الأربعاء 2018/08/22

آخر تحديث: 14:31 (بيروت)

إنترنت السيسي: السجن للجميع!

الأربعاء 2018/08/22
إنترنت السيسي: السجن للجميع!
فريق عمل "مدى مصر" (غيتي)
increase حجم الخط decrease
قبل أكثر من سنة، انطلقت الموجة الأولى لحجب المواقع الإلكترونية في مصر. حينها استيقظ مستخدمو الإنترنت على أنباء حجب أكثر من أربعين موقعاً إلكترونياً، تزايد عددهم بعد ذلك حتى تجاوز 400 موقع، ثم سئم الجميع من إحصاء وعدّ المواقع المحجوبة التي تنوعت بين مواقع إخبارية وثقافية إلى تقنية ودينية وسياسية، وصولاً إلى الجندرية والمهتمة بالثقافة الجنسية. كما تعددت هويات المواقع المحجوبة، من مواقع مصرية لأخرى عربية، وأميركية وعالمية.


بعض هذه المواقع مثل "مدى مصر" لجأ إلى المسار القانوني المتوافر، خصوصاً أن أوضاعهم القانونية متماشية مع القوانين المصرية. وخلال أكثر من عام من الدوران في المحاكم، لم يتم الفصل في القضية التى رفعها موقع "مدى مصر". ففي البداية اختصم الموقع مع الجهاز القومي للاتصالات بصفته المسؤول عن الإنترنت في مصر، وأمام محكمة القضاء الإداري أنكر ممثل الجهاز القومي للاتصالات مسؤوليته عن الحجب، وقال أن الحجب جاء من جهة "سيادية" لم يسمِّها، ولم تنجح محكمة القضاء الإداري في الوصول إليها. وحينما تم حجب موقع "المدن" مؤخراً في مصر، لم يمكن الوصول لمعرفة أسباب الحجب، أو حتى المسؤول عنه.

طوال ذلك الوقت، كانت المواقع المحجوبة تقف في مواجهة شبح لا يمكن الإمساك به، لكن توقيع الرئيس عبد الفتاح السيسي على قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية قبل أيام، أسقط القناع عن ذلك الشبح. ويمكن الآن لكافة المواقع المحجوبة، مواجهته في ساحة المحاكم، حتى لو خسروا تلك المعركة. فربما، بتوالي المعارك، يصبح في الإمكان يوماً، الالتفاف على سلطة ذلك الشبح وتجاوزها.

وينص قانون الانترنت الجديد على أن حجب المواقع يتم في حالات محددة وبموجب قرارات صادرة من جهات محددة، وهى جهات التحقيق أو "النيابة". كما يضع القانون للمتضرر من الحجب، المسار الذي يمكنه أن يتحرك فيه، حيث نص القانون: "لكل من صدر ضده أمر قضائي من المنصوص عليه بالمادة 7 من هذا القانون، وللنيابة العامة، ولجهة التحقيق المختصة، ولكل ذوي الشأن، أن يتظلم منه، أو من إجراءات تنفيذه، أمام محكمة الجنايات المختصة بعد انقضاء 7 أيام من تاريخ صدور الأمر أو من تاريخ تنفيذه بحسب الأحوال، فإذا رُفض تظلمه فله أن يتقدم بتظلم جديد كلما انقضت 3 أشهر من تاريخ الحكم برفض التظلم".

والحال أن هذه هي النقطة الوحيدة المضيئة في القانون. أما الباقي، فظلمات فوقها ظلمات. حيث يعكس القانون أولاً الانحدار المستمر في مستوى النخبة القانونية والتشريعية المصرية. فمنذ التسعينيات جرت عملية إبعاد منظمة للخبرات القانونية من دوائر التشريع والحكومة، واستبدالها بمستشارين أتوا من كلية الشرطة أو على صلات قرابة بضباط في الشرطة والجيش. حتى وصلت مصر لنقطة أن قانوناً مهماً مثل قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، يتم نسخه من قانون إحدى الدول الخليجية ذات القبضة الأمنية العاتية. وبعدما كان رجال القانون المصري هم من يكتبون القوانين الخليجية، وبعدما كان القانون المصري هو المرجع للقوانين الخليجية، أصبح المشرِّع المصري يكتفي بدخول البوابة القانونية لحكومة خليجية لينسخ القوانين مع استبدال الغرامات بالدرهم إلى الجنيه المصري.

التعريفات الموضوعة في مقدمة القانون منقولة نصاً من قانون الجرائم الإلكترونية الخليجي وتعديلاته اللاحقة. حتى أن الزميل الصحافي، محمد بصل، المتخصص في الشؤون القضائية، رصد كيف احتوى القانون للمرة الأولى على تلك الجملة الغريبة "المبادئ والقيم الأسرية في المجتمع المصري" وهى الجملة التي لا تتواجد في أي قانون مصري باستثناء قانون العيب الذي اصدره الرئيس السابق أنور السادات العام 1980 ونص على "الحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة المصرية وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد"، قبل أن يلغيه الرئيس حسني مبارك.

لكن تلك العبارة تعود لتظهر في قانون إنترنت السيسي، في المادة 25 التى تنص على "الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تتجاوز مئة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصري"، وهي المادة المنقولة من المادة 16 من قانون مكافحة جرائم التقنية لدولة خليجية.

إلى ذلك، يتوسع القانون المصري في عقوبات الحبس لتطاول الجميع، ولا يكتفي بعقاب المُدان بارتكاب الجريمة، بل يعاقب أيضاً الجهات التى تزوده بالإنترنت، والجهات التى تزوده بالأنظمة. بمعنى أنه إذا ارتكب المُدان جريمته، من خلال موقع مثل "فايسبوك"، فالعقوبة يمكن أن تطاول موقع "فايسبوك". كما يجيز القانون، في تطور تشريعي غير مسبوق، محاسبة ومعاقبة غير المصريين إذا ارتكبوا مخالفات، حتى لو لم تكن مُجرَّمة في قوانين بلدانهم. فطبقاً للمادة الثالثة من القانون: "تسري أحكام هذا القانون على كل من ارتكب خارج جمهورية مصر العربية من غير المصريين جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون"!

يتوسع القانون في عقوبة الحبس على جرائم بسيطة، ولا يمكن اعتبارها جرائم أصلاً، مثلاً السطو على وصلة "الواي فاي" لجارك، أو وصلة "الدش" الخاص به، فالعقوبة هى الحبس لمدة لا تقل عن ثلاثة شهور. أما عجيبة العجائب في القانون، فهى العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن ستة شهور إذا "أرسلت بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين من دون موافقته". إذاً، عليك الحذر، إذا هجرتك صديقتك من مطاردتها برسائل الاعتذار وإيميلات الحنين!

أما السابقة الجديدة في القانون، فهى الاعتراف بحرمة الحياة الخاصة لمستخدمي الإنترنت ومعلوماتهم الخاصة. فخلال السنوات الماضية، حققت شركات المحمول، أرباحاً بالملايين من بيع كافة المعلومات التى تمتلكها عن مشتركيها لشركات الدعاية والإعلان. وحتى الآن، يعاني المصريون رسائل الشركة الألمانية لإبادة الحشرات، ورسائل الترويج التجاري التى تقتحم حياتهم وتطاردهم. فنص القانون، للمرة الأولى، على عقوبة السجن لكل من "منح بيانات إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات من دون موافقته أو بالقيام بالنشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو باحدى وسائل تقنية المعلومات".

القانون بالتأكيد هو اللبنة الأولى، وستتبعه قوانين مكمِّلة. إذ لم يشر القانون إلى جرائم انتهاك حقوق الملكية الفكرية والقرصنة عبر الإنترنت، ولم يتوسع لينظِّم عمل شبكات الاتصالات الداخلية. النقطة الوحيدة الايجابية أنه ينقل مسؤولية الحجب والعقاب من أشباح الجهات السيادية إلي جهات قضائية محددة. أما بقيته فتعكس الوضع العام في مصر، أي تبعية كاملة للخليج وصلت إلى نسخ قوانين الدول الخليجية، إضافة إلى قبضة أمنية لا ترى وسيلة لتنظيم المجالات الاجتماعية والاقتصادية.. إلا بالحبس.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها