الأربعاء 2018/08/15

آخر تحديث: 16:39 (بيروت)

محمد خير الجراح وشكران مرتجى.. تلوث سمعي

الأربعاء 2018/08/15
محمد خير الجراح وشكران مرتجى.. تلوث سمعي
increase حجم الخط decrease
لم تصل وقاحة الممثل السوري محمد خير الجراح، حد زميله أيمن رضا الذي يسوق لنفسه على أنه تشارلي تشابلن العرب، فالممثل "المساعد" الذي اشتهر بسبب دور صغير في مسلسل "باب الحارة"، يسوق لنفسه كفنان شامل و"قدير"، وكأنه نسخة محلية من النجم العالمي جيمي فوكس أو نجوم الكوميديا العرب في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. وهو اليوم يصدر أغنية مروعة، بعنوان "ما بسترجي" بالشراكة مع زميلته في "باب الحارة" شكران مرتجى.


وفيما يمكن الحديث عن "ديو القرن" كأنه أغنية بين مادونا ومايكل جاكسون إن بعث من قبره نتيجة صلوات المعجبين، إلا أن "الأغنية" التحفة التي قدمها الممثلان بإيحاء من شخصيتيهما في "باب الحارة" تتفوق على ذلك الحلم الفانتازي الجميل، بشكل معكوس، وتبدو أقرب لكابوس لا يمكن التفوق عليه في مستوى الشناعة والانحطاط، ليتفوق الممثلان بها في التفاهة على جميع "المستظرفين" واليائسين من أجل الشهرة، في سوريا والشرق الأوسط.



والحال أن إطلاق تسمية الأغنية على المنتج الذي يتباهى به الممثلان، هو تساهل كبير في تقييمها ورفع من قيمتها إلى مستوى فن جميل كالغناء، وربما لا يجب الحديث عنها نهائياً من مبدأ "توقفوا عن جعل الحمقى مشهورين أكثر مما هم عليه"، إذ لا يشبه مزيج الصراخ والزعيق والنشاز والحشرجة والاختناق الذي يقدمه الممثلان طوال ثلاث دقائق، الغناء في شيء، بل هو مزيج مؤذ للأذن البشرية وأقرب للتلوث السمعي منه إلى أي شيء آخر.

شركاء الجراح ومرتجى في هذه الجريمة "الفنية" هما صفوح شغالة على مستوى كتابة الكلمات ونوبلي فاضل الجزائري على مستوى الألحان، مع الإعلان عن "فيديو كليب" للأغنية قريباً من أجل اكتمال أبعاد المأساة. والأسوأ من ذلك كله أن هنالك من يصفق للأغنية رغم مستواها المروع، وكأن مفهوم الكوميديا، كفن نبيل، نفسه تشوه مع الوقت ليصبح هذا النوع من التهريج والإفلاس الفني "ضرباً من ضروب الإبداع".

ويحاول الممثلان بوضوح استغلال الشعبية الواسعة لـ"باب الحارة" ولشخصيتيهما الخارجتين عن المألوف في دراما البيئة الشامية، وربما لو كانت الأغنية جزءاً من حملة ترويجية للمسلسل أو أغنية عابرة ضمن المسلسل لكان تقبلها أسهل، لأن السياق الدرامي العام قادر على تبرير "الأغنية"، خصوصاً أن كلمات الأغنية ترتكز على تفاصيل الشخصيتين اللتين تقومان بالغناء تقنياً وكأنهما في مشهد ما.

وفيما قد يكون ذلك مبرراً ومفهوماً بالنسبة للجراح الذي لم يبرز على الإطلاق في أي دور على المستوى المحلي أو العربي، بعد باب الحارة، إلا أنه يبدو محيراً بالنسبة لمرتجى التي قدمت سلسلة من الأدوار المميزة في السنوات الأخيرة، جعلتها تخرج من إطارها المحلي لتصبح نجمة عربية، وخصوصاً بعد أدائها المبهر في سلسلة "وردة شامية" العام الماضي إلى جانب الممثلة سلافة معمار، في قصة مقتبسة عن حكاية "ريا وسكينة" الشعبية الشهيرة.

وربما تحاول مرتجى (47 عاماً) إثبات نفسها كنجمة كوميدية تتخطى التمثيل، نحو التهريج المجاني بجعل نفسها أضحوكة، وربما ترغب في منافسة زميلتها أمل عرفة التي تصر على أنها ممثلة ومطربة في وقت واحد. إنما بطريقة أكثر هزلية، علماً أن مرتجى ظهرت كمغنية في عدد من المسلسلات أبرزها "ذكريات الزمن القادم" عندما أدت شخصية "أساور"، وإن كان كل ذلك ناجحاً في مسلسلات كوميدية ناجحة قدمتها مثل "دنيا" و"جميل وهناء"، إلا أنه اليوم يفتقد أي سياق يبرر مشاركتها في الأغنية، ولو كان سياقاً إنسانياً مثلما كان الحال عند مشاركتها في برنامج "ديو المشاهير" العام 2016.

بموازاة ذلك، يتصرف الجراح (54 عاماً) في الفترة الأخيرة كأنه "كوميديان" محلي منافس لأيمن رضا وباسم ياخور أو بديل لنجوم خفت بريقهم مثل دريد لحام وأيمن زيدان. المشكلة هنا أن الجراح لم يكن يوماً بموهبة الأسماء السابقة، بل كان طوال مسيرته الفنية ممثلاً يعمل في الظل، من دون أي إمكانية لبروز أكبر وتصدر المشهد الدرامي، مع التسليم بأن مرور الزمن عليه لن يحوله إلى فنان مخضرم عتيق، يتطور تلقائياً إلى مرحلة هزلية أعلى تجعله قادراً على الإضحاك في كل ما يقوم به "ببساطة وعفوية"، لمجرد أنه يقوم به، مع تركيزه على "الروح السورية" في كل ما يقوم به من مبادرات لخلق النحومية.

والحال أن الجراح بدأ نشاطه الفني في تسعينيات القرن الماضي، وتمت الاستعانة به كثيراً لأداء الشخصيات الحلبية الهامشية التي تحتاج إلى شيء من الخفة في الأداء، ورغم أنه كثير الحضور في الأعمال الدرامية إلا أنه من الصعب تذكر أدوار بارزة له باستثناء باب الحارة، إضافة لدوره في مسلسل "صبايا"، الذي تميز فيه بالسماجة وثقل الظل والتركيز على اللهجة الحلبية، كما لا يمكن تلمس نقطة محددة انحدر فيها مستوى ما يقدمه الجراح كوميدياً، من الفن إلى الإزعاج، ومن الهزلية إلى التهريج المبالغ فيه، لأنه أصلاً عنصر ينسى بسهولة.

ويجب القول أن الأغنية بحد ذاتها لا تشكل سوى نموذج لحال الكوميديا السورية المعاصرة، فحتى في سنوات نجاح الدراما السورية كانت الكوميديا بنظر شركات الإنتاج "فناً من الدرجة الثانية"، لكن تراجع الإنتاج الدرامي عموماً والاستسهال الذي طرحته السوشيال ميديا، جعل إمكانية إنتاج وتقديم هذا النوع من الأعمال الهابطة، سواء كان مسلسلاً من 30 حلقة أو أغنية من 3 دقائق أو سلسلة في "يوتيوب"، بسيطاً ومتكرراً، مع احتقار واضح للجمهور من طرف مقترفي تلك الجرائم، وتحديداً "النجوم الكبار".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها