الخميس 2018/08/16

آخر تحديث: 18:35 (بيروت)

اسرائيل والإرهاب والنسويات.. "وقاحة" ساشا كوهين

الخميس 2018/08/16
اسرائيل والإرهاب والنسويات.. "وقاحة" ساشا كوهين
increase حجم الخط decrease
منذ أولى إطلالاته، جعل الكوميدي البريطاني، ساشا بارون كوهين، الشعب الأميركي وثقافته، موضوعاً لتهكمه. وبعد تجسيده شخصية "بورات" الكازاخستانية، التي يجول بها الولايات المتحدة بهدف فضح الجوانب الفاسدة لـ"الأمة الأميركية"، يعود كوهين ببرنامجٍ جديد لا يقلّ مشاكسةً وإستفزازاً. 
ففي "Who is America?"- من هي أميركا؟- الذي يتمّ بثّه حالياً عبر قناة Showtime، لا يستهدف كوهين، بنكاته، أفراداً عاديين من الشعب الأميركي، بل رفع نكاته إلى أعالي الهرم وصولاً إلى سياسيين وأعضاء رفيعي المستوى من الحزبين الديموقراطي والجمهوري. 

يجسّد كوهين في برنامجه الجديد شخصيات متعددة، تتشابه مع الأدوار التي سبق أن لعبها، بالغرابة والعبثية التي تبلغ حدّ الغباء. إحدى هذه الشخصيات هي الكولونيل إيرن مراد، عميل سابق في الموساد الإسرائيلي، وخبير في القضاء على الإرهاب. عبر مراد، يسخر كوهين من الشخصية النموذجية للجندي الإسرائيلي اليميني والفخور بذكورته على نحوٍ عدائي. أما صفات هذه الشخصية، فهي عضلات مفتولة، وحاجب مشطوب، وحبّ مطلق للأسلحة.  

إلا أن كوهين لا يستهدف اليمين الإسرائيلي فحسب، بل يسخر أيضاً من التقدير الأعمى الذي يكنّه المحافظون من الأميركيين، لإسرائيل، ومن إنجذابهم لصورة المقاتل الإسرائيلي المنخرط في حربٍ عنيفة ومستمرة.

وقد إستغلّ كوهين هذه الرومانسية الأميركية تجاه إسرائيل، والحرب بشكلٍ عام، لإستدراج ضيوفه، أو ما عرف في ما بعد بـ"ضحاياه"، للظهور معه في البرنامج. فقد أقنع عضو الكونغرس، جايسون سبنسر، بأنه خبير في مكافحة الإرهاب، وعرض عليه إعطاءه درساً في كيفية ردّ هجوم إرهابي عليه. وبإعتماده لهذه السردية، دفع كوهين ضيفه إلى التفوه بعبارات عنصرية ضدّ المسلمين والسود، وإهانات للمثليين، والكشف عن مؤخرته، وذلك كلّه باسم مكافحة الإرهاب. وبعد بثّ الحلقة وخروج مؤخرة المشرّع الجمهوري وعنصريته إلى العلن، إضطر الأخير إلى الإستقالة من منصبه.

في اسكتش آخر، إدّعى مراد بأنه أتى إلى الولايات المتحدة لتسويق خطّة نفّذتها إسرائيل في إطار مواجهة خطر الأسلحة والإرهاب، وذلك عبر تسليح أطفال بعمر الرابعة. وأثناء لقائه مع رئيس إحدى الجمعيات التي تدافع عن الحق بإمتلاك الأسلحة، يدفع كوهين ضيفه إلى تصوير مقطع فيديو "تربوي" حول أنواع وأشكال الأسلحة وكيفية إستخدامها. ولتبسيط الفكرة للأطفال، يحمل الضيف أسلحةً على شكل شخصيات كرتونية مثل الـunicorn، ويعطيهم تعليماتٍ حولها. كما يسحب إعترافاً من النائب السابق للرئيس بوش حول "تطويره لتقنيات التعذيب الإنسانية"، وتشجيعه لإستخدام تقنية Waterboarding (الإيهام بالغرق)، قبل أن يطلب توقيعه على إناء ماء يدعي مراد إستخدامه في تعذيب الإرهابيين.

وعلى النقيض من شخصية مراد، لا ينجو التيار الليبرالي من سخرية كوهين. فهو يجسّد شخصية نايرا كاين، وهو رجل أكاديمي أبيض محبّ لهيلاري كلينتون و"كاره لنفسه"، على حدّ تعبيره. يحذو كاين حذو زملائه من الليبراليين البيض غير العنصريين، إلى التعدي على ثقافة الأفريقيين الأميركيين عبر محاولات فاشلة لغناء الراب، وهو نوع موسيقي لا يعرف عنه شيئاً. 

في المحصلة، أغضب كوهين، أميركيين، من مختلف الأقطاب. وقد انتقدته الميديا الغربية لسوء إختياره للضيوف، ذلك أنه لا يصبّ في غاية البرنامج نفسها، وهي فضح جانب "غبي" من الثقافة الأميركية. وقد لاقى نقداً لاذعاً بسبب واحدة من نجوم تلفزيون الواقع، حيث إدعى أنه مصور فوتوغرافي يرغب في ظهور الممثلة في غلاف مجلته، وأجرى بعدها مقابلة مع النجمة حثّها خلالها على تلفيق قصة حول تطوعها في أفريقيا لمدّة شهر.

رأى النقاد في هذا المقلب تنمّراً ذكورياً على الممثلة، على إعتبار أن الدينامية الموجودة في مقابلة بين نجمة شابة ومصور أكبر سناً منها هي أصلاً مشحونة بالإستغلال والخداع. أما عن نية كوهين المتمثلة في إظهار الوجه المخادع للتلفزيون الأميركي، وكذلك "فاعلى الخير"، فقد إعتبرها الإعلام مجرّد ذريعة لممارسة التنمّر، مصرّاً على وصفه بـ"troll". 

وهي ليست المرة الأولى التي يزعج فيها كوهين، النسويات، إلى جانب المحافظين والليبراليين ومعظم فئات المجتمع الأميركي. إلا أن كوهين لم ينكر يوماً وقاحة عمله، إذ وصفه بأنه "نوع قذر من السخرية" و"فنّ المحرومين". وهو يعتبر فنّه مقتبساً عن كوميديا مسرحية راجت في قرونٍ غابرة، والتي تعرف بشخصية الـ buffoon، وهي تلك التي تدعي الغباء من أجل إضحاك الناس، و"فضح من هم في السلطة،" وفق التعريف الخاص بكوهين. 

وغالباً ما يستخدم كوهين الصدمة من أجل لفت الأنظار، وكانت أشهر صدماته قُبلة مطولة له مع رجل آخر، داخل حلبة مصارعة، وعلى مرأى من جمهور جاء متعطشاً للشجار، فوجد في المقابل حبّاً مثلياً. تحوّلت الصالة بأكملها إلى حلبة قتال، لكن كوهين تمكّن من الفرار قبل أن يدركه كرسي طائر في الجو. 

إلا أن أكثر الإنتقادات دقة هي تلك التي أشارت إلى تأخّر كوميديا كوهين، عن واقع العصر، الذي يشكّل فيه رئيس الولايات المتحدة أهم وأشهر مهرّج. ففي كل أعماله، يجهد كوهين في إقناع المشاهد بأن أميركا بلغت الحضيض، إلا أنه نسي أن العالم بأسره شاهد حساب "تويتر" الخاص بالرئيس ترامب والذي لا يمكن لأي كوميديا أن تضاهيه. 
  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها