الأربعاء 2018/08/29

آخر تحديث: 19:53 (بيروت)

طوني أبو جودة..أدخله النظام السوري وأخرجه الموالون!

الأربعاء 2018/08/29
طوني أبو جودة..أدخله النظام السوري وأخرجه الموالون!
increase حجم الخط decrease
موقف نقابة الفنانين السوريين الذي عبّر عنه رئيسها، زهير رمضان، من خلال عدم وجود أي اعتراض على دخول الممثلين هشام حداد وطوني أو جودة إلى سوريا، لتقديم عمل مسرحي على أراضيها، جاء التعليل له باعتبار أن أياً من الشخصين لم يأتيا بأي إساءة للدولة السورية.  


الترحيب المنطلق من هذا الأساس الذي اشترطه رمضان، وهو المعروف بقربه من الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري والتنسيق معها، وبمواقفه المتطرفة ضدّ أي فنان أبرز تعاطفه أو تأييده للثورة أو سبق أن اتخذ موقفاً من جرائم النظام، بدا للوهلة الاولى وكأنه مؤشر على أن النظام السوري مستعد لإبداء بعض التسامح وغضّ الطرف، من خلال سماحه بوجود شخصيات تتخذ من الكوميديا الساخرة والنقدية هوية طبعت عملها الفني والاعلامي طوال سنوات. الأمر الذي قد يتلقفه بعض المتفائلين بأنّ هناك تغيير ما في ذهنية النظام في هذه الفترة، التي بدا أنه اقترب فيها من استعادة زمام الأمور في سوريا، وأنه يبدي قدراً من المرونة قد تساهم في تشجيع المترددين في القدوم إلى سوريا، مواطنين كانوا أو جيران عرب أو سوّاح أو رجال أعمال أو أصحاب رساميل.

لكنّ هذا الإنطباع سرعان ما ذهب أدراج الرياح، عقب اعتراض عدد كبير من موالي النظام على مشاركة طوني أبو جودة في العرض الكوميدي، الذي سبق أن حدد موعده يوم 31 آب/أغسطس الجاري، باعتبار أنه لا ينطبق عليه شرط زهير رمضان، كونه سبق وأن قام بتقليد الرئيس السوري بشار الأسد قبل عدة سنوات، بطريقة وصفت من قبلهم بـ"المهينة" و"المسيئة"، الأمر الذي دفعهم إلى المطالبة بمنعه من دخول البلاد، والدعوة للاعتداء عليه، وصولاً إلى تهديده بالقتل في حال وطأت قدماه الأراضي السورية.


وفي حين قرر أبو جودة عدم التعليق والتزام الصمت تجاه الهجوم والتهديد الذي تعرض له، انتشرت في مواقع التواصل صورة لإعلان جديد للعرض الكوميدي "لاف ستوري" يخلو من صورة أبو جودة واسمه، مع الابقاء على هشام حداد وجاد بو كرم وبونيتا سعادة، وذلك بالتزامن مع الحديث عن استبعاد أبو جودة من قبل الشركات المنظمة "سيرياتيل" و"فيوز إف إم"، المقربتين من النظام، كمبادرة منها على خلفية حملة الهجوم عليه، وتحت حجّة منعه من التعرض لأي خطرٍ أو إحراج.


نظام الأسد الذي يسعى إلى حشد الكثير من الطاقات ويبذل الجهود الكبيرة لاستقطاب أي حدث يساهم في إعادة إضفاء الشرعية عليه، بدا ظاهرياً بأنه يتلطى تحت مصطلحات المصالحة والمسامحة ورفع لوائها، وذلك منذ لحظة تسويقه ودعواته للتسويات والمصالحات على كامل الاراضي السورية، بعد أن أعلن العفو والغفران لكل التائبين الذين يرغبون بالعودة إلى حضنه، وبالانضواء تحت جناحه، متعهداً بضمان أمنهم وسلامتهم وحريتهم. لذا كان من البديهي أن تنسحب تلك الدعوات على الفن أيضاً، كونه واحداً من أهم وسائل التعبير عن التطبيع، ولقدرته على مدّ جسور التواصل بين مختلف الطبقات، باعتبار أن الفن في كثير من الأحيان يجمع ما لا تقدر السياسة عليه.

النظام الذي بدا مدركاً لأهمية الفن والفنانين، خصوصاً المدعوين من خارج سوريا، وقدرتهم على إرسال رسائل الطمأنينة والمساهمة في عكس قدرته على فرض استتباب الأمن وتغيير إبراز صورة سوريا التي اقترنت بالحرب والقتل إلى الغناء والفرح والسلام، لم يدخر جهداً في تشجيع إقامة الحفلات والعروض الفنية التي تكثفت بشكل مضاعف في الآونة الأخيرة في دمشق والمدن السورية التي يسيطر عليها النظام.

لذا فإنّ موقف زهير رمضان بداية بالسماح بدخول أبو جودة إلى سوريا ومشاركته بتقديم عرض كوميدي فيها، لا يمكن وضعه في سياق عدم التنبّه أو الخطأ أو الأمر العابر. إذ إنّ رمضان هو من أرباب واضعي لوائح ما يدعى "العار والخيانة" والمتنمّر المعروف بتنكليه المعنوي بالفنانين المعارضين، واتهامهم بالمشاركة بسفك دماء الشعب السوري، وهو الذي قام بفصل كثير من الفنانين من النقابة، مثل جمال سليمان ومكسيم خليل. كما أنه رفض السماح للفنانة سيرين عبد النور بالدخول إلى دمشق، العام الماضي، لإكمال تصوير مسلسل "قناديل العشاق"، رغم المفاوضات والوساطات التي استمرت أكثر من شهر، لمجرّد أنها قامت بزيارات لمخيمات اللاجئين السوريين في الأردن، رغم تأكيدها أن عملها لا يعدو عن كونه لفتة إنسانية، وبانها لم تقف يوماً على أي رأي سياسي مؤيّد أو معارض لأي جهة، الأمر الذي يجعلنا نتساءل هل هناك بالفعل جماعات وشرائح من مؤيدي النظام هم أكثر تطرفاً منه؟ وهل سيكون هؤلاء في حال وجودهم مزايدين عليه في تطرفهم ومغالاتهم؟ وهل من الممكن أن يصل بهم الأمر إلى رفض تسويات ومصالحات قد يتقبلها النظام ويرفضونها هم؟

ربما يكمن الجواب في أنّ هذه المواقف التي تطفو على السطح ليست إلا حماسة زائدة، تنتج عن عدم إدراك ما يعتبره النظام قرارات تعود عليه بالمصلحة والفائدة على المدى البعيد. إلا أنه يجدر التنبّه إلى أنّ أصوات متطرفة كانت قد زايدت على النظام في الماضي تُظهر عدم تقبلها العودة أو المسامحة حتى لو كانت تجري بتغطية من النظام، وهو الموقف الذي كان قد عبّر عنه أحد أبرز قادته العسكريين، عصام زهر الدين، الأمر الذي يعني بأنّ طريق المصالحة والوصول إلى اللحمة الوطنية السورية دونه حواجز وعقبات. إذ إن الموالين الذين لم يتقبلّوا ترحّم أمل عرفة، المعروفة بموالاتها ودفاعها المحموم عن النظام، على الفنانة الراحلة مي سكاف، لم يترددوا لحظة بتوبيخها وزجرها من منطلق "عدم جواز الترحّم على الخائن".

هذه الذهنية الرافضة لتقبّل الآخر لمجرد اختلاف رأيه وتخوينه لمطالبته بحريته، بل بإخراجه من الدين والملّة فقط لكونه أبدى معارضته للنظام، يستحيل الاعتماد عليها لإقامة مجتمع متوازن وسلمي. وإن كان أحد أبرز وجوه الداعشية، ادعاءها بامتلاك الحقيقة المطلقة، وبأحقيتها بالتكفير والقتل حرقاً وسبي الأطفال والنساء وإلغاء الآخر، فإنّ ما يظهره المتطرفون على المقلب الآخر يوازي هذه الداعشية، بل هم متهمون بأنها خرجت من لدنهم وقد تعود للخروج لاحقاً في أشكال أخرى.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها