الجمعة 2018/09/21

آخر تحديث: 15:34 (بيروت)

الحرب في أفغانستان تكبد الصحافيين أرواحهم بأعداد قياسية

الجمعة 2018/09/21
الحرب في أفغانستان تكبد الصحافيين أرواحهم بأعداد قياسية
صحافيون يشعلون الشموع لزملائهم القتلى في أفغانستان (غيتي)
increase حجم الخط decrease
بعد لحظات على إنهائه رسالته المباشرة حول الهجوم الانتحاري الأخير في العاصمة الأفغانية كابول الشهر الماضي، لقي الصحافي الأفغاني ساميم فارامرز مصرعه في انفجار سيارة مفخخة، وعلى بعد أمتار قليلة منه، أودى أيضاً بحياة المصور رامز أحمدي.

ويحاول زملاؤهما في محطة "تولو نيوز" الإخبارية حبس دموعهم لدى الإعلان عن وفاتهما مباشرة على الهواء، ما يطرح جدلاً بشأن عمل الصحافيين الأفغان في أوضاع خطيرة كتلك، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس".

وبمقتل فارامرز وأحمدي في الخامس من أيلول/سبتمبر يرتفع عدد الصحافيين وأفراد طواقم الاعلام الذين قتلوا في أفغانستان هذا العام إلى 14 شخصاً، ما يجعل البلاد هي الأكثر خطورة على عمل الصحافيين في العالم، علماً أن 13 من القتلى صحافيون، وهذا أكبر عدد للصحافيين القتلى في أفغانستان في عام واحد منذ اندلاع الحرب.

والحال أن هذه الخسائر البشرية الفادحة تقع في مجتمع معروف بالعلاقات الوثيقة بين أفراده، وبالتالي فإن الصحافيين يواجهون خطر مأساة كلما توجهوا إلى العمل. وقال حميد حيدري الصحافي لدى "وان.تي.في": "عندما نغادر منازلنا لا نعرف إن كنا سنعود أحياء". ويعرض هذا الصحافي على رف فوق مكتبه صور صحافيين قضوا أثناء عملهم.

وكان حيدري توجه إلى موقع الانفجار الذي أودى بحياة فارامرز وأحمدي لكنه عاد إلى مكتبه قبل دقائق على وقوع الانفجار الثاني. فيما قال لطف الله نجفيزاده، مدير "تولو"، وهي أكبر شبكة تلفزيونية خاصة في أفغانستان: "الوضع يرهقنا أساساً"، موضحاً بأنه مع استمرار تردي الوضع الأمني في افغانستان فإن الخوف والقلق موجودان باستمرار. وأضاف بأن الخطر "لا يتعلق فقط بموقع الانفجار بل يتعداه إلى الولاية وصولاً إلى المكتب أو التواجد في المكتب، فجميعها أماكن تواجه مخاطر ومن الصعب أحياناً تقليصها جميعا إلى الصفر".

وقتل 60 من الصحافيين وأفراد طواقم الاعلام في أفغانستان منذ الغزو بقيادة الولايات المتحدة العام 2011 الذي أدى لإطاحة نظام "طالبان" وسمح بظهور وسائل الاعلام المستقلة بمعدل ثلاث كل عام، بحسب منظمة "مراسلون بلا حدود"، فيما تقول منظمة "ناي" الأفغانية لحماية الصحافيين أن العدد يصل إلى 95.

لكن انسحاب القوات المقاتلة التابعة لحلف شمال الأطلسي "ناتو" في نهاية العام 2014 كان بمثابة نقطة تحول، بحسب أرقام منظمة "مراسلون بلا حدود" التي تظهر أن 39 من الصحافيين وطواقم وسائل الإعلام، أكثر من نصف العدد الإجمالي، قتلوا منذ تجدد هجمات "طالبان" وظهور تنظيم "داعش" في أفغانستان.

وقلّصت وسائل الاعلام تغطيتها الميدانية. لكن الهجمات الانتحارية التي استهدفت المدن بقيت حتى هذا العام مادة لغرف التحرير. وتغّير الوضع في أعقاب تفجير مزدوج في العاصمة الأفغانية في 30 نيسان/أبريل، فقد قتل تسعة صحافيين، من بينهم كبير مصوري مكتب وكالة "فرانس برس" شاه ماراي في تفجير مزدوج، هو الأكثر دموية بالنسبة لوسائل الإعلام منذ سقوط "طالبان".

وبعد أقل من ثلاثة أشهر على ذلك، قتل السائق لدى وكالة "فرانس برس" محمد أختر في هجوم انتحاري أثناء توجهه إلى عمله. ثم قتل فارامرز وأحمدي في أيلول/سبتمبر. وتضع تلك الحوادث الدامية وسائل الاعلام أمام تساؤلات بشأن كيفية عملها، وسط الاستعدادات لمواجهة مزيد من أعمال العنف قبيل الانتخابات البرلمانية في تشرين الأول/أكتوبر.

وتم تحميل الحكومة الأفغانية والقوات الأمنية معظم المسؤولية في حوادث مقتل الصحافيين لعدم قيامهما بحمايتهم. لكن وسائل الإعلام ايضاً واجهت انتقادات لتعريضها بشكل متكرر موظفيها للخطر.

وقال سيد إكرام أفضلي، المدير التنفيذي لمجموعة "إنتغريتي ووتش" الأفغانية المدافعة أن "خسارة صحافيين في أحداث مشابهة الواحد تلو الآخر وعدم التعلم من الأخطاء، ينم عن سوء إدارة من جانب كل من المؤسسات الإعلامية والحكومة".

ويحتل المتمردون العناوين الرئيسية لقتلهم مدنيين وقوات أمن ومسعفين وصحافيين. لكن منعاً تاماً لتغطية الهجمات الانتحارية "سينم عن عدم احترام للقتلى" بحسب مدير مكتب "بي بي سي" شعيب شريفي. وتبذل الشبكة البريطانية جهداً كبيراً لتقليص المخاطر، ويضيف شريفي: "نقوم فعلياً بتقييم ومراقبة كل خطوة خارج المكتب".

وحتى الآن ستستمر شبكة "وان تي.في" الأفغانية التي تكبدت العديد من القتلى والجرحى في تفجيرات هذا العام، في التوجه إلى موقع التفجيرات الانتحارية، بحسب مدير الأخبار والشؤون الحالية عبد الله خنجاني، الذي يضيف: "أعتقد أنه يحق للناس معرفة ما يحدث في بلدهم". لكن مراسلي الشبكة ما عادوا يهرعون ليكونوا أول الواصلين إلى الموقع، وبات ارتداء السترات الواقية والخوذ إلزامياً.

أما صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية "فموقفها الافتراضي هو عدم التوجه ما لم نتفق على وجود سبب استثنائي للذهاب" بحسب مدير المكتب رود نوردلاند، مضيفاً: "في معظم الحالات نقول أن ليس هناك سبب استثنائي". وبدلاً من ذلك تتوجه الصحيفة إلى المستشفيات أو منازل عائلات الضحايا لتسليط الضوء على المعاناة الإنسانية التي تسببها تلك الهجمات، فيما تواصل مساعيها إيجاد سبل لكتابة تقاريرها من دون التوجه إلى موقع الهجوم.

وفيما تبنت وكالة "فرانس" برس سياسة مماثلة، قال نوردلاند: "إن مخاطر التوجه إلى موقع انفجار والإصابة في انفجار ثان، أهم من القيمة الصحافية لتلك المهمة".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها