الأربعاء 2018/08/15

آخر تحديث: 15:56 (بيروت)

القفز من مركب السيسي إلى مركب آل الشيخ

الأربعاء 2018/08/15
القفز من مركب السيسي إلى مركب آل الشيخ
increase حجم الخط decrease
لم يُخفِ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أبداً نواياه. وحتى حينما يحاول، فضحتها زلات لسانه. حتى وهو يمارس الدهلكة، والسهتنة، كانت الحقيقة تتسرب من نور عينيه. 

في بداية فترته الرئاسية، حينما كان لا يزال يهتم ويلتقي بالكتّاب والمثقفين والإعلاميين، روى لي كاتب كبير بفخر أنه في أحد اللقاءات، وبينما تبارى الجالسون في إظهار ولائهم، لا من طريق مدحه فحسب بل أيضاً عبر ذمّ التيارات الأخرى من سلفيين وإسلاميين بتواطؤ مع الأزهر، صارحهم السيسي إن لكل خطوة توقيتها الصحيح، مذكراً بمحمد علي باشا قائلاً: "انتم عارفين محمد علي، احتاج 8 سنين علشان يعمل مذبحة القلعة ويتخلص من أعداء الداخل".
تتعالى صيحات الإعلاميين والعاملين في القنوات التلفزيونية والمنصات الإخبارية.. الغوث، النجدة، بينما تُغلق القنوات الفضائية عليهم، وحتى الموجود منها تتغير خريطتها الإعلامية وتُلغى البرامج الحوارية والاخبارية بكافة أشكالها.

وداعاً لـ"التوك شو"، وأهلاً بالمسلسلات وبرامج الطهي.

انتهى زمن القضايا الساخنة والنقاشات السياسية، ليبدأ إعلام "الهرتلة"، إذ تصبح القضايا الأهم هي صدر غادة عبد الرازق، وحجاب حلا شيحا، وزواج بنت ميرفت أمين.
في العام 2014، جمعتني مناسبة مع عدد من الصحافيين والإعلاميين، ومنهم من كانوا يفتخرون بأنهم "دولَجية". مؤيدون لحسني مبارك، وبعضهم تمسك بموقفه وطالب بدهس وحرق المتظاهرين. وبعد سنوات من التخفي والاختباء، كانوا يعودون مرة أخرى إلى الساحة مقدمين خدماتهم إلى النظام الجديد.

آنذاك، كان عدد من الزملاء العاملين في صناعة الأفلام التسجيلية يتعرضون للتوقيف أثناء التصوير، وتتعرض شركاتهم للمداهمات الأمنية بتُهم من نوع التعاون مع قناة "الجزيرة" أو تشويه سمعة مصر أو حتى تأسيس تنظيمات إرهابية. وحينما طرح هذا الأمر في تلك الجلسة، انبرى أحد نجوم تلك المرحلة رافضاً اتخاذ أي موقف تضامني أو حتى التواصل مع أى جهة أمنية لبحث أوضاعهم، مؤكداً إن الأمن "عارف شغله كويس".

عمل ذلك الزميل مُعدّاً لعدد من البرامج الحوارية خلال السنوات الماضية، ثم ترقّى من مُعدّ إلى رئيس تحرير. ومع امتداد سيطرة الأجهزة على القنوات الفضائية، عُيّن في منصب قيادي لشهور معدودة، وأخيراً تم عزله وأغلقت القناة، ليجلس في البيت بلا عمل.

المدهش أن استقبل أنا، المنفيّ، بلا عمل، رسالة من ذلك الزميل يشكو فيها صعوبة المشهد الإعلامي، وأنه بلا عمل، ويبحث عن فرصة عمل في الخارج.

مثله كثيرون الآن، بعضهم ارتدى الجلباب وجلس في المنزل، والبعض الآخر يبحث عن مهنة شريفة أو غير شريفة بعدما استغنى النظام عن خدماته.
تامر عبد المنعم أحد هؤلاء الضحايا الذين يستحقون الشماتة. والده هو محمد عبد المنعم، رمز من رموز صحافة مبارك. بدأ تامر مشواره كممثل من الصف الثاني وربما الثالث، وبحكم علاقات والده، تم تعيينه، في زمن مبارك، رئيساً لقصر السينما التابع لوزارة الثقافة. وحينما قامت ثورة 25 يناير، عُزل من منصبه، ليتفرغ تامر للتهجم على الثورة وكل رموز المعارضة والتمرغ في حب مبارك مُعبراً عن إخلاصه وتفانيه.

مع صعود نجم السيسي، شق تامر طريق عودته إلى الساحة العامة بفيلم "المشخصاتي 2"، حيث قدم كوميديا سمجة استعرض فيها سخافته على رموز "الإخوان المسلمين" وقياداتهم المسجونين. ثم فتحت له مرة أخرى أبواب الإعلام، ليقدم البرامج التلفزيونية، بل وحاول إنتاج مسلسل دعائي فشل قبل أن يبدأ، وانتهى الأمر بخلافات مع محمد فؤاد، إذ رفع كل منهما قضايا على الآخر متهماً إياه بالنصب والاحتيال.

لكن قبل أسابيع، حينما صدرت الأوامر بإغلاق عدد من القنوات الفضائية وتسريح العاملين في تلك القنوات، كان تامر من المسرّحين. 

كان برنامج تامر في قناة "العاصمة" التي يديرها ياسر سليم، وهو المتخصص في تدمير المشاريع الإعلامية والقنوات التلفزيونية. سبق لياسر سليم أنو تولى مهمة تدمير موقع "دوت.مصر"، حيث قام بفصل أكثر من ثمانين صحافياً من الموقع، ثم تمت ترقيته ليشرف على شبكة القنوات الإعلامية والتلفزيونية، وأخيراً ليقوم بعملية التطهير في قناة "العاصمة" التي كان تامر من ضحاياها.

لكن تامر لم يصمت، بل قام بتصوير فيديو في الإنترنت، مهاجماً ياسر سليم، يزاود عليه وعلى صِلاته بالأجهزة الأمنية ليقول إن لديه أيضاً صِلات أمنية، وأن ما يحدث في الساحة هو تخريب متعمد من ياسر وليس توجيهات أمنية. طبعاً ياسر سليم، الأخطبوط ذو الألف ذراع، لم يسكت، بل استخدم صِلاته بشركات الإنترنت والمحتوى الالكتروني لتنظيم حملة إلكترونية لحظر الفيديو وحذفه من "فايسبوك"، وهو ما حدث بالفعل.

ما الذي يفعله تامر الحزين المنبوذ؟ انطلق بالطبع للبحث عن كفيل آخر يخدمه، واتجه إلى كفيل إعلاميي مصر، تركي آل الشيخ.

 في "تويتر"، أخذ تامر يرسل الرسائل إلى تركي آل الشيخ، طالباً لقاءه. لم يرد تركي على رسائله. وحينما ملّ من مطاردات تامر، عاجله بـ"بلوك" حتى لا يزعجه برسائله.
استنفد الإعلام أغراضه في مصر. لعب دوره في الشحن الشعبي ضد "الإخوان"، وبعد ذلك في أفراح ومهرجانات التفويض. الآن تحول الى عبء على النظام. عبء مادي وسياسي. فسنوياً، ينفق النظام المليارات على قنوات وصحف لا تحقق أى مردود اقتصادي، كما أن هؤلاء الاعلاميين تحولوا الى رموز محسوبة على النظام، وأصبح أي خطأ يرتكبونه محسوباً على النظام. لذلك، ينظّر كثيرون بأن التخلص منهم هو الحل الأفضل والأسلَم والأربح.
خيار النظام بتقليص أذرعه الإعلامية، سيخلق بالتأكيد فراغاً في الساحة، ويمكن لأذرع إعلامية لجهات أخرى أن تملأه، لكنه يعول على قوة حزامه الأمنيّ، حيث يستخدم الحجب للمواقع الالكترونية والتشويش على المحطات التلفزيوينة، إضافة إلى سلطاته التشريعية، لمنع ظهور أى صوت آخر. والصوت الوحيد الذي يسمح له بالتواجد في الساحة هي أذرع إعلامية خليجية. لذا، فما يسعى إليه الإعلاميون في مصر هو القفز من مركب السيسي إلى مركب تركي آل الشيخ متخذين من عمرو أديب، بطل القفز بالزانة والتلون الإعلامي، نموذجاً وقدوة. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها