الجمعة 2018/08/17

آخر تحديث: 17:32 (بيروت)

التحرش في مصر: وجهة نظر أخرى

الجمعة 2018/08/17
التحرش في مصر: وجهة نظر أخرى
الخوف أن تخلق الحدة بين الطرفين، مجتمعاً محافظاً بكود جديد اسمه الصواب السياسي
increase حجم الخط decrease
"في اتنين مليون مواطن الحكاية دي كانت الشغل الشاغل ليهم".
يتحدث مقدم برنامج "90 دقيقة" محمد الباز، عن فيديو تحول في ساعات معدودة إلى "تريند" جديد في مواقع التواصل الاجتماعي، وخلق هاشتاغاته، ونقاشاته وكوميكساته حتى صار الموضوع المهيمن اليوم، وربما لأيام مقبلة. 

الفيديو يتناول فتاة تصور متحرشاً طلب منها أن تنضم إليه لشرب القهوة في سلسلة المحلات الشهيرة "أون ذا رن"، وهو ما قابلته بحدة، فانصرف الشاب بعدما اكتشف أنها تصوره.

حتى الآن لا يبدو أن ثمة شيئاً جديداً في فيديو "امسك متحرش"، سواء كنت ممن يتعاطفون مع الفتاة، أو يدافعون عن الشاب. عادة ما تصور مثل هذه الفيديوهات وتنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي من دون أن تلفت الأنظار إلى هذه الدرجة. غير أن ما حدث هو أن الفيديو انتشر كالنار في الهشيم، وتحولت الفتاة إلى شخصية عامة في ليلة واحدة، ووصلت إلى البرامج الحوارية، فأخذ الفيديو وملحقاته جزءاً من حلقة "90 دقيقة".

غير أن هناك عنصراً طبقياً في أسباب انتشاره، وهو أن ذلك "الفعل"، أي التحرش، ظل لسنوات طويلة منسوباً لطبقات اجتماعية أدنى، وكان يُقال إن أحد أسباب انتشاره يكمن في رؤية محددة للمرأة، مرتبطة بثقافة. وهو ما ثبت أنه خطأ خلال الشهور الماضية، بعدما انتقلت قوة هاشتاغ #me_too إلى مصر وظهرت حالات تحرش واعتداء جسدي، في الطبقات الأعلى اجتماعياً، وبين أوساط النخبة الثقافية والسياسية والحقوقية. وبدأت، مع هذه الحقائق المخيفة، تظهر قوة دافعة لدوائر البنات القريبة من تأثير #me_too باستخدام قوة مواقع التواصل الاجتماعي والتشهير، لما يحققه من نتائج عنيفة تجاه مرتكب الفعل.

لكن الفيديو أيضاً، حفّز كثيرين ممن يعارضون التشهير كفعل عقابي ضد المتحرشين، أو المتهمين به، لأنه يضع الضحية في موقع القاضي والجلاد. ومن ناحية أخرى، يُعتقد أن المسافة بين التحرش ومحاولة التقرب، تفصلها مشكلة لغوية أو اختلاف في الكود الاجتماعي بين الطرفين. وهو ما يقدمه الفيديو لدرجة دفاع قطاعات كبيرة من الشباب عن الشاب بطل الفيديو على اعتبار أنه "لم يخطئ"، وهو ما شجع الشاب نفسه على أن يقدم فيديو مضاداً لفيديو "إمساكه متلبساً" في فجر اليوم نفسه. ثم حاولت الفتاة، تالياً، لتبرير تصويره، القول أن دعوة القهوة سبقتها وتلتها عبارات وتصرفات لا تصدر إلا من متحرش، وهو ما لم يلتقطه الفيديو. 

وبعيداً من "التريند"، فإن الفيديو أطلق شرارة نقاش مكتوم، منذ حكاية اتهام خالد علي بالتحرش منذ شهور، وما ترتب عليه من اعتزاله العمل العام، وخفوت النقاش آنذاك. وللأسف، لم ينتج عن النقاش العنيف الحاد المتفجر في ذلك الوقت، أي تغييرات في المفاهيم العامة للمساحات الآمنة للنساء، ولم تنتج عنه محاولات فهم للفروق بين المغازلة والتحرش، وهو النقاش الذي كان لا بد أن ينطلق وتخوضه النخبة حتى تصل إلى حدود فاصلة فيه. 

ويتسع النقاش إلى محاولات تجريم المتحرش بآليات جديدة، خارج المحاولات العرفية من تشهير وفضح لأنه، أيضاً، يحول الضحية السابقة إلى جلاد جديد قد يوضع ضحايا جدد، خصوصاً أن الآليات القانونية التقليدية عاجزة عن وضع آلية لمعرفة الاتهامات الحقيقية من الكيدية.

ولأن مثل هذه القضايا لم تخلق حواراً مجتمعياً ولا حتى نخبوياً، وانحسرت النقاشات في شخصنة الفيديو، لا تجريده، فستنطلق الشرارة بين فترة وأخرى، حتى يدرك المجتمع ضرورة وضع حدود جديدة قبل أن تتحول الحدة بين الطرفين إلى خلق مجتمع "محافظ" بكود جديد اسمه الصواب السياسي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها