السبت 2018/08/04

آخر تحديث: 13:33 (بيروت)

"سوبرمان" سميرة سعيد

السبت 2018/08/04
"سوبرمان" سميرة سعيد
increase حجم الخط decrease
ربما يكون الضحك هو الرد الأجدى عند قراءة الاتهامات التي طالت النجمة المغربية سميرة سعيد، في أغنيتها الجديدة "سوبرمان" بأنها تحاول "هدم المجتمع العربي"، عبر السوشيال ميديا خلال الأيام الماضية، فالانتقاد هنا، لم يكن موسيقياً أو فنياً بقدر ما كان استجابة غاضبة لكلمات الأغنية المختلفة، التي تذم الرجل العربي على صفات متكررة لدرجة باتت معها نمطاً عاماً.


وبعد تجاوز صدمة الصورة التي ظهرت فيها سعيد بوشوم كبيرة على رقبتها وصدرها، صدم البعض، من الذكوريين والنمطيين، بكلمات الأغنية التي تتذمر فيها سميرة من تبدل حال الرجل العربي بعد الزواج من "سوبرمان" يهتم بنفسه وبالآخرين، إلى شخص بدين وممل وكئيب وسلبي، ورأوا في الأغنية تجاوزاً لفكر "النسوية" الذي تنادي به سعيد دائماً، نحو "كراهية الرجل".


وهنا تعدد سعيد الصفات التي تكرهها في الرجل الذي يتحول من حال إلى حال، فيصبح بخيلاً وبديناً ومملاً وسمجاً: "بقى بارد جداً، بقى دمه تقيل، بقى ندل قوي وطماع وبخيل، البيه اللي عاملي انه مؤدب وجميل، بيجيلي مدروخ نص الليل"، ليفقد مع الوقت الانطباع الأول الجميل الذي خلقه لنفسه كـ"سوبرمان"، علماً أن سعيد استعانت بفريق عمل أغنيتها الضاربة "هوا هوا": الملحن بلال سرور والشاعر شادي نور والموزع الموسيقي هانى يعقوب، لصناعة أغنية مختلفة عن السائد.

لا تبحث سعيد عن سوبرمان جديد، بل تهاجم النفاق المتكرر في العالم العربي، حيث يظهر الناس للغرباء صورة براقة عن أنفسهم وكأنهم أشخاص مهذبون ومحترمون، لكنهم يكونون أشخاصاً سيئين مع عائلاتهم. وربما تكون هذه الصورة متكررة ومبتذلة ومعروفة للجميع وتم تداولها في الدراما التلفزيونية، لكنها غير موجودة في الأغاني العربية التي تستنسخ كلمات بعضها من أكثر من 30 عاماً، لدرجة يتكرر فيها القول أن كلمات الأغاني العربية منذ الثمانينيات لا تتجاوز 200 مفردة فقط.

وفي العموم تركز كلمات الأغاني العربية على الحب والشوق والهجران وغيرها من التفاصيل الرومانسية، وتبدو موجهة في العموم للمراهقين، وبالكاد يمكن تلمس أغاني مختلفة عن ذلك السياق النمطي، لكن سعيد هنا تتحدث بلسان ربات منازل كثيرات في العالم العربي، من اللواتي تقدمت بهم السنوات ببطء وهن يجلسن طول يومهن في المنزل للاهتمام بعالم الرجل الداخلي وبالأطفال وبشؤون الطبخ والتنظيف وغيرها، في علاقة رضين بها أو أجبرن عليها.

ربما تطالب الأغنية بشيء من الثورية في مقدمتها الأشبه بمارش عسكري. لكنها بعد ذلك تتحول إلى لحن راقص، يتلوى فيه صوت سعيد بليونة وكأنها تسخر من حالتها التي رضيت بها طويلاً باسم "الحب القديم"، وفيما تلوم نفسها بشيء من الكوميديا اللطيفة تندب أيضاً حظها العاثر أيضاً بهزلية كأنها "دراما كوين". وبهذا لا تغدو الأغنية ذماً يجسد كراهية للرجال بقدر ما هي لوم ذاتي ودعوة للتحرر وللمساواة أيضاً.

وسعيد في الأغنية الجديدة، تلجأ لخلطتها السحرية التي اعتمدت عليها طوال سنوات نجاحها، وهي تقديم قصة من خلال الأغنية، وخصوصاً في المواضيع التي تحاول فيها توجيه رسالة اجتماعية أو إنسانية أو حتى سياسية. ويعني ذلك أنها تتحدث في الأغنية عن حالة فردية مرتبطة بشأن عام، وكأنها ممثلة بارعة تجسد دوراً في فيلم سينمائي، ومن هنا تأتي قدرتها على الإقناع بعيداً عن التنظير.

ويجب القول، أن هذا النوع من الأغاني العربية التي تحمل "قضايا مجتمعية"، ارتبط طوال سنوات بالفن النخبوي وفرق الأندرغراوند، لا بأغاني "البوب"، ويأتي دائماً مملاً وتنظيراً وفوقياً، سواء في الأنماط الموسيقية غير الشائعة أو في الكلمات المباشرة. لكن سعيد قدمت العشرات من الرسائل الاجتماعية في أغانيها منذ ثمانينيات القرن الماضي، ببساطة ومن دون تعال، وبلغة شعبية بسيطة، وهذا هو الفن الحقيقي الذي يلامس كل الناس على اختلاف مستوياتهم، ويخلق في النهاية حواراً ومتعة في نفس الوقت، وهي خصائص يمكن تلمسها بسهولة في "فايسبوك" و"تويتر" وتعليقات الجمهور على الأغنية في "يوتيوب" أيضاً.

والحال أن الحديث عن تجدد سعيد الفني والموسيقي بات مكرراً وعتيق الطراز، لكن الوقوف عند حب سعيد (60 عاماً) للحياة أمر لا بد منه، فكمية الطاقة التي تبثها الأغنية وطبيعة التوزيع الراقصة تجعلها أغنية صيفية مرحة، بغض النظر عن موضوعها الدرامي الكئيب للوهلة الأولى، كما أن بحثها الدائم عن مواضيع جديدة تجعلها ملهمة ومثيرة للإعجاب، كونها لم تفقد شغفها للعمل والإنتاج بعد سنوات طويلة من النجاح والشهرة والمال، وبالتحديد عملها مع الأجيال الجديدة من الملحنين والموزعين والشعراء لتقديم أغان لا تشبه السائد في شيء.

ومن المبهر حقاً، كيف أن اختلاف سعيد الدائم وبحثها عن التميز يقودانها للنجاح، فالجدل الذي أحدثته بأغنية واحدة يتجاوز الجدل حول 16 أغنية كاملة قدمتها النجمة اللبنانية إليسا في ألبومها الأخير قبل أيام من طرح "سوبرمان"، وهو أمر لا تقوم به سوى "ديفا" حقيقية في النهاية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها