الثلاثاء 2018/09/18

آخر تحديث: 16:14 (بيروت)

إدلب.. معنى الانتصار في سوريا ممزقة

الثلاثاء 2018/09/18
إدلب.. معنى الانتصار في سوريا ممزقة
مدنيون في إدلب بعد الاتفاق الروسي التركي (غيتي)
increase حجم الخط decrease
لا يمكن القول إن النظام السوري ومعارضيه يتفقون على وجهة نظر واحدة للمرة الأولى منذ سبع سنوات ونصف. فصحيح أن الطرفين ينظران للاتفاق الروسي-التركي في إدلب على أنه انتصار للسوريين، إلا أن ذلك الشعور الوهمي بالتماثل، تفرقه الأسباب المتباينة، التي تكشف مقدار الشرخ الواسع بين السوريين اليوم، في دولة ممزقة.

وفيما رأى إعلام النظام السوري والموالون له، الاتفاق، انتصاراً وتمهيداً لسيطرة النظام على إدلب، عبر الديبلوماسية التي تجنب "هدر دماء أبطال الجيش السوري"، رأى معارضون أن الاتفاق يمثل تحجيماً للقوة الروسية أمام الإرادة التركية. وعبّر الطرفان عن شعور عام بالانتصار المؤقت، من دون وجود لهوية سوريّة منتصرة، بطبيعة الحال، لأن المسألة ككل تكشف بوضوح كيف تحولت سوريا، الدولة السابقة، إلى مجموعة من الأراضي الممزقة التي تسيطر عليها قوى أجنبية بالوكالة.

والحال أن الشعور بالانتصار يبقى مزيفاً، بالنسبة للأطراف السياسية/العسكرية المحلية، وقد يكون المدنيون في إدلب، هم الطرف المنتصر الوحيد، لكونهم كسبوا مهلة إضافية من الزمن كي يعيشوا من دون قلق من الحرب والقصف والموت الذي كان ينتظرهم، ولو إلى حين، حيث ما زالت إمكانية القيام بمعركة في إدلب، واردة ضمن إعلام النظام والإعلام الروسي، في حال فشل الاتفاق باجبار فصائل المعارضة على تسليم أسلحتها الثقيلة على خطوط التماس، والانضمام لمعركة محاربة الجهاديين بتنسيق مع السلطات التركية.

ويجب القول إن تركيا قد تكون الرابح الأكبر في الصفقة، حيث باتت تسيطر على إدلب ومساحة واسعة من الشريط الحدودي شمالي محافظة حلب. فيما باتت إدلب أشبه بمنطقة الجولان جنوبي البلاد. إيران قد تبدو للوهلة الأولى الخاسر الأكبر في الاتفاق، خصوصاً أن روسيا ستفرض هيمنتها على نبل والزهراء، الشيعيتين، لا النظام السوري مباشرة. لكن المشهد قد لا يكون مكتملاً بالنظر إلى إمكانية تعويض طهران في مناطق أخرى أو بامتيازات أخرى لم يكشف عنها بعد.

وإن كانت السوشيال ميديا السورية تتجاهل معظم المعطيات السابقة، إلا أنها تقدم رؤية لطبيعة البلاد المقسمة والمجزأة، أكثر من أي وقت مضى، فأطراف النزاع المحلية تتصرف وكأنها قوى في محاور عالمية متصارعة، لكنها في الواقع ليست إلا أدوات وكيلة لها. وبالتالي، يصبح الجدل السوري-السوري في السوشيال ميديا، فاقداً للمعنى لكونه يعلق على شيء خارج نطاق الإرادة، ولا يملك القدرة على تغييره أو التأثير فيه.

يأتي ذلك بعدما تمت محاصرة ما لا يقل عن 3 ملايين مدني سوري، و70 ألفاً من المقاتلين المتمردين، بما في ذلك الجهاديون المرتبطون بتنظيم "القاعدة"، في محافظة إدلب، آخر قطعة أرض مهمة لا يسيطر عليها الأسد. وكانت الأمم المتحدة أعربت في وقت سابق عن قلقها من أن اعتداءً على إدلب سيسبب خسائر بشرية ومعاناة هائلة، وقدمت ترحيباً حذراً بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في سوتشي.

والحال أن تأجيل المعركة في إدلب يشير مجدداً إلى رغبة موسكو في خلق حالة "النزاع المتجمد" التي تفضلها في إدارة كافة نزاعاتها الأخرى؛ أوكرانيا وجورجيا، التي تبقى غير قادرة وغير راغبة على الدخول في نزاعات أكبر مع القوى الإقليمية والدولية، بل تحافظ على قدر من التوازن في إدارة الحرب والسلم بعلاقتها مع كافة الأطراف، بما في ذلك الأميركيون شرقي سوريا. وهي ميزة لا تتوفر لأي طرف آخر فاعل في الحرب السورية، وتضمن لموسكو نفوذاً طويل الأمد، ليس فقط على النظام بل على كافة القوى الأخرى أيضاً.

يتعاكس ذلك مع نظرية رائجة في "تويتر" بين الموالين والمعارضين على حد سواء، وتفيد بأن روسيا انضمت إلى فكرة إنشاء منطقة منزوعة السلاح للتظاهر أمام الأمم المتحدة وغيرها بأن المتمردين لا يريدون تسوية سلمية، وبالتالي يجب إزالتهم بالقوة مثلما أراد النظام السوري القيام به منذ البداية.

وفيما ينص الاتفاق الروسي-الأميركي على إقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح على مسافة يتراوح عرضها بين تسعة واثني عشر ميلاً، بحلول 15 تشرين الأول/أكتوبر، لوضع حد فاصل بين القوات السورية الموالية للرئيس بشار الأسد وخصومها من المعارضين، والتشديد على أن المقاتلين المرتبطين بفرع "القاعدة" في سوريا المعروف سابقاً باسم " جبهة النصرة"، "يجب أن يتم سحبهم من المنطقة منزوعة السلاح بحلول 10 تشرين الأول/أكتوبر"، تبقى مسألة إدارة السلاح الثقيل في إدلب غامضة.

في هذه الأثناء، يبقى السوريون متصارعين في مواقع التواصل، بين الشتيمة والشتيمة المضادة، ليظهر بوضوح ما تعنيه الحياة في سوريا اليوم ومعنى الانتماء إلى البلاد الممزقة بفعل الحرب، في وقت باتت فيه القوى الدولية متحمسة لإنهاء حالة الحرب في البلاد بصورتها العسكرية، مع الإبقاء على هامش زمني مفتوح من المفاوضات المقبلة، تضمن فيه الدول الراعية للنظام أو الراعية للمعارضة، وهي الحقيقة الصارخة بأن الدولة التي عرفت في يوم ما باسم سوريا توقفت بالفعل عن الوجود.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها