الجمعة 2018/09/28

آخر تحديث: 16:20 (بيروت)

توسيع صلاحيات "الأوقاف" السورية.. والموالون ينعون العلمانية المزعومة!

الجمعة 2018/09/28
توسيع صلاحيات "الأوقاف" السورية.. والموالون ينعون العلمانية المزعومة!
increase حجم الخط decrease
لا مجال للدهشة أمام توجه النظام السوري لإعطاء صلاحيات واسعة غير مسبوقة لوزارة الأوقاف في البلاد، فالنظام المدعي للعلمانية لم يكن يوماً حريصاً على القيم المدنية التي تفصل الدين عن الدولة، بقدر ما استمد جزءاً من سلطته من تحالف راسخ مع رجال الدين طوال عقود. لكن الدهشة تصبح مبررة عند رؤية الموالين للنظام السوري يلومون الحكومة على "ضياع قيم العلمانية" لصالح التدين!


ومنذ تسريب عضو مجلس الشعب نبيل صالح، عبر صفحته في "فايسبوك"، الأحد، مشروع القانون الجدلي الذي وافقت عليه الحكومة السورية بسرية تامة، امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بجدل مستمر، حول هوية الدولة المنشودة في سوريا، ولا يماثل ذلك الجدل ما أفرزته الثورة السورية العام 2011 عندما كان الحديث يشمل كل السوريين، بل اقتصر النقاش على طبيعة المأمول من النظام السوري، وخيبة الأمل من "تفشي سلطة رجال الدين على الطريقة السعودية".

والحال أن الموالين هنا يظهرون وكأنهم يعيشون في فضاء مواز. صحيح أن "كوكب سوريا" لا يشبه بقية العالم، بسبب تتالي سنوات الديكتاتورية والانغلاق، إلا أن الموالين يظهرون باستمرار نمطاً متكرراً من الإنكار لحال البلاد، بفصل الحكومة عن النظام السياسي، رغم أنهما شيء واحد تقنياً. وتجلى ذلك اليوم بالغضب من وزير الأوقاف عبد الستار السيد، بمعزل عن بشار الأسد أو رموز حزب البعث، فيما يتم اتهام وزارة الشريعة فقط بكل ما حصل في البلاد خلال السنوات الماضية من حرب، بوصف الثورة السورية إرهاباً إسلامياً ساهمت الوزارة بشكل مباشر في تغذيته خلال السنوات الماضية!

وينص مشروع القانون المؤلف من 39 صفحة، نشرتها مواقع سورية موالية للنظام، على تحجيم دور مفتي البلاد لصالح وزير الأوقاف الذي يقترح شخصية المفتي المتغيرة كل ثلاث سنوات، بعدما كان المفتي يعين من طرف الرئيس السوري. كما يتضمن المشروع تشكيل مجلس ضمن الوزارة باسم "مجلس الأوقاف الأعلى" على أن تتولى وزارة الأوقاف "ممارسة الشؤون المتعلقة بالتوجيه والإرشاد الديني الإسلامي والأوقاف، وتعمل على محاربة الفكر التكفيري المتطرف بتياراته ومشاربه كافةً، وحماية الوحدة الوطنية من مخاطر هذا الفكر وتجفيف منابعه والمواجهة الفكرية لكل من يحمله كالوهابية وتنظيم الإخوان وغيرها من التنظيمات المتطرفة".

لكن صفحات موالية تعارض القرار، قالت أن المشروع ينص على "مضاعفة المدارس والمعاهد والجامعات الشرعية كما لو أنه يستنسخ نظام المملكة السعودية الديني". كما "يتيح لوزارة الأوقاف التحكم بمؤسسات مالية وتربوية، عدا عن التحكم بالإنتاج الفني والثقافي وتأميم النشاط الديني، فضلاً عن تأسيس جماعة دينية تحت مسمى "الفريق الديني الشبابي" خلافاً لما ينص عليه الدستور السوري الذي يوضح صراحة منع تشكيل المجموعات الدينية في البلاد.

وتخوف ناشطون موالون من استحداث "دوريات حسبة مشابهة لدوريات الحسبة في السعودية"، فيما قال آخرون أن النظام "دق الوتد الأخير في نعش العلمانية المزعومة في البلاد. مع الإشارة إلى أن الدستور السوري نفسه يناقض العلمانية باعتباره "الفقه الإسلامي" المصدر الرئيس للتشريع بموازاة "احترام" الأديان الأخرى من دون "الإخلال بالنظام العام". فيما يتحكم الدين بحياة السوريين، على الصعيد الرسمي، وتحديداً قانون الأحوال الشخصية وعدم الاعتراف بالزواج المدني، فضلاً عن أن "محاكم البداية المدنية" مقسمة بحسب الطوائف: المحكمة الشرعية للسنّة، والمحكمة المذهبية للدروز، والمحكمة الروحية التي تنظر في قضايا الأحوال الشخصية لغير المسلمين، لا سيما الطوائف المسيحية والطائفة الموسوية وغيرها.

هذه القوانين الدينية تحكمت في الحريات الشخصية للأفراد طوال عقود، لكن النظام كان يتحكم بمرونة تلك القوانين، بحسب الظروف. فبعد الثورة السورية، سمح بمجال أوسع للحريات الفردية لفئات كالملحدين والمثليين جنسياً وغيرهم، بالحياة بشكل أكثر طبيعية، رغم أن القوانين السورية "المدنية" تحرّم الإلحاد والمثلية الجنسية، وغيرها من الخيارات الشخصية المعاكسة للنمط الاجتماعي الذي يدافع عنه تحالف السلطة السياسية "العلوية" مع رجال الدين "السنة" والذي يكفل للطرفين امتيازات واسعة على مختلف المستويات.

وصحيح أن "سوريا الأسد" لم تكن دولة دينية بالكامل على غرار السعودية أو إيران، إلا أنها لم تكن أيضاً دولة علمانية مدنية، لأن العلمانية تقوم على ركيزتي فصل الدين عن الدولة وإقرار حرية الإعتقاد الديني. وكلا الركيزتان لا يمكن أن تتحققا إلا في مجتمع ديموقراطي حر. وبالتالي لم تكن الدولة الأسدية سوى نظام ديكتاتوري استبدادي، مزج العبودية الدينية بالعبودية العقائدية البعثية، وعقد تحالفات متينة مع رجال الدين، السنّة بالتحديد، لبقائه بشكل أو بآخر، مدفوعاً بحاجته كنظام طائفي أقلوي، إلى ضبط الطائفة الأكبر في البلاد، عبر التحكم بمفاصلها الأساسية، دينياً واقتصادياً.

والحال أن النظام قدّم نفسه، منذ عقود، كدولة علمانية، وتحديداً في خطابه الدبلوماسي والدعائي الموجه للغرب، حيث يروّج أنه نظام علماني حامٍ للأقليات الدينية، وتحديداً المسيحيين، من أجل الحصول على قبول دولي يغض النظر عن طبيعته القمعية والمستوى المتردي لحقوق الإنسان، لأن البديل المفترض سيكون المتشددين دينياً. وهو الخطاب الذي تعاظم بعد الثورة السورية وإخراج النظام لآلاف الجهاديين من سجونه في عفو رئاسي مثير للجدل العام 2011.

المثير للسخرية هنا أن إعلام النظام والموالين له، ينكرون تلك التفاصيل في نقاشاتهم الإلكترونية، ويحصرون أنفسهم في دائرة مغلقة من الاتهامات للمعارضين بأنهم سبب كل ما حصل في البلاد بوصفهم متطرفين دينياً، لتصبح وزارة الأوقاف المشكلة التي يجب معالجتها في النظام السياسي، من أجل بقاء الأسد حاكماً محبوباً ومثالياً. وكان لافتاً أن الكثير من الاعتراضات على صلاحيات الوزارة في "فايسبوك"، ترافق مع صور للأسد نفسه، رغم أنه في الواقع مصدر كل العنف في البلاد وهو ما أكدته الوثائق السرية التي كشفت عنها صحيفة "تايمز" البريطانية مؤخراً تحت مسمى "أرشيف الشر".

والحال أن نفوذ وزارة الأوقاف زاد بشكل واضح في البلاد بعد العام 2011، فبعد أشهر من انطلاقة الثورة السورية، استقبل رئيس النظام بشار الأسد وفداً من "كبار العلماء" ومنهم رجل الدين الراحل محمد سعيد رمضان البوطي، وتم حينها عقد صفقة بين الطرفين، بدعم رجال الدين للنظام بدلاً من الانحياز للثورة، في مقابل الحصول على امتيازات ومطالب، منها إغلاق كازينو دمشق الذي افتتح قبل الثورة بأشهر قليلة، بحجة أنه "نادٍ للقمار"، ثم افتتاح قناة فضائية دينية رسمية تحت اسم "نور الشام".

ومع "انتصار" النظام العسكري في الحرب السورية، بدأت طبيعة تلك الصفقة الغامضة التي تتحدث عنها مواقع سورية معارضة، تتضح تدريجياً، عبر سلسلة من القرارات. فتم تعيين عدد من خريجي كلية الشريعة، خلال العام الجاري، ضمن كادر وزارة الإعلام للقيام بأغراض رقابية، للمرة الأولى في تاريخ سوريا. فيما تقول المعلومات المتداولة أن وزارة الأوقاف، بحسب المشروع الجديد، ستمتلك سلطات ونفوذاً على وزارتي التربية والتعليم العالي أيضاً!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها