الثلاثاء 2018/08/21

آخر تحديث: 15:10 (بيروت)

الأسد يصلي في دمشق.. نهاية سنوات التشظي!

الثلاثاء 2018/08/21
الأسد يصلي في دمشق.. نهاية سنوات التشظي!
increase حجم الخط decrease
باختياره العاصمة دمشق لأداء صلاة عيد الأضحى، الثلاثاء، يحاول رئيس النظام السوري بشار الأسد إعلان نهاية سنوات التشظي السوري بعد سنوات من الحرب، والعودة إلى مركزية الدولة الأسدية التي بقيت متماسكة، بفضل الحكم البوليسي، لعدة عقود قبل أن تهزها الثورة السورية العام 2011 قبل تحولها إلى حركة مسلحة فصلت أجزاء واسعة من البلاد عن الحكم المركزي في العاصمة.


وهذه هي المرة الأولى منذ العام 2015، التي يختار فيها الأسد العاصمة دمشق لحدث مماثل. ففي السنوات السابقة، كانت صلاة العيد مناسبة "وطنية" للاحتفال بانتصارات النظام في مناطق مختلفة، كصلاته في قارة، في ريف دمشق، العام الماضي، بعد معركة القلمون، أو كانت إرضاء لجمهوره الداخلي في بيئاته المحلية، كصلاته في طرطوس في عيد الفطر الماضي، في وقت كانت فيه البيئة العلوية تحديداً غاضبة من ملفات مثل المفقودين وتراكم أعداد القتلى في صفوف جيش النظام.

وكان لافتاً، هذا العام، أن الأسد لم يختر درعا لأداء صلاته، بعدما استرجع النظام سيطرته عليها مؤخراً بعد معارك دموية، بدعم من حليفيه الروسي والإيراني، كما هو معتاد في سياق الحرب السورية الطويلة. ولا يعني ذلك تهميشاً لمدينة اعتبرت طوال سنوات مهداً للثورة السورية التي انطلقت من المدينة الجنوبية العام 2011، لأن ظهور الأسد في درعا كان ليشكل لحظة رمزية هائلة لبروباغندا النظام وخطابه الدبلوماسي. بل هو رؤية أشمل و"أكثر تفاؤلاً" من طرف النظام، "الحالم" باستعادة سيطرته الكاملة على البلاد، كما كان الحال في "الماضي الجميل" قبل الربيع العربي.

الرؤية الرسمية لها مبرراتها بعد سيطرة النظام على مناطق واسعة كانت خارج سيطرته مؤخراً، وتحديداً بعد معركة حلب العام 2016، وصولاً لمعارك الغوطة الشرقية والجنوب السوري، وانحسار مناطق المعارضة الإسلامية بمحافظة إدلب شمال البلاد فقط، والقضاء على تنظيم "داعش" بصورته كدولة مارقة أسقطت الحدود في الشرق الأوسط للمرة الأولى منذ اتفاقية سايكس بيكو قبل أكثر من 100 عام، فضلاً عن مفاوضاته الأخيرة مع قوات سوريا الديموقراطية الكردية، التي تسيطر على مناطق واسعة شرقي البلاد، تمهيداً لإعادة سيطرة النظام عليها في وقت لاحق، على ما يبدو.

ورغم ذلك، تبقى الرؤية الرسمية حالمة وقاصرة. فسوريا التي كانت موجودة قبل العام 2011 انتهت تقنياً، مع تحول البلاد إلى كانتونات ومناطق نفوذ تحكمها قوى أجنبية. فما لا يقل عن ثلث سوريا ما زال خارج سيطرة النظام، بحسب تقارير غربية، وهذه المناطق تسيطر عليها القوات التركية والأميركية، إذ نشرت تركيا جنوداً في الشمال الغربي، وفي أجزاء من حلب، وهناك حوالي 2000 من القوات الخاصة الأميركية تسيطر على المنطقة الشمالية الشرقية، لدعم حلفائهم الأكراد الذين يقاتلون "داعش"، من دون الحديث عن الميليشيات الإيرانية والقوات الروسية التي باتت ذات نفوذ هائل داخل النظام نفسه وخارجه. وتشكل هذه القوات المتقاربة وذات الأهداف المتباينة خطراً يهدد بإشعال صراع أوسع في سوريا والمنطقة عموماً.

والحال أن سوريا تسير نحو التقسيم الفعلي مع استمرار النزاع والسياسة الراكدة التي يطلق عليها خبراء تسمية "النزاع المتجمد"، التي ينتهجها حليف الأسد الأول، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ويمكن تلمس ذلك سابقاً في نزاعات روسيا السابقة في أوكرانيا وجورجيا ومناطق أخرى. خصوصاً أن أهداف موسكو قد لا تتقاطع مع أهداف النظام أو أهداف طهران. فصحيح أن القوات الجوية الروسية دعمت النظام لاستعادة درعا، لكنها لم تدعم عملية كان يجري التحضير لها في إدلب وكذلك لا تبدو موسكو متحمسة لمواجهة الولايات المتحدة وحلفائها الذين يسيطرون على نسبة 30% من أراضي سوريا الواقعة شرقي نهر الفرات. فضلاً عن ملفات سابقة مثل الوجود الإيراني قرب الحدود الإسرائيلية أو تراجع موسكو عن تزويد النظام بمنظومة الدفاع الصاروخي "إس- 300".

في ظل ذلك يبرز مجدداً التساؤل إن كان لدى النظام استراتيجية أو خطة لإعادة توحيد البلاد أم لا، بدلاً من الفجوة الواسعة بين النوايا التي يلوح بها في فعاليات مثل صلاة العيد، وقدراته العملية لتحقيق تلك الرغبة في الحفاظ على سوريا موحدة. مع التسليم بأن عملية المصالحة التي يقوم بها النظام في مناطق المعارضة من أجل "العودة إلى حضن الوطن" ليست أكثر من بيانات استسلام وإخضاع، ولا يمكن أن تقود إلى حل سياسي شامل في البلاد حيث يستخدمها النظام لإيصال الثورة السورية إلى نقطة اللا شيء.

بالتالي فإن النوايا الروسية، لا السورية، هي التي تشكل العامل الحاسم في المسألة، وقد تكون موسكو هنا حققت كل أهدافها بإنشاء قواعد في اللاذقية وبقاء حلفائها في دمشق على رأس النظام وأثبتت فعالية أسلحتها وضمنت أنه لا توجد عملية دبلوماسية لحل الأزمة السورية من دونها. وهذه الدبلوماسية الناشئة في الأستانة تظهر أن موسكو تهدف إلى تجميد الصراع ثم القيام بعملية سياسية مستمرة طويلة وقد لا تنتهي، أما تشكيها مناطق تخفيف التصعيد فإشارة إلى انها لا تمانع احتفاظ المعارضين بمساحات واسعة من البلاد ضمن حيز تقسيم يتم الاتفاق عليه.

وهكذا، فإن نظام الأسد بعد ثماني سنوات من الحرب، ضمن بقاءه فقط لكنه لم ينتصر في الحرب تماماً، بل أصبح مجرد واجهة تفتقر إلى استراتيجية لتوحيد البلاد، وإن كان القضاء على تنظيم "داعش" وشيكاً، إلا أن عودته من الظلال والمناطق النائية التي تحول فيها من تنظيم نجح في إقامة "حلم الخلافة" إلى مجرد عصابة إرهابية مشتتة، من دول حل سياسي حقيقي وجذري ينهي أسباب ذلك التطرف من الأساس.

ومع استمرار هذه العملية الدبلوماسية إلى الأبد فإن الروس سوف يحافظون على وجودهم ونفوذهم في دمشق، كما أن الفجوة بين خطاب النظام وأفعاله ستزداد أكثر من أي وقت مضى، وسيسير الأكراد في تناغم خاص مع أمنيات انفصالهم القديمة لتأسيس كردستان، ولو بشكل إقليم يتمتع بالحكم الذاتي بالتنسيق مع النظام، وفي الوقت نفسه تبقى الحقيقة الصارخة بأن الدولة التي عرفت في يوم ما باسم سوريا توقفت بالفعل عن الوجود.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها