. كما أن ويليامز تعتبر أكثر لاعب/لاعبة تنس خضوعاً لاختبارات المنشطات في تاريخ اللعبة سنوياً، وهو نوع من التشكيك في موهبتها الرياضية، خصوصاً أن كافة اختبارات المنشطات تأتي سلبية تماماً.

يضاف إلى ذلك، لعب دور الشرطة الأخلاقية في كل بطولة تنس تشارك فيها ويليامز، بالتعليقات المستمرة على أزيائها ووضع الشروط عليها، ومن الأمثلة الحديثة على ذلك، منع بطولة فرنسا المفتوحة ويليامز من تكرار ارتداء بزتها الشهيرة التي ارتدتها في البطولة قبل أشهر، والتي استخدمتها لأسباب طبية بعد مضاعفات الولادة الصعبة. حيث وصف منظمو البطولة الزي بأنه "فاضح" و"غير محتشم"! وهو أمر لا يتعلق بويليامز فقط بل يتجاوزها إلى كافة اللاعبات، كالفرنسية إليز كورنيه التي أعطيت إنذاراً بسبب تغيير قميصها في الملعب رغم أن لاعبين كنادال يستبدلون كافة ملابسهم، وليس القميص فقط، وسط الملعب.



ونشر مغردون أبرز المواقف لنجوم اللعبة مثل الشتائم البذيئة التي كان اللاعب جون ماكنرو يوجهها للحكام والتي كانت تقابل بالضحك، أو تهديدات لاعبين آخرين للحكّام بالقتل اعتراضاً على لقطة تحكيمية ما، وصولاً للحظات الغضب وتكسير المضارب من طرف نجوم كأندري موراي أو نوفاك دجوكوفيتش، والتي تقابل بالتصفيق والإعجاب بالذكورة والبطولة والتحدي! وصولاً لمشهد آخر لا ينسى في بطولة أميركا المفتوحة الحالية، عندما نزل الحكم محمد الحياني من مقعده ليعطي نصائح تدريبية للاعب الأسترالي نيك كيريوس، لأنها "يؤمن بموهبته"َ!

وامتد الجدل للمؤتمر الصحافي بعد المباراة عندما سأل أحد المراسلين ويليامز: "لديك طفلة.. كيف ستبررين غضبك المخجل لها عندما تكبر؟"! وهو سؤال مخجل لكونه يفترض امتلاك الأنثى للمشاعر أمراً خاطئاً، خصوصاً أن مثل هذا السؤال لم يوجه للاعب مثل ماكنرو الذي كان يتفوه بأقذع الألفاظ حتى ضمن مؤتمراته الصحافية وأمام أبنائه الثلاثة! ويرتبط ذلك بالتصنيفات النمطية التي تقتضي أن تكون المرأة ناعمة ولطيفة وقنوعة وخجولة وصامتة وأشبه بأميرات "ديزني" اللواتي ينتظرن الأمير السحري لإعطائهن حذاء أو قبلة، من أجل تحسين واقعهن المزري.


الغضب والمشاعر جزء من التنس، وجزء من الشخصية الإنسانية، وهو ما كانت ويليامز تدافع عنه أمام الإعلام في المؤتمر الصحافي بعد المباراة وخلال جدالها أمام الملايين من المتابعين خلال المباراة، هي امرأة وأم وبطلة رياضية ومقاتلة، وكانت القرارات التمييزية تحرمها الحق في اللعب والمنافسة وليس الحق في الفوز أو الحق في تجاوز القوانين مثلما تصور البعض في "تويتر"، وتحديداً في التعليقات العربية العنصرية التي تصف ويليامز بـ"الغوريلا" أو "الدبابة" وغيرها من الصفات التي تمثل تمييزاً جندرياً واضحاً.

إلى ذلك، قال البعض أن هذه المباراة لويليامز ستكون عصية على النسيان، للأسباب الخاطئة، وهو وصف غير ملائم على الإطلاق، لأن ويليامز كانت تحاول تسجيل موقف وإيصال رسالة بغض النظر عن مصلحتها الشخصية المتمثلة بمعادلة الرقم القياسي في عدد الفوز بالبطولات الكبرى (24 لقباً). وهذا النوع من التفاني يستحق الإشادة بجميع الأحوال، وخصوصاً في هذا التوقيت حيث يشهد العالم صراعات وجدلاً حول قضايا الهجرة واللجوء والتمييز والهوية والمساواة.

أحداث الليلة الماضية ربما لم تكن مرضية من الناحية الرياضية، لويليامز وجمهورها. لكن ما قامت به النجمة الأميركية صحيح من كافة النواحي الأخرى، حيث برهنت ويليامز مجدداً أنها أفضل مَن لعب التنس في التاريخ، كونها قدوة ونموذجاً ليس فقط لمتابعي اللعبة بل لكافة الناس من دون أي تصنيفات، وخصوصاً عندما احتضنت أوساكا وطلبت من الجمهور التصفيق لها لأنها تستحق الفرح والتقدير على انتصارها المستحق الذي ستتعلم منه شخصياً في المستقبل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها