السبت 2018/09/22

آخر تحديث: 14:15 (بيروت)

هذه وصيفة ملكة جمال إيطاليا.. ولبنان لديه الكثير ليتعلّمه

السبت 2018/09/22
increase حجم الخط decrease
جديد مسابقة "ملكة جمال لبنان" قد يكون قديماً. فبينما يَعِد منظمو المسابقة السنوية بمفاجآت وتغييرات، مع اتجاه المسابقة إلى تفعيل دور الملكة الاجتماعي والخيري، وحضورها في المجتمع، إلا أن تلك التغييرات، على أهميتها، تبدو آتية من زمن غابر تجاوزته دول كثيرة كأمر مسلَّم به، فضلاً عن تغيير مسابقات ملكات الجمال في دول كإيطاليا وإسبانيا وبدرجة أقل الولايات المتحدة، لمفهوم الجمال التقليدي.


وينتظر اللبنانيون إجراء حفل تتويج مسابقة "Miss Liban" في أواخر أيلول/سبتمبر الجاري. وتستند المسابقة كالعادة إلى المعايير العالمية لمسابقة ملكة جمال الكون، في عصر تنهار فيه معايير الجمال السائدة والروتينية، بيولوجياً وجندرياً، بدلاً من التمسك بمعايير كمال الأجساد. ولعل الإيطالية كيارا برادي (18 عاماً) أكبر مثال على ذلك.

فللمرة الأولى في تاريخ مسابقات الجمال العالمية، وصلت شابة بساقٍ اصطناعية إلى نهائيات مسابقة ملكة جمال إيطاليا للعام 2018، قبل أيام. بوردي، فقدت إحدى ساقيها إثر حادثة دراجة كهربائية وهي في الثالثة عشرة من عمرها. لكنها بعد خمس سنوات فقط، تحدت الاكتئاب والنظرة النمطية، وأحرزت لقب الوصيفة الثانية للجمال الإيطالي.

اختارت بوردي ألا تخبئ إعاقتها تحت فساتين طويلة، بل استعرضت ساقها المبتورة بفخرٍ أمام كاميرات البرنامج وعبر وسائل التواصل. حتى أنها زينت الساق الاصطناعية بالجِلد و"الستراس"، وأضفت عليها أضواء ملونة. وشجاعة الشابة المراهقة كانت لافتة وملهمة بالنسبة إلى الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة حول العالم، خصوصاً لجهة صِغر سنها.

وعلى الرغم من ذلك، انهالت على الجميلة الإيطالية عبر السوشيال ميديا، الانتقادات والتعليقات الساخرة، والتي زعمت بأنها "موجودة في المسابقة فقط لكونها معوقة". فأجابت بوردي على هذه الاتهامات ببساطة: "صحيح أني فقدت ساقي، لكنكم فاقدون للقلب والعقل". وأضافت عبر صفحتها الشخصية في "فايسبوك": "لست مهتمة بالفوز بل أريد أن أثبت أن الحياة جميلة حتى بعد التعرض لحادث قاسٍ".

وتشكّل مشاركة بوردي في مسابقة من هذا النوع، تحدياً لمعايير الجمال وأسسه التي حكمت هذه المسابقات منذ قيامها. فالساق المبتورة قد تدعو الناس عادةً إلى إشاحة نظرهم بعيداً، إلا أن إصرار بوردي على إظهارها من دون خجل، يجعلها تبدو من الأمور الطبيعية التي لا تتعارض مع الجاذبية. حتى انها تعتبرها "أكسسواراً يماشي الموضة". وفي إحدى المقابلات التلفزيونية قالت بوردي أن "الحادث الذي تعرّضت له اضطرني إلى تغيير مفهومي لمعايير الجمال. الجمال بالنسبة إلي اليوم هو أن أكون إنسانة شجاعة لا تخشى شيئاً".

الشابة الحائزة على لقب ملكة جمال أتروريا (منطقة في إيطاليا) تصف نفسها بـ"عارضة أطراف آلية". وهي ليست المرة الأولى التي تتحدى فيها عقباتها الجسدية، فهي تمارس هواية التسلق وغيرها من النشاطات الرياضية، بالإضافة إلى امتلاكها رخصة غوص. أي أنها باختصار، تصرّ على إكمال حياتها بشكلٍ طبيعي، رغم مرورها بفترة إحباط وصل إلى حدّ تمنّي الموت، مباشرةً بعد تعرضها للحادث.

والحال أن مسابقات الجمال المخصصة للبنات والنساء، ذوات الاحتياجات الخاصة، من مقعدات أو مصابات بالتوحد والإضطرابات النيورولوجية، انتشرت بكثافة منذ بضع سنوات، إلا أنها المرة الأولى التي نرى فيها مسابقة "عادية" تضم متسابقة من ذوات الاحتياجات الخاصة، كدليلٍ على أن الجمال ليس بالضرورة كمالاً، وهو لا يتعارض مع عوامل النقص الجسدية أو العقلية.

ويمكن ملاحظة نزعة تغييرية في مسابقات الجمال عامةً. فقد ألغيت، منذ فترة وجيزة، فقرة "البيكيني" في مسابقة جمال الولايات المتحدة، لما تحمله من تسليع لجسد المرأة. أما في إسبانيا، فقد فازت متحوّلة جنسياً، هي أنجيلا بونس، بلقب "ملكة جمال الكون لإسبانيا" الذي يخوّلها المنافسة على لقب ملكة جمال الكون، لتصبح المتحوّلة الأولى التي تشترك في مسابقة جمال عالمية. وتعدّ بونس نفسها متحدّثة باسم جماعة "الميم"، وتعتبر مشاركتها في المسابقات "نضالاً من أجل إيصال أصواتنا وتأكيد وجودنا".

أما في لبنان، فلا تتعدى الوعود، استناد المسابقة إلى المعايير العالمية لمسابقة ملكة جمال الكون. وعلى الأرجح لن تضمّ المنافسة نساء معوقات أو متحولات جنسياً. لكن هل سيلمح المتابع علامات تغيير، ولو طفيف، في معايير الجمال الجامدة؟ أم أن الوجوه والأجساد نفسها التي تطلّ عبر الشاشة كل عام، ستطل من جديد؟

وستشرف على المسابقة اللبنانية، ملكة جمال الولايات المتحدة، ريما فقيه، التي تسعى إلى توجيه المتسابقات نحو العمل الإنساني، من خلال تنفيذ مشروعٍ اجتماعي، وليس الحديث عنه فحسب. وهي الفكرة الجديدة/القديمة التي لا تصل بالمسابقة المحلية إلى المستوى الذي يجب أن تكون فيه، في مثل هذا التوقيت.

من المبكر الحكم على الملكة المقبلة بطبيعة الحال، لكن الإنسانية التي تنادي بها المسابقة في دروتها الحالية، يجب أن تتطور نحو دمج الفئات المقصية عنها، وصولاً إلى رؤية الجمال بعدسةٍ جديدة تتماشى مع التطور الاجتماعي والثقافي لعصرنا. يضاف إلى ذلك تنميط المسابقة اللبنانية للجانب الثقافي وتسطيحه، في دوراتها السابقة. ففي حين تتقدم نساء من ذوات الاحتياجات الخاصة إلى مسابقات جمال عالمية، وتتمتّع متسابقات أخريات بحرية إختيار جنسهن، ما زالت المسابقة اللبنانية تسأل المشتركات عن "دور المرأة في المجتمع" وعن "حقها في المشاركة في السياسة" على سبيل المثال!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها