الثلاثاء 2018/08/28

آخر تحديث: 19:15 (بيروت)

محمد صلاح يواجه الغرور الحكومي.. والديناصورات

الثلاثاء 2018/08/28
محمد صلاح يواجه الغرور الحكومي.. والديناصورات
كم هو مؤسف أن يضطر محمد صلاح للدفاع عن نفسه
increase حجم الخط decrease
ربما لم يكن ممكناً للخلاف بين محمد صلاح واتحاد كرة القدم المصري أن يكبر لولا الاستفزاز.
كتب محمد صلاح تغريدة قال فيها: "الطبيعي أن أي اتحاد كرة يسعى لحل مشاكل لاعبيه حتى يوفروا له الراحة، لكن في الحقيقة ما أراه عكس ذلك تماماً.. ليس من الطبيعي أن يتم تجاهل رسائلي ورسائل المحامي الخاص بي.. لا أدري لماذا كل هذا؟ أليس لديكم الوقت الكافي للرد علينا؟!"

واتحاد الكرة المصري، بديناصوراته القابضة على أنفاس الكرة منذ عقود، لا تتغير وجوهه إلا عبر لعبة كراسي موسيقية، تعلي أسماء وتخفي أسماء لبعض الوقت حتى يأتي الدور للتبادل. ذلك الاتحاد الكاريكاتيري الهزلي، وهو أحد أسباب فساد الكرة المصرية، أصدر "بيانا"، ردا على تغريدة صلاح، ثم كذبه.

البيان احتوى لغة استفزت الجماهير وأيقظت هاشتاغات #محمد_صلاح و#ادعم_محمد_صلاح. هذه اللغة الحكومية في حالتها التقريعية، تحاول "تحييد" موقفها تجاه مواطن يتبع خدمات الاتحاد، على اعتبار أن محمد صلاح هو "المدعو محمد صلاح" وأن غرضه هو "الشهرة" من وراء هذا الضجيج الذي يحتاج إلى ضبط وانضباط.

خرج البيان، فانفجرت مواقع التواصل الاجتماعي وبرامج المونولوغات المنفردة مستنفرة ضد اتحاد الكرة بشكل عنيف للغاية، لأن البيان في لغته الحكومية دل على مدى الاغترار بالسلطة في مداها المحلي، وقدرتها على إنهاء حيوات وتفجير مسارات بقرار أو بتشويه. لكنهم هذه المرة اصطدموا بمن لا سلطة فعلية لهم عليه، ولا قدرة لهم على إنهاء مسيرته، مع محمد صلاح، سواء على مستوى مهني وهو مرشح للقب أفضل لاعب في أوروبا ومرشح لـ"البالم دور"، وهداف الدوري الإنكليزي وأفضل لاعب في الدوري الإنكليزي، أو على مستوى جماهيري، وهو صاحب الشعبية الأكبر في مصر دون منافس أو منازع على ذلك. 

الاغترار الحكومي جعل من الاتحاد يتراجع، ويقول إن البيان مدسوس، ولم يصدر عن الاتحاد، ووضع في الواجهة اثنين من أعضاء الاتحاد، هما مجدي عبد الغني وخالد لطيف اللذين شغلا "تويتر" بضجيج وهجوم عنيف على محمد صلاح بمسميات "المدعو" و"المشاغب" وكل محاولات التحقير والتقليل الممكنة.

ثم لما انفجرت الأوضاع، تراجع لطيف، وادعى أن حسابه في تويتر لا يمت له بصلة. أما مجدي عبد الغني فقد كان أكثر صراحة، وهدم المعبد على أصحابه عندما كتب أن البيان صدر بأمر اتحاد الكرة كبالون اختبار لكنه انفجر في وجهه ووجه خالد لطيف وحدهما.

التفاصيل سخيفة ومخجلة، ولا تستحق التركيز عليها، لأنها تشبه كل ما يجري في مصر هذه الأيام، من انعدام الكفاءة والتخبط والاغترار الحكومي ثم محاولات اتهام الجميع دون المقصرين. وقد عرض الإعلامي محمد الباز التفاصيل كلها في فقرة خاصة في برنامجه، فيما حصره موقع مصراوي بالتغريدات والتعليقات المختلفة من الشخصيات العامة وغيرها.

المؤسف هو أن ذلك استدعى أن يخرج محمد صلاح بنفسه، في فيديو مباشر في فايسبوك، يشرح فيه ما حدث وأسباب الخلاف الذي تصاعد بينه وبين اتحاد الكرة. الاتحاد لعب على ورقة أن محمد صلاح تعالى وتكبّر على وطنه، وانطلقت اسطوانة الوطنية المصرية بكل عفونتها الخطابية تلقى على ألسنة أعضاء اتحاد الكرة والموالين له، ما دفع صلاح لأن يتكلم.

كم هو مؤسف أن تُحال مسيرة لاعب ذهبية، مثل التي يقدمها محمد صلاح، إلى معارك جانبية شديدة السخافة، على مطالب بديهية، كان من المفترض تنفيذها من دون طلب. وقد رأى العالم كله كيف تحول معسكر المنتخب في كأس العالم إلى سيرك كبير، حيث يحاول كل عضو من الاتحاد التكسب منه مادياً قدر المستطاع. وقد أضر المعسكر بسمعة صلاح الناصعة، بالاجتماع الذي فرضه عليه مع رئيس الشيشان رمضان قاديروف.

كم هو مؤسف أن يضطر محمد صلاح للدفاع عن نفسه. ولعل الإشارة المنحطة لجنسية محاميه ووكيله، هي واحدة من ألعاب الوطنية المصرية السخيفة في مسألة احترافية تماماً.

خرج الاتحاد وكذب بيانه الوضيع، وبدأ يتراجع عن حدته ضد محمد صلاح، لولا تغريدة تركي آل الشيخ التي أيد فيها الاتحاد ضد محمد صلاح، وهو ما عزز من نار الاستفزاز المصرية إلى آخرها ضد اتحاد الكرة.

لم تحل المشكلة إلى الآن، ولا يمكن التخمين لصالح من ستنتهي. فلا مشكلة في الدولة المصرية أن تغضب تماماً على محمد صلاح لأجل ماكينتها البيروقراطية العفنة. حتى وإن خرجت "فيفا" في حسابها الرسمي لتؤيد محمد صلاح. حتى وإن أيده العالم كله، فمصر منذ سنين طويلة ضد العالم، أو ما تعتقده أن العالم ضدها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها