كان هناك بانتظارهم، وبانتظاره...
اسمي مهند ويداي مكبلتان، لا أستطيع أن أبعد الذباب عن وجهي، وأمي كذلك، كانت تسهر الليل كي لا تلسعني بعوضة صغيرة وتمتص نقطة صغيرة من دمي، لكنها الآن عاجزة عن إيقافه. إنه يتسرب لرمال الصحراء، وأنا أتحول إلى صور...
كيف لا ننهار جميعاً كما انهار "نازي حطاب" في "أرض الكلام" رواية ممدوح عزام؟...
"قال لي وهو يبكي، إنه لم يعد يؤمن بشيء وإن الدنيا حوله صارت معطوبة وخاسرة.. ثم فتح أحد ألبوماته وبدأ يسرد مصير كل واحد، أو واحدة من صورهم".
وكأن "نازي" ذلك الجسد المسكون بالموت، هو الموت نفسه، يترصد بالكائنات، يختار لحظاتهم ويوثقها.
عوالم صغيرة مُدهشة في تكوينها، تتحول بكاملها إلى صور، تنساب أمامنا ولا نستطيع إيقافها. نحن عاجزون تماماً. مكبلون مثل يدي مهند، نواجه مصيرنا وحدنا في هذا العراء.
عوالم متكاملة ستغطي الزجاج الخلفي للسيارات، تنساب على الأبنية، على واجهات المتاجر، في صدر المضافات، في غرف النوم، في الحقائب وفي هواتفنا وذاكرتنا ومحفوظاتنا، في صحونا ونومنا. صور تسبح في فضائنا، نتقاسمها معاً، نبكي عليها، وبدلاً من تقاسم ثرواتنا، التي قرأنا عنها في كتب الجغرافيا، وربما سنسمع عنها في رحلة إعادة الإعمار، نتقاسم صورنا وحزننا وموتنا.
يقول رينيه ماغريت: "كل ما نراه يخفي شيئاً لا نراه".
صور السوريين لا تخفي شيئاً، وتخفي كل شيء. هي الموت مجرداً من أي فكرة، هي قصة السوريين منذ عقود، هي احتضار الإنسانية واهتراؤها، هي الصور التي لا تتسع لها الأمكنة ولا الوقت ولا الوطن.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها