الأحد 2018/09/02

آخر تحديث: 15:06 (بيروت)

مَديَن ديرية يفتح ملف "فتح الإسلام": رواية أخرى

الأحد 2018/09/02
مَديَن ديرية يفتح ملف "فتح الإسلام": رواية أخرى
increase حجم الخط decrease
عشر سنوات مرت على معركة نهر البارد، ونهاية تنظيم "فتح الإسلام" الجهادي، بعد معركة دامت 100 يوم شمالي لبنان. لكن المخرج الفلسطيني - البريطاني، مديَن ديرية، يفتح ملفات القضية مجدداً، عبر سلسلة كتب وثائقية، صدرت قبل أيام، يقدم فيها نظرة جديدة للمعركة من الداخل، راصداً "الرواية البديلة" للأحداث.


وفي حديث مع "المدن" أوضح ديرية أن الكتاب الجديد يروي "قصص الذين عاشوا هذه الأحداث من وجهة نظرهم، ويلقي الضوء على الأساليب والمفاهيم والاهداف والاستراتيجيات لفتح الإسلام وينقل معلومات للمرة الأولى حول حقيقة ودوافع التنظيم وينهي التناقضات التي وضعها البعض حول هوية التنظيم وانتمائاته وفكرة وعلاقاته الداخلية والخارجية وطريقة إنهاءه والتخلص منه ويضع الأسماء الحقيقية بالصور والوثائق والمستندات وجوازات سفر الانتحاريين التي حصلنا على بعض منها إلى جانب رسائل بخط اليد من قادة التنظيم".

ويلفت ديرية إلى أن السلسلة تتبع القصة المعاكسة للبيانات الرسمية، ويقول: "يحاول الكتاب أن يضع تأكيدات حول مقتل شاكر العبسي، قررنا نشر هذا الكتاب لنزيح التأويلات ونستمع من الطرف الاخر بعد 11 عاماً على معركة نهر البارد، حيث يقدم الناجون من المعركة رواية بديلة، تتضمن اتهامات للجيش اللبناني بإبادة التنظيم واستخدام الغازات السامة والمواد الحارقة الى جانب عدم السماح للجرحى بالخروج من المخيم لينقض ويلقي المواد الحارقة على المخيم"، كما يقول.

والحال أن تنظيم "فتح الإسلام"، هو كيان مسلح نفذ عمليات إرهابية، تم تشكيله في شباط/فبراير 2006 قرب مخيم نهر البارد للاجئين في شمال لبنان، بعد انشقاقه عن حركة "فتح الانتفاضة"، وتمكن الجيش اللبناني من القضاء عليه، بعد قتال اندلع في 20 أيار/مايو 2007 بسبب سرقة بنك البحر المتوسط من قبل عناصر التنظيم، وإطلاقهم النار على عناصر الجيش اللبناني. وفي 7 شباط/نوفمبر 2008 بث التلفزيون السوري الرسمي، اعترافات لبعض الأشخاص الذين ينتمون للتنظيم والمتهمين بالتخطيط والتنفيذ لتفجير سيارة مفخخة في أحد مناطق العاصمة السورية دمشق في أيلول/سبتمبر 2008، أدى لمقتل 14 شخصاً وجرح 27 آخرين، فيما اتهمت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" تيار المستقبل اللبناني بأنه أحد ممولي التنظيم.

ويقول ديرية أن السلسلة تضم مقاطع فيديو تنشر بالتوازي في "يوتيوب" تم تصويرها داخل نهر البارد وقت المعركة حيث يظهر الانتحاري الذي فجر نفسة في دمشق، كما "تظهر المقاطع كيف يقوم الجرحى بحفر قبور القتلى الى جانب علاج الجرحى والمقاتلين"، علماً أن هذه تعتبر الصور الاولى التي صورت ونشرت من نهر البارد وقت المعركة.

وبحسب ديرية، يكشف الكتاب علاقة فتح الإسلام بتنظيمي "القاعدة" و"داعش"، وشبكة الحركات الجهادية في المنطقة. كما يعطي لمحة عن التطورات التي حدثت داخل المنظمة في مراحل مختلفة، ويكشف مصير قائد التنظيم شاكر العبسي، وكيفية الوصول إليه. ويكشف الكتاب حجم الاختراق الأمني للتنظيم، كما يقدم الأسماء الحقيقية، وجنسيات عملاء المخابرات، بطلاتها من النساء اللواتي نجحن في اختراق التنظيم والوصول إلى قمة الهرم فيه.

ويناقش ديرية أيضاً وقع حرب أفغانستان على التنظيم، ويتوقف عند حرب العراق التي يعتبرها نقطة تحول كبيرة للتنظيم، ويكشف الاتصالات مع أبو مصعب الزرقاوي، ورصد الأهداف لضرب أهداف إسرائيلية، وتوجيه ضربات لمصالح أميركية، وبريطانية في لبنان، ومصر، والأردن، والإمارات. ويكشف عن الاتصالات مع تنظيم "القاعدة" في اليمن لضرب أهداف بريطانية في سلطنة عُمان انتقاماً من احتلال العراق. ويقول ديرية أن الكتاب يثير "مجموعة من التساؤلات حول مدى اقتناع الرأي العام بوجود تعاون، أو تبعية، بين فتح الإسلام، ودول تعيش فرقة سياسية في ظل تبادل الاتهامات بين دول، وتيارات، حول هوية وخلفية هذا التنظيم وانتماءاتها"، بحسب تعبيره.


ويعطي ديرية أهمية كبيرة لتقديم وجهة نظر مختلفة عن الروايات الرسمية، في العمل الصحافي عموماً، وتحديداً عندما يتعلق الأمر بالحركات الجهادية وإعطائهم صوتاً. ويقول: "لا أحداث أمنية أو حتى جرمية من دون أسباب. وعندما تقع أي حادثة يحاول الناس معرفة السبب والمسببات والدوافع، لذلك ينبغي على السلطات والدول اتخاذ العبر من الاحداث الأمنية وترك المختصين والخبراء يقدمون دراسات ونقاشات حقيقية بعيدة عن الدعاية المعادية التي عفا عليها الزمن، خصوصاً أنه في ظل قوة وسائل التواصل الاجتماعي لا يمكن التاثير في الآراء بشكل كامل، لذلك يجب علينا أن نقدم عملاً موضوعياً بحسٍّ واعٍ وبمهنية واستقلالية، ولا يعني هذا أننا نصبنا أنفسنا منصة للحركات الجهادية".

تستند السلسلة إلى كم هائل من التقارير والتحقيقيات الصحافية النادرة والمعقدة حول الحركات الجهادية المسلحة، وخصوصاً تنظيمات "القاعدة" و"داعش" و"فتح الإسلام"، تقرر جمعها معاً على شكل ثلاثة كتاب تكشف "الوثائق السرية والاعترافات والصور ومقاطع الفيديو والرسائل التي كتبها قادة هذه المنظمات. ويلفت ديرية إلى أن فريقاً من الباحثين الدوليين والصحافيين المستقلين الذين ينتمون إلى جنسيات مختلفة يعملون على السلسلة، علماً أن دار "المكتب العربي للمعارف" في القاهرة أنتجت النسخة العربية للسلسلة، ويحمل الجزء الأول منها عنوان "فتح الإسلام النشأة والمصير"، كما تشرف دور نشر أجنبية على نشر الطبعات الانجليزية والفرنسية والتركية والبرتغالية والاسبانية والإيطالية من السلسلة بالتوازي.

ومن اللافت اختيار ديرية إصدار السلسلة في كتاب بدلاً من تقديم المعلومات في سلسلة وثائقية، وهو المشهور بأفلام مثيرة للجدل من داخل الحركات الجهادية، كأفلامه من داخل الرقة خلال سيطرة تنظيم "داعش" أو أفلامه مع جبهة النصرة شمال غربي سوريا أيضاً. وهنا يؤكد ديرية أنه لا يرسل رسائل معينة "بقدر ما نريد ان نكتب التاريخ بشكل صحيح وبتوثيق سليم بعدما وجدنا فداحة الأخطاء في المعلومات المنشورة حول هذه الجماعات سواء في وسائل الاعلام أو الكتب حيث رأينا أن المواد المنشورة والمتداولة حول هذه الجماعات مغلوطة وتقدم للناس بشكل دعائي مضاد".

ويوضح ديرية أن "الكتب ستفسر الاحداث والتطورات وتبني تسلسلاً زمنياً لهذه الاحداث وتوضح قضايا مهمة مرتبطة بها، وستتوسع فيها لمناقشة كل هذه المسائل والقضايا من الجوانب كافة. كما ستضع في التداول معلومات جديدة موثقة، وتنفي أموراً سائدة ومعلومات خاطئة متداولة حول الشخصيات والحركات الجهادية". ويصف الجهد المبذول بأنه "محاولة فريدة لكتابة قصص هذه الجماعات، لكن من داخلها، عبر جهة مستقلة ليست على علاقة بها. والأهم من ذلك أن نضع للتاريخ المعلومة الصحيحة الموثقة من خلال نظرة محايدة من دون استخدام الدعاية المضادة".

تركيز ديرية الطويل على الحركات الجهادية، يدفع كثيرين لاتهامه بتلميع صورة تلك الجماعات، لكن عمله ينطلق من زاوية توفير مساحة لفهم الحركات الجهادية من الداخل. ويجادل البعض في أن الحديث مع الجهاديين يعتبر مدخلاً لفهم أوسع للمظالم التاريخية والاجتماعية التي تقود للتطرف، ما قد يقود بالتالي للعدالة الاجتماعية. ويرى ديرية أنه "من المهم الحديث مع جميع الأطراف، بما فيهم الحركات الجهادية، ومن المهم نقل وجهة نظرهم وفتح باب الحوار معهم، لأن وجود الجهاديين بهذه القوة وعلى مساحة جغرافية واسعة له دوافع وأسباب يجب مناقشتها بصورة مستقلة وموضوعية، وطرق الحديث معهم مدخل رئيسي مهم لفهم الحالة وتوسيع المعرفة بكل القضايا المتعلقة بهم".

والحال أن إعداد السلسلة استغرق سنوات من العمل في بلدان مختلفة، ودام العمل على كتاب "فتح الإسلام" وحده، تسع سنوات، جمع خلالها ديرية كمية كبيرة من المعلومات والوثائق والصور والمستندات. علماً أن السلسلة تضم "المئات من مقابلات الفيديو لقادة الحركات الجهادية في أفغانستان والعراق وسوريا والصومال واليمن وليبيا، إلى جانب لقاءات نادرة مع عائلاتهم وأولادهم، حيث حاولنا أن نقدم حقيقية هؤلاء وعلاقتهم مع عائلاتهم والمحيط ونجحنا في بناء السيرة الذاتية الحقيقية من داخل منازلهم ومقراتهم ومواقعهم القتالية وحتى مخابئهم".

وساعد ديرية في إنجاز السلسلة، الصحافي السوري أسامة جمعة، الذي قتل في مدينة حلب السورية بقصف لقوات النظام السوري العام 2016، والصحافية البرتغالية مارا جيني التي سافرت إلى بعض الدول التي تمنع ديرية من دخول أراضيها، وقابلت "نساء المجاهدين"، إضافة للصحافية تينا لوزيو التي تواصلت بشكل دائم مع المصادر النسائية بحكم معرفتها باللغة العربية الى جانب فريق من الباحثين الدوليين.

وبناء على تجربته، يرى ديرية أن الإعلام الغربي "أخفق في مناقشة قضية الجماعات الجهادية وغض البصر عن نموها في بلدان كثيرة وفشل بتقديم الأدلة حول هوية وأهداف هذه الجماعات وحتى تاريخها والسبب الحقيقي لوجودها، وقدمها على أنها مجموعات من الوحوش البشرية المتخلفة وربطها بطريقة أو بأخرى بالإسلام نفسه". مضيفاً أن الكثير من خبراء الحركات الجهادية والإرهاب في الإعلام الغربي والعربي، على حد سواء، لا يتمتعون دائماً بمصداقية وخصوصاً بتمريرهم تسريبات ومعلومات وآراء مغلوطة لا تستند إلى وثائق وأدلة. ومن هنا بات جزء معتبر من الإعلام فاقداً للمصداقية، ما جعل الشباب يبحثون عن مصادر أخرى، ولا يجدون أمامهم غير إصدارات الحركات الجهادية نفسها.

يذكر أن  ديرية صحافي ومراسل حربي ومنتج أفلام وثائقية، وهو معروف بعمله في مناطق الحروب، والصراعات الخطيرة في أنحاء العالم. ومنها أنتج التقارير، والتحقيقات، والصور، والأفلام الوثائقية من قلب المعارك، وكثيراً ما نجح في وصول فريد وحصري إلى المناطق المعقدة التي مزقتها الحرب في أفريقيا، والشرق الأوسط، ونجح في ربط الصلة بأخطر الحركات المتمردة الخطيرة، والمنظمات الجهادية، من جبال أفغانستان إلى سيراليون في غرب أفريقيا. وحصل على العديد من الجوائز، في أنحاء العالم لعمله الصحافي، بما في ذلك جائزة "النزاهة والشجاعة والروح المستقلة" العام 2014، وجائزة "بيبودي" العالمية المرموقة لأفضل فيلم وثائقي. وهو عضو في نادي "فرونت لاين" و"مراسلون بلا حدود" و"اتحاد الصحافيين البريطاني" و"الاتحاد الدولي للصحافيين".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها