الإثنين 2018/08/20

آخر تحديث: 17:52 (بيروت)

الروس يتحدّون نظام الإنكار

الإثنين 2018/08/20
increase حجم الخط decrease
لا تشابه في المضمون السياسي بين الجولات الاعلامية التي نظمتها حكومة النظام السوري خلال الاعوام السابقة، وبين الجولة الاخيرة التي نظمها الجيش الروسي. في الأولى، إنكار الأزمة أمسك بالصورة، وبرسائلها. أما في الأخيرة، فإن "المصالحات" ظللت الصورة، وأحكمت مضمونها، لتقول ان ما تحقق لا يصنف طرفي النزاع في خانة الغالب أو المغلوب. الطرفان استويا في موقع واحد، وهو الرضوخ لـ"مصالحات" رسمتها موسكو. 
تحمل الصور الكثير من علامات الحرب ودلائلها، ولا تحمل أي رسالة تفيد بهزيمة لطرف، أو انتصار لآخر. لم يُفاجأ الاعلام الغربي بما تحقق. هو على اطلاع بحيثيات المشهد المركب من جزئين: دمار الحرب التي خرج منها الطرفان خاسرين، وانحسار رائحة البارود. 

الصورة، إذن، تدحض ما نقلته وسائل اعلام نظام الأسد، إبان السيطرة على مواقع سلّمتها فصائل المعارضة قبل إخلائها. لا تقول إنها هزمت. تقول انها خضعت لتسوية فرضتها موسكو. وهو واقع لم تتجاهله وسائل الاعلام المشاركة، رغم أن بعضها لم يتبنّه. بعضهم نسب القول الى الجيش الروسي، للنفاذ من مسؤولية تبني الرواية، رغم إدراكه أن ما تحقق، لم يكن سوى بمسعى روسي. 

وعليه، فإن موسكو لا تدحض رواية النظام فحسب، بل تنافسه على "الانجاز". كل منهما ينظر الى الانجاز بعين مختلفة، ومن زاوية مختلفة. النظام يريده انتصاراً لآلة الحرب على الارهاب. وروسيا تريده مصالحة، ما انفكت تروج لها منذ العام 2016، إثر الاعلان عن انشاء مركز المصالحة في حميميم الذي لم يعلن السيطرة على قرى وبلدات، باستثناء تلك التي كانت تحت سطوة "داعش". بل واظب الإعلان عن انضمامها الى "المصالحة"، تحضيراً لمرحلة ما بعد الحرب، واستعداداً لعودة نازحين، وتكريساً لمفهوم "لا غالب ولا مغلوب". 

تجول كاميرا "بي بي سي" ضمن الوفد الإعلامي، في مواقع عديدة، وتظهر عودة الحياة اليها. في ريف دمشق، مصانع تعمل. وفي حمص، لم يتورع المراسل عن اظهار مآسي الحرب، بالايحاء بأن الحرب عاثت خراباً فيها، ولم يخلُ منزل من آثار القذائف والصواريخ. أما في ريفها، فالجيش الروسي يوزع المساعدات... تتنقل الكاميرا بسرعة بين مكان وآخر. لكل موقع حكايته. بجُمل صغيرة، يلخص المراسل حاله، ويعيد الانجاز الى الجيش الروسي. بذلك، يدحض موقف المعارضة من الجيش الروسي بوصفه "قوة احتلال"، كما قال المعارضون في السابق. هنا، تقول الصورة ان الجيش الروسي وسيط. قوة مصالحة، وقوة فصل بين متحاربين، مقبولة من الطرفين. 

في جولات النظام الإعلامية، كان الإعلام الأجنبي مرغماً على تقديم صورة الانكار. لم يكن أمامه أي خيار بصريّ آخر. يقول ما لا تظهره الكاميرا في تعليقاته بأن المنطقة مقسومة بين طرفين، وان القذائف تطاول المنطقتين. لكن الصورة كانت مجبرة على انكار المشهد، عملاً بتعليمات النظام. 

اليوم تبدلت الظروف. ليس هناك من "منطقتين"، سوى في ادلب وبعض أجزاء ريفَي حلب وحماه. تستطيع الكاميرا أن تجول، من غير أن تنكر آثار الحرب، وحكاياتها المطمورة تحت الأبنية المدمرة. وجدت توصيفاً ملائماً، يقول ان المنطقة خضعت لتسوية. أو قل لـ"مصالحات"، عملاً بالتوصيف الروسي. 

لكنها رغم ذلك، لا تظهر شواهد على حرب مرت من هنا. ستتحول حكماً الى شواهد تلخص معاناة الحرب. لن تمحوها إعادة الاعمار العازمة على شطبها حتى من الذاكرة، كي يثبت النظام ما كان يقوله للاعلام أن المنطقة "ما كان فيها شي"، وليزيل اسباب ضغينة مستقبلية لدى الماكثين في المنطقة. لكن إرادة الروس أقوى. سجلوا آثار الحرب في عدسات غربية. وأثبتوا إنجازهم، رغماً عن نظام الإنكار. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها