الإثنين 2018/08/27

آخر تحديث: 18:55 (بيروت)

خدعة الحلة الجديدة في الإعلام السوري

الإثنين 2018/08/27
خدعة الحلة الجديدة في الإعلام السوري
تعيين عدد من خريجي كلية الشريعة ضمن كادر وزارة الاعلام لاغراض رقابية للمرة الاولى في تاريخ سوريا
increase حجم الخط decrease
بصور الدم والأشلاء والموت، كانت انطلاقة "التلفزيون السوري" الجديدة، والتي يتعامل معها الإعلام الرسمي على أنها بداية لمرحلة ما بعد الحرب في البلاد. فالبث الموحد، مساء الأحد، ركز على تقديم مستقبل الإعلام الرسمي انطلاقاً من ماضيه خلال السنوات السبع الماضية، كشريك للجيش السوري النظامي في خندق واحد، أو كجيش مواز يحمل الكاميرات، ولا يتورع عن استخدام الدبابات في الموقع الإعلامي نفسه.


الانطلاقة الجديدة على غير العادة، لم تبدأ بالنشيد العربي السوري، بل بمشاهد لإعلاميي القنوات الرسمية الذين أصيبوا أو قتلوا خلال التغطيات الحية. مع تكثيف على لقطات الدم والأشلاء المتناثرة، تمهيداً للقول إن الإعلام الرسمي يستحق الاهتمام العام واحترام المشاهد بسبب تلك الخسائر البشرية، بغض النظر عن مستوى المضمون خلال الحقبة الجديدة. ولا وعد بمضمون مغاير، سوى بميثاق اعلامي مكرر يزخر بالكليشيهات الدعائية السورية. 

ويحتار المشاهد عند بحثه عن الحداثة المفترضة، التي روجوا لها على أنها "صورة تقنية عالية الجودة"، مع اصطدامه بالوجوه القديمة نفسها والبرامج المكررة، في ظل غياب عناصر جديدة، باستثناء لوغو القنوات التي تغيرت نحو شعار الوردة الدمشقية، إضافة للإنجاز "التقني" المبهر، مع تحول البث الرسمي إلى الدقة العالية "HD"، في وقت باتت فيه تلك التقنية قديمة جداً ولا ترضي المشاهد العصري أصلاً.

ولا يمكن الشعور بخيبة الأمل هنا، لأن مزيج الخشبية والتصنع أمام الكاميرات، كان متوقعاً، في معادلة إعلامية يشكل فيها الجمهور عنصراً فائضاً عديم الأهمية. لكن أكثر ما يثير السخرية في الانطلاقة الجديدة، هو ميثاق الشرف الإعلامي الذي يظهر إعلاميين من محطات مختلفة (الفضائية السورية، الإخبارية السورية، سوريا دراما، التربوية السورية، سوريانا، نور الشام) وهم يكررون عباراته الفارغة، ويقسمون على الهواء بالحفاظ على مواثيق المهنة الأخلاقية وفق مسؤولية اجتماعية تراعي البنية الأسرية والدينية للمجتمع والابتعاد عن بث المواد التحريضية، وغيرها من العبارات المنمقة. علماً أن القَسَم نفسه ليس جديداً بل قدمته "الإخبارية السورية" بالطريقة نفسها العام 2015 عند إطلاق بثها الرسمي.

على أن التعهد ليس سوى مسرحية مباشرة أخرى تزيد من الملل الآتي مع الإعلام الرسمي. فالجمهور لا يبحث عن هذا النوع من الكلام المنمق والمصطنع بقدر ما يبحث عن تنفيذه، وهو ما يبدو بعيداً من آليات عمل المحطة الرسمية الغارقة في اصطناع الأحداث وتملق أجهزة الدولة السورية وتلميع صورة جيش النظام أمام الموالين له، خصوصاً أن التعهد نفسه يضم عبارات مثل "أعد بألا تغيب ذكرى شهدائنا. وأتعهد بإبقائها حاضرة دائماً. وأتعهد بالحفاظ على دستور البلاد والحفاظ على هيبة المؤسسة العسكرية وقدسية عقيدتها". وهو ما برز في سخرية كثيرة من طرف الموالين على التعهد عبر مواقع التواصل الاجتماعي.



وهنا، يكشف إعلام النظام عن الفوقية في نظرته للجمهور الذي يوصف ضمناً بأنه جاهل  ومتسرع وبأنه يحتاج للوعي. هذا الوعي يجب أن ينقل له عبر "الإعلام الوطني" قبل أن يحصل عليه من "الإعلام المغرض"، وبالتالي تصبح السرعة في النقل هي الفاصل في هذه المسألة، وكل هذه الأفكار مستمدة من نظريات إعلامية شمولية وسلطوية لا تمت بصلة للإعلام الحر في الدول الديموقراطية.

الحالة البصرية الجديدة، بالتأكيد لن تحل مشاكل الإعلام السوري الحقيقية التي يعانيها منذ عقود، مثل اللغة الخشبية والتوجيه المسبق وتحوله إلى إعلام يحاكي نفسه ويجتر خطابه لعدم وجود جمهور يتابعه أصلاً، إضافة للطبيعة المافياوية التي تسيطر عليه من الداخل والتي جعلته يحافظ على نوعية سيئة من الخطاب الرديء من دون مواكبة الزمن أو محاولة كسر الجمود، حيث تحل العلاقات الشخصية مكان الكفاءات المهنية في تحصيل الوظائف والحفاظ عليها، فضلاً عن مشاكل التأخير في نشر المعلومات والتعتيم الإعلامي والشخصانية التي يتم بها التحرير والتوصيف، واستغباء الجمهور ومعاملته كمتلق يجب عليه تقبل ما يملى عليه كـ"واجب وطني".

وهكذا لا يحاول الإعلام الرسمي تطوير نفسه، بل على العكس، يكرس كل أخطائه المتكررة عبر العقود، ويقدمها كقالب جاهز للعمل الإعلامي في البلاد بصيغة "ميثاق الشرف"، وبالتالي يصبح أي خروج عن آلية الإعلام الموالي للسلطة إرهاباً وتحريضاً وخيانة للدولة بصورتها القائمة.

ولعل الأخطر من ذلك هو تكريس مفاهيم الحياة "النبيلة" دينياً ومجتمعياً، كما يظهر في التعهد من جهة، وفي الدور الرقابي الجديد الذي باتت تمارسه وزارة الأوقاف السورية في عمل الإعلام السوري بالتعاون مع وزارة الإعلام، والتي ظهرت أخيراً بتعيين عدد من خريجي كلية الشريعة ضمن كادر وزارة الاعلام لاغراض رقابية، للمرة الاولى في تاريخ سوريا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها