الجمعة 2018/08/31

آخر تحديث: 18:01 (بيروت)

انتخابات الكونغرس محميّة؟ نكتة! إسألوا زومبيّات الـ"بوت نتس"

الجمعة 2018/08/31
انتخابات الكونغرس محميّة؟ نكتة! إسألوا زومبيّات الـ"بوت نتس"
الروس يواصلون بدأب مسح الشبكات والحواسيب الرئيسية في أميركا سعياً لاكتشاف ثغرات رقمية تسمح بتدخلهم فيها
increase حجم الخط decrease
تروّج شركات الـ"سوشال ميديا" الأميركيّة أنها تحمي انتخابات الكونغرس المقبلة، لكن وقائع كثيرة تعاند تلك المزاعم. 

لا أقل من الإشارة الى التناقض الكبير بين التصريحات التي تكاد لا تتوقف عن قدرة شركات المعلوماتية والاتصالات المتطورة في "وادي السيليكون"، على حماية الانتخابات النصفية للكونغرس في الخريف المقبل؛ وبين وقائع الفضائح المتتالية التي بيّنت مدى القصور المذهل لتلك الشركات في حماية بيانات الجمهور، إضافة إلى السجل "الذهبي" لعدم صمودها أمام الضربات الالكترونية، خصوصاً تلك التي تستغل شبكات "بوت نتس" Botnets. 

يزيد في التراجيكو- كوميديا في تلك الصورة أنّ الاعلانات الأخيرة التي صدرت عن تلك الشركات العملاقة، تحدثت عن إغلاقها مئات الحسابات التي يعتقد أن "هاكرز" روس وإيرانيون يستطعيون استخدامها في التلاعب بالرأي العام الأميركي، على غرار ما يفترض أنه حصل في "التدخل الروسي" الإلكتروني الشهير في الانتخابات الرئاسية الأميركية في 2016.

مئات الحسابات؟ ربما يكفي العدد كي ينفسّ الرئيس الشعبوي دونالد ترامب عن أزماته التي يتصدرها "التدخل الروسي" بامتياز، إضافة إلى حربه الضروس مع الصحافة وقنوات التلفزة الإخبارية المرجعية. في المقابل، هل يضمن وقف بضع مئات الحسابات فعليّاً لضمان عدم استخدام الـ"سوشال ميديا" للتأثير في الرأي العام في بلد يصل عدد جمهور مواقع التواصل الاجتماعي الرقمي إلى ما يزيد على 90% من سكانه (قرابة 350 مليوناً)؟ لا يتعلق الأمر بالديمقراطية والحرية، لأن موازينهما تفرض الاحتجاج على مصادرة الرأي، حتى لو كانت الأرقام أقل، بل أن الميزان الأساسي فيها هو ضرب حرية التعبير كحق ديمقراطي للمواطن الفرد.

هشاشة الأكثر تقدماً وتطوّراً

كيف يكون ذلك الأمر إذا نُظِرَ إليه من زاوية القدرة على التأثير على الشبكات الرقمية في بلد كأميركا؟ إذ يشكو معظم الخبراء الاستراتيجيين من أنه البلد الأشد انكشافاً أمام الضربات الإلكترونية، ببساطة لأنه الأكثف استخداماً للشبكات الرقمية والكومبيوترات وكل أنواع الأجهزة المتصلة بالانترنت وشبكات الاتصالات بأنواعها كلها! وأفردت مجلة "فورين بوليسي"، بحثاً مطولاً عن تلك الهشاشة الأميركية الشبكية، في عددها لخريف العام 2017.
والطريف أن ذلك البحث حلل مجموعة من وقائع الهشاشة الاستراتيجية للبنية التحتية الإلكترونية الأميركية؛ ظهرت أثناء "التدخل الروسي" في انتخابات الرئاسة للعام 2016. ووثق البحث إن الضربات الروسية لم تقتصر على اقتحام المواقع الالكترونية للحزبين الديمقراطي والجمهوري، والخوادم الرقمية للجنة المركزية لإدارة الانتخابات في الحزب الديمقراطي، بل شملت توجيه ضربات إلكترونية مباشرة إلى شبكات التصويت الفعلية للانتخابات.

آنذاك، فكرت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما في توجيه رد عسكري مباشر ضد روسيا، يشمل نشر صواريخ وإرسال غواصات ذريّة وحاملات طائرات إلى بولندا وبلدان في بحر البلطيق [إضافة إلى الرد بالوسائل الالكترونيّةٍ]، لكن رئيس الأغلبية الجمهورية في الكونغرس أبلغ أوباما أنه يعتبر التصرف تجاه روسيا باعتبارها متدخلة في الانتخابات الرئاسية، عملاً حزبياً وليس وطنياً، وتالياً لن يجد من يؤيده في الكونغرس.

وقبل أيام، صدرت دراسة صدرت عن "معهد ماساشوستس للتقنية"، أحد المراكز العلمية المتألقة أميركياً وعالمياً، أوردت أن "وزارة الأمن الوطني" وثّقت دخولاً إلكترونيّاً روسياً على نُظُم التصويت في 21 ولاية أميركية في الشهور التي سبقت الانتخابات الرئاسيّة في 2016.

وفي ظل النقاش الأميركي الحاد سياسياً على "التدخل الروسي"، وبانتظار ربما ضربة تاريخية تأتي من التحقيق الذي يقوده المحقق الخاص روبرت مولر، تتوالى تصريحات مسؤولين أمنيين أميركيين أن الروس يواصلون بدأب مسح الشبكات والحواسيب الرئيسية في أميركا سعياً لاكتشاف ثغرات رقمية تسمح بتدخلهم فيها. ويلفتوا إلى أن أجزاء كبيرة من البنية التحتية الالكترونية التي تستند إليها الانتخابات المقبلة، تعود إلى ما قبل انطلاقة الـ"آي فون" في 2007.

وأشارت دراسة "معهد ماساشوستس" إلى أن تقويض انتخابات الخريف المقبل تكفيه أربع ضربات يحتمل أن يوجهها الـ"هاكرز". وباختصار، هناك أربع نقاط ضعف وهشاشة يمكن توجيه ضربات إلكترونية إليها، يأتي في مقدمتها  النُظُم الإلكترونية المستعملة في تسجيل المواطنين الراغبين في التصويت. ووفق دراسة لمركز في "جامعة نيويورك"، تستعمل 41 ولاية نُظُماً إلكترونيّة ترجع إلى عقد مضى، ما يعني إمكان انكشافها تماماً.

وينطبق وصف مماثل على  دفاتر التدقيق في هويّات من يصلون إلى أقلام الاقتراع التي تستخدم برامج تجارية يتقن الـ"هاكرز" جيداً سُبُل اختراقها وتعطيلها. وكذا الحال بالنسبة لآلات الفرز المباشر للأصوات وعدّها إلكترونيّاً تشكل هدفاً أساسيّاً للـ"هاكرز"، خصوصاً أن قلّة منها توثّق النتائج على الورق أيضاً، بل أن ذلك حدث في انتخابات الرئاسة الأوكرانية في 2014، على رغم أنه لم يؤثر على نتيجتها. وأخيراً، هناك الشبكات التي تربط آلات فرز الأصوات وعدّها مع الآلات المركزية المختصة بذلك، وتعتمد كثير من تلك الشبكات على نظم تشغيل تجاريّة. وفي ضربات سابقة، استطاع الـ"هاكرز" اختراق تلك النُظُم الالكترونيّة وتخريبها. 

كومبيوتر- زومبي

الأرجح أن تلك النقاط تذكر بضربتي الفيروسين الإلكترونيين "وانا كراي" وبيتيّا"/ "نوت بيتيّا" Petya/Not Petya التي استخدم فيها الـ"هاكرز" ثغرات في نظام التشغيل الأكثر انتشاراً في العالم [هو "ويندوز" بالطبع]، ونشروا عبره برامج إلكترونية خبيثة عُرفت بإسم "فيروسات الفدية" التي تبتز أصحاب الكومبيوترات التي تصيبها. 

ويزيد تذكر الضربتين في السخرية من تصريحات الشركات عن حماية الانتخابات الأميركية، لأنهما توالتا بين أواخر حزيران 2017 ومنتصف تموز من العام نفسه. وفي كل مرّة، جرى تأكيد القدرة على تجنّب الضربة التالية! ونضحك أكثر عند تذكر أن  خبراء وحدة الاستخبارات في شركة "سيسكو تالوس" أكدوا أن الفيروس الثاني [بيتيّا" أو "نوت بيتيّا"] يشمل مكوّناً إلكترونيّاً متطوّراً هو "مي دوك" MeDoc هو نسخة متطوّرة من الفيروس الإلكتروني للضربة الأولى ["واناكراي"]. ويزيد الضحك المأساوي أن الفيروسين الإلكترونيين تشاركا في الاستفادة من ثغرة "إيترنال بلو" [في نظام "ويندوز"]، وهي التي تسربت شيفرتها من "وكالة الأمن القومي" الأميركيّة التي اكتشفتها ولم تبلغ "مايكروسوفت" عنها، بل احتفظت بها على أمل أن تكون سلاحاً لها، فوصلت إلى مجموعة قراصنة "شادو برودكاست"، فانقلبت سلاحاً ضرب العالم بأسره!

وكذلك تشارك الفيروسان نفسيهما مع مجموعة كبيرة من الفيروسات الإلكترونية المشابهة، في الاستفادة من تقنية "بوت نتس" Botnets. ويشير المصطلح إلى شبكات الكومبيوتر التي يقتحمها الـ"هاكرز" ثم يسيطرون على الحواسيب المرتبطة بها. وبعدها، تصبح كأنها "زومبي" ميت- حي، لأن الـ"هاكرز" يستطيعون التحكم في إيقافها وتشغيلها واستعمال برامجها ومعلوماتها وملفاتها، من دون أن يقدر أصحاب تلك الكومبيوترات على فعل شيء تجاههم! أبعد من ذلك، من المستطاع استخدام الحواسيب- الزومبيات المسيطر عليها، لشن ضربات اخرى كـ"هجمات شلّ الخدمة" المشهورة باسميها المختصرين "دوس" و"دي دوس".  

تصاعد وجود الـ"بوت نتس" منذ مطلع القرن 21. وسجّل العام 2000 بداية ضربات يخترق فيها الـ"هاكرز" مجموعات من الحواسيب، ويخضعوها لسيطرتهم، بل يستخدمون قدراتها في توجيه ضربات اخرى. ببساطة، عمدوا إلى استخدام الحواسيب- الزومبيات ("بوت نتس")، ثم سكبوا محتوياتها الغزيرة دفعة واحدة على موقع ما، فيصبح مشلولاً بسبب عدم قدرته على التعامل مع تلك الفيوض من المعلومات والبيانات، فتتوقف خدماته كلها. وتصف الكلمات السابقة معنى مصطلح "هجمات شلّ الخدمة".

ويرى أحد الخبراء الأميركيّين في "جبهة الحقوق الإلكترونيّة للمواطن" وهي من الهيئات المدنية النشطة في الولايات المتحدة، أنّ مخاطر الـ"بوت نتس" تتضاعف في "إنترنت الأشياء"، إذ يضع في يد الـ"هاكرز" أعداداً هائلة من الأجهزة- الزومبيات يمكن تسخيرها في صنع شبكات فائقة الضخامة من الـ"بوت نتس". واستند رأيه إلى تحليل ضربة وُجّهت في خريف العام 2016 تضمّنت صنع شبكة "بوت نتس" قوامها مائة ألف جهاز متّصل بالإنترنت، استطاع الـ"هاكرز" الاستيلاء عليها وتطويعها واستعمالها في توجيه الضربة.

ولم يكن أمراً صعباً، لأن تلك الأجهزة كانت مرتبطة بـ"إنترنت الأشياء" عبر شركة "داين" Dyn العملاقة لتقديم خدمة الوصول إلى الشبكة. وآنذاك، استهدفت الضربة موقعين ضخمين وأساسيّين هما "تويتر" و"نتفلكس"، ولم يتحمّلاها، بل توقفت خدماتهما واختفيا عن الإنترنت لبعض الوقت! وفي ملمح يذكّر بضربة "وانا كراي"، لم يكلف الأمر المهاجمين آنذاك سوى شراء برنامج إسمه "ميراي" من تجار البرامج الخبيثة على الإنترنت!

في ظل تلك المعطيات، وهي مجرد غيض من فيض، كيف يمكن الاستماع إلى تصريحات عن الحماية الالكترونية للانتخابات الكونغرس المقبل عبر إلغاء بضعة حسابات على الـ"سوشال ميديا"؟ ألا يرسم ذلك وجهاً عليه ضحكة ودمعة؟ لننتظر ولنر.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها