الإثنين 2018/07/09

آخر تحديث: 16:47 (بيروت)

مفاوضات "النووي الايراني" تحضرها امرأة: فصام النظام

الإثنين 2018/07/09
مفاوضات "النووي الايراني" تحضرها امرأة: فصام النظام
تحاول طهران أن توحي للخارج بأنها تحترم المرأة وحقوقها وتوليها مراكز موثوقة (عن تويتر)
increase حجم الخط decrease
بين فيينا وطهران، تجسّد مؤخراً الانشطار الرسمي الايراني في مقاربته لقضية المرأة بشكل جلّي. ففي حين كانت لعيا جنيدي، نائبة الرئيس الايراني للشؤون القانونية، تحضر قبل أيام، محادثات انقاذ الاتفاق النووي كأول مفاوضة نووية ايرانية، كانت السلطات الايرانية في الداخل تستمر بالإمعان في قمع وملاحقة النساء والفتيات واعتقالهن، من ضمنهن فتاة تمّ اعتقالها بحجّة نشرها فيديوهات راقصة في "انستغرام"، بالتزامن مع صدور حكم قضائي بالسجن 20 عاماً على إحدى ناشطات حركة رفض الحجاب الاجباري، لمجرّد خلعها الحجاب في مكان عام.

مائدة حجابري، الفتاة الايرانية صاحبة الفيديوهات، لم تعدُ "جريمتها" كونها جمعت آلاف المتابعين في حسابها في "انستغرام" بعد نشرها فيديوهات تظهر فيها وهي ترقص في منزلها حاسرة الرأس على أنغام موسيقى إيرانية وغربية. وسارع بعدها الإعلام الرسمي الإيراني إلى تبرير الإجراء التعسفّي الذي قامت به السلطات بحقها، وزاد عليه الازدراء والتحقير تجاهها من خلال بث ما أطلق عليه "اعترافات مائدة"، حيث ظهرت باكية ونادمة ومكرهة على الاعتذار أمام الكاميرا، ما استفزّ مئات النساء الايرانيات ودفعهن إلى نشر فيديوهات مشابهة لما نشرته مائدة، فأظهرن تضامنهن بالرقص، متحديات السلطات التي تحصي عليهن أنفاسهن. كما أن تعليقات رافقت الفيديوهات، ضمن حملة "الرقص ليس جريمة".

ما حصل مع مائدة يُضاف إلى سجّل السلطات الحافل بممارسات التضييق والاضطهاد بحق الايرانيات، والتعديات التي تطاول الحريات الشخصية لكل المواطنين الايرانيين، والتي لا يظهر أن كل النشاط المعارض قادر - حتى الآن - على ردعها أو التخفيف من سطوتها. وذلك رغم كل حملات التضامن والاستنكار المرفقة بدعوات من الداخل والخارج، والمنادية بوقف التعسّف وتخفيف قبضة المتشددين على رقاب الناس، وإبعادهم عن دسّ أنوفهم في الشؤون اليومية للمواطنين، وهو ما بات وسيلة من وسائل إحكام سيطرة النظام الإيراني على مفاصل الحياة.

هكذا، تستمر المرأة في كونها طريدة تتصيّدها السلطات، كونها أضحت في صدارة التحدّي، وتحتل العناوين العالمية في قضايا الحرية، من خلال خوضها معارك شرسة في مواجهة نظام الملالي من أجل الحصول على حقوقها البديهية، وغالباً متفوقات على الرجال في نشاطهن هذا.

النقاش في موضوع الحريات في إيران أمرٌ يطول شرحه، يبدأ في مكان ولا ينتهي، كونه قضية تفتح لها الأبواب على مصاريعها، وتواجهها آلة قمع تتفنن في أساليب التنكيل وخنق الحريات. وهو ما يبرز الخوف المتزايد من تمرّد المرأة وإصرارها على التمسّك بحريتها وعدم الاستسلام أو الانكفاء عن خوض معاركها المريرة، في وجه حكمٍ لا يرى في المرأة الإيرانية سوى أداة خاضعة، يتم الرضا عنها حين تنصاع للأعراف والقوانين الموضوعة لها بلا نقاش. وأي خروج عن هذه القواعد يجعل المرأة عرضة للترهيب والتنكيل النفسي والمعنوي، وصولاً إلى التشهير والسجن والتعذيب والإهانة، والأمثلة والنماذج في هذا الإطار أكثر من أن تعدّ أو تحصى.

غير أن الساسة الإيرانيين لا ينفكون يحاولون، ومنذ سنوات، تجميل صورتهم وتقديم شكلٍ مغايرِ لهذا التعامل مع المرأة في عيون المجتمع الدولي، لطمس الاجراءات التعسفية تجاه المرأة في الداخل. إذ تطفو على السطح، بين الفينة والأخرى، محاولات تتمثل في تعيين نساء في مناصب سياسية متقدمة، كتنصيب وزيرة هنا، ومعاونة لرئيس الجمهورية هناك، وناطقة باسم الخارجية الايرانية في مكانٍ آخر، خصوصاً في عهد الرئيس حسن روحاني، الذي تمّ خلاله تعيين نائبتين للرئيس، وامرأة أخرى مستشارة له. وقبل أيام، عُيّنت مُفاوِضة في ملف الاتفاق النووي، في مسعى قرأ فيه البعض أن طهران تحاول أن توحي فيها للخارج بأنها تحترم حقوق المرأة، وتوليها مراكز موثوقة وتعتمد عليها للإمساك بقضايا وملفات حساسة، بل مصيرية.

لكنّ الواقع يبقى أن هذه المحاولات لا تعدو الاستغلال الصوري والرمزي للمرأة الإيرانية، في الداخل والخارج على حدّ سواء، وتنبىء بأن الطريقة الوحيدة لوصول المرأة إلى سدة المسؤولية والتقدم في مراكز السلطة، هي حصراً بالالتزام بما فرضته قوانين رجال الملالي، وهو الأمر الوحيد الذي يؤهلها لتتبوأ منصباً وتُحترم. إذ أنّ المفاوضة الإيرانية، لم يجرِ تعيينها نائبة للرئيس، إلا بعد الانصياع والالتزام بتغيير لباسها العادي وتحويله من الحجاب إلى الشادور، وهو ما استجابت له لعيا جنيدي على الفور بلا أي جدل.

الانفصام الايراني في التعامل مع المرأة، تتزايد حدّته باضطراد. فهو المؤشر الأول الذي يطفو على السطح، كون المرأة تتصدر الحركة في أي أزمة داخلية على المستوى السياسي والاقتصادي، وهو ما أثبتته السنوات القليلة الماضية. فالثورة الإيرانية، ومنذ انطلاقتها، صبّت جامّ تشددها على المرأة قبل غيرها، من خلال حياكة مجموعة من القوانين التي استهدفت حريتها وقيدت حركتها، وهو ما تظهّر من خلال الكثير من الدراسات والمقالات التي عبّرت عن أنّ هذا التشدد تجاه المرأة جعل المجتمع الإيراني فريسة القلق. ويتجلّى التوتر في كل مفاصل الحياة اليومية، الأمر الذي لطالما دفع قضية المرأة الإيرانية إلى الواجهة، وجعل من مطالبتها بالحرية والانتفتاح أمراً متداخلاً بشكل وثيق مع الجانب الاجتماعي، ورابطاً أساسياً مؤثراً يلقي بظلاله على السياسة والاقتصاد، ما خلق معادلة عند الحكم تفضي إلى أنّ قمع المرأة وإسكاتها هو المفتاح والحلّ لإبقاء المجتمع تحت السيطرة. أما في حال إفساح المجال للمرأة والسماح لها بالتمدد، فهذا ما يعتبره نظام الملالي الخطر المحدّق به، وبداية سقوطه وهلاكه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها