الخميس 2018/09/06

آخر تحديث: 19:32 (بيروت)

شعبة التجنيد.. أزمة الشرعية السورية

الخميس 2018/09/06
شعبة التجنيد.. أزمة الشرعية السورية
سوريون أمام إحدى شعب التجنيد (فايسبوك)
increase حجم الخط decrease
لا مجال للاستغراب من قرارات النظام السوري الأخيرة بحرمان الشباب السوريين من السفر خارج البلاد من دون موافقة خطية مسبقة من قبل شعب التجنيد العسكري في البلاد، باستثناء المعفيين من خدمة العلم. فالقرار القديم كان مطبقاً بشكل جزئي منذ إصداره العام 2007 ضمن توافق بين وزارتي الدفاع والداخلية، لكن مسار الحرب السورية وتطورها في الفترة المقبلة قاد النظام لتطبيق اجراءات حازمة بهذا الشأن، من دون الاخذ بعين الاعتبار دهشة واستغراب المغردين عبر مواقع التواصل من استمرار مظاهر العسكرة في البلاد رغم الخطاب الرسمي بـ"انتهاء الحرب وعودة الحياة إلى طبيعتها".


وتقود دهشة الموالين وانتقادات الإعلام المحلي للقرار، إلى حقيقة بديهية في دولة مثل سوريا، تتمثل بفجوة كبيرة بين الشعب والسلطة. الغريب فقط أن المندهشين في تعبيرهم عن الاستياء في "فايسبوك" و"تويتر" يفصلون بين مكونات تلك السلطة، رغم كونها في الحقيقة هيكلاً واحداً، ويوجهون اللوم بالتالي إلى المشرعين أو الحكومة أو أحد المسؤولين الفاسدين، بشكل منفصل عن هوية الدولة الأسدية كنظام سياسي شمولي بعيد عن المفاهيم الديموقراطية التي يتوهم الموالون وجودها.

يتجلى ذلك على سبيل المثال، في حديث الإعلامي الموالي للنظام نزار الفرا عبر قناة "سما" شبه الرسمية، مساء الثلاثاء، واستهجانه القرار بشكل منفصل عن طبيعة النظام العسكري ككل، حيث عزا القرار إلى مجلس الشعب أو "الشخص يلي قاعد عم يتحكم بمفاصل الدولة وهمو عم ينكش على طريقة لإذلال الشعب السوري"، حسب تعبيره.

وفيما هللت الصفحات الموالية مثل "دمشق الآن" لشجاعة الفرا في "الدفاع عن المواطنين"، إلا أن الخطاب ليس أكثر من مسكن لتهدئة الغضب الشعبي لا أكثر، وهو الأسلوب القديم الذي يتبعه النظام منذ سبعينيات القرن الماضي، مع التسليم بعدم وجود حرية للإعلام وتحديداً في الوسائل التي تشكل ذراعاً مباشراً للسلطة.





والحال أن الموالين يطرحون هنا الأسئلة الخاطئة، لينحرف الجدل عن أسباب فرض التجنيد الإلزامي من الأساس، خصوصاً بعد "نهاية الحرب"، نحو أسباب تطبيق القرار من دون سابق إنذار فقط، أو التعجب من البيروقراطية الرسمية بدلاً من الحديث عن الشمولية التي تفرض العسكرة على السوريين في كافة مظاهر حياتهم منذ عقود، بحيث يصبح الحصول على ورقة من شعبة التجنيد إلزامياً من أجل الدراسة أو التوظيف في الدولة أو حتى الزواج الذي يشترط على السوريين الذكور المكلفين بالخدمة الإلزامية الحصول على موافقة شعبة التجنيد أولاً.

يأتي ذلك بعد تفعيل النظام السوري قراراً ينص على اصطحاب أي شاب من عمر 17 إلى 42 سنة وثيقة سماح سفر من شعبة التجنيد لعبور الحدود السورية، ما منع مئات السوريين من السفر فجأة، وسبب حالة من الإرباك على المراكز الحدودية وفي المطار، منذ يوم السبت الماضي. وامتلأت مواقع التواصل إثر ذلك بآلاف المنشورات الغاضبة، فيما نشر مستخدمون صورهم على الحدود أو أمام شعب التجنيد حيث الطوابير الطويلة من الشباب الراغبين في مغادرة البلاد، التي باتت سجناً كبيراً أكثر من أي وقت مضى.

ورغم أن النظام يتحدث عن انتهاء الحرب في البلاد، إلا أن ذلك ما زال ضرباً من الخيال، مع تشظي البلاد في كانتونات ومناطق نفوذ لقوى محلية وأجنبية على حد سواء، كما أن استمرار الوجود الأميركي في شرقي البلاد أو التركي شمالها يعتبر تحدياً إضافياً للنظام المنهك المعتمد على حليفيه الإيراني والروسي. وهذا الواقع بالتحديد يفرض على النظام اتخاذ قرارات تعارض رغبة البيئة الحاضنة له، من دون امتلاك القدرة على تفسيرها بشكل صريح خوفاً من إثارة استياء أوسع يفقده الاستقرار الداخلي النسبي في مناطق سيطرته، علماً أن قرارات سابقة مثل منع الدورة التكميلية والامتناع عن تسريح المجندين السابقين، تصب كلها في ذات المنحى.

وعليه، يصبح النظام بحاجة لترميم جيشه المتهالك، بعد سنوات الحرب الطويلة والخسائر البشرية الفادحة التي طالته، لأن ذلك الجيش يمثل مصدر شرعيته الوحيد على الأرض، ليس فقط أمام شعبه، بل أيضاً أمام القوى العسكرية والميليشيات المنتشرة في سوريا التي تخلى عنها كدولة موحدة تقنياً، من أجل الحفاظ على مناطق سيطرته في "سوريا المفيدة" والتي استعادها خلال السنوات الأخيرة، إما بالقوة العسكرية أو عبر المصالحات أو التفاهمات المحلية عبر العشائر على سبيل المثال بالإضافة إلى التفاهمات الدولية عبر حليفته موسكو، التي تبقى غير قادرة وغير راغبة في الدخول بنزاع مع القوى الأميركية شرق البلاد، تحديداً، لخلق حالة "النزاع المتجمد" التي تفضلها روسيا في إدارة كافة نزاعاتها الأخرى (أوكرانيا، جورجيا،..).

يفترض ذلك تسليم النظام ببقاء القوات الأجنبية في البلاد، رغم حديثه الدبلوماسي والإعلامي عن استعادة كامل الأراضي السورية، لكن الحديث عن ذلك علناً غير ممكن بطبيعة الحال، ومن هنا يصبح السماح للإعلام الموالي بـ"التطاول" على الحكومة والدفاع عن "كرامة المواطن" ضرورياً لامتصاص الغضب الشعبي الحتمي، وليس تعبيراً ديموقراطياً جريئاً من "السلطة الرابعة".

ويجب القول أن بحث النظام عن النفوذ السابق يتقاطع مع حاجة ملحة أخرى، هي البحث عن شرعيته المفقودة أمام البيئة المحلية له. فالنظام منذ تأسيسه العام 1970 قام على انقلاب عسكري بقيادة الرئيس السابق حافظ الأسد، وطوال سنوات حكمه كان الجيش هو منبع الشرعية الوحيد للدولة السورية، لكن الثورة السورية العام 2011 أدت إلى شرخ في المؤسسة العسكرية بعد موجة الانشقاقات التي حصلت في الجيش، والتي كانت واسعة مقارنة بالانشقاقات السياسية مثلاً. وبالتالي يصبح ترميم الجيش بأفراد جدد من الشعب، أمراً محورياً لاستعادة السطوة على الشعب نفسه، ضمن حلقة مفرغة تكرر نفسها، بالاستناد إلى وهم الدولة الديموقراطية التي يخلقها الإعلام الموجه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها