السبت 2018/07/07

آخر تحديث: 14:27 (بيروت)

"أمازون كيندل" وخريطة القراءة العربية

السبت 2018/07/07
"أمازون كيندل" وخريطة القراءة العربية
increase حجم الخط decrease
ماذا يعني توصيف أو تصنيف كتاب ورقي بأنه من الكتب الأكثر مبيعاً؟ 
سؤال تختلف إجاباته المتوقعة بين فرد وآخر من جمهور القراءة في مصر والعالم العربي، بحسب الفئة العمرية والدرجة التعليمية والشريحة الثقافية للقارئ، وعوامل أخرى متعلقة. 
في أي حال، يمكن القول، بحسم، إن كافة الإجابات في استقصاء إعلامي كهذا تكاد تحمل تقييماً انتقاصيّاً وقائمة اتهامات راسخة لهذه الكتب الرائجة، وذلك إذا افترضنا طرح السؤال على ما يُسمّى بمجتمع النخبة أو المشهد الأدبي، بالمعنى التخصصي الاحترافي، أو في الإطار الجامعي والأكاديمي.

ما يعنينا، في هذا المقام، ليس إثباتاً ولا نفياً لصحة هذه الصورة النمطية التي خلقها المثقفون "النمطيون بدورهم" للكتاب الأكثر مبيعاً في مصر، وربما في العالم العربي، باعتباره نموذجاً للإثارة والتسطيح والخفة واستهلاك الحواس بالحيل البوليسية وأجواء المغامرات والسحر والغموض، أو بالتعامل الفجّ مع عورات المجتمع وتابوهات الدين والسياسة والجنس، وما نحو ذلك من تعميمات.

مثل هذا الكتاب، وفق هؤلاء المثقفين، هو كتاب ترويجي، تسويقي، دعائي، يخرج من دائرة الإبداع الأدبي الجاد، وينتمي إلى التسلية والتشويق، حتى وإن حمل غلافه إشارة إلى أنه رواية أو قصة أو ديوان شعري. أما مكان "البيع" الأنسب عادة لهذا الكتاب فهو الرصيف، والمول التجاري، لا المكتبة.

فماذا بعد أن يوصف كتاب ما بأنه من فئة الأكثر مبيعاً؟
هذا ما يعنينا هنا في حقيقة الأمر. فعلى ما يبدو، أن هذه الإشارة، بدلالاتها التجارية وآثارها الميديوية، لم تعد إشارة سلبية أو حتى محايدة كما يظن المتوهمون، فقد صار وصف كتاب بأنه رائج "أمراً مؤثراً" في المشهد الثقافي وخريطة القراءة.

من شواهد ذلك التأثير في مصر، على سبيل المثال، فوز الكاتب أحمد مراد في يونيو/حزيران الماضي بجائزة "التفوق" في الآداب، وقيمتها مئة ألف جنيه (أكثر من 5500 دولار)، وهي إحدى جوائز الدولة الكبرى التي يمنحها المجلس الأعلى للثقافة. 

والمدهش أن ترشيح صاحب "الفيل الأزرق" و"فيرتيجو" و"تراب الماس" و"1919" وغيرها من الروايات (الكتب) الأكثر مبيعاً جاء بمعرفة "أكاديمية الفنون"، إحدى قلاع وزارة الثقافة المصرية، وصاحبة الرصيد الثقافي والفني الرصين.

أما التأثير الأكبر لظاهرة "الأكثر مبيعاً" في المشهد الثقافي وخريطة القراءة في مصر، فهو الذي يتعلق باختيارات "أمازون كيندل" التي أعلنت عنها منذ أيام قليلة، للكتب العربية التي ستدعمها وتوفرها إلكترونيّاً من خلال تطبيقاتها وبرمجياتها الجديدة، فمعظم هذه الكتب تنتمي إلى دائرة الأكثر مبيعاً.

في أواخر يونيو/حزيران الماضي، أعلنت شركة أمازون، رسميًّا، الانطلاق في دعم اللغة العربية على أجهزة كيندل الشهيرة (Kindle)، حيث صار بإمكان مستخدمي أجهزة كيندل القراءة بالعربية مباشرة مثل بقية اللغات، كما يمكن تشغيل التطبيق العربي الجديد من خلال منصتي أندرويد و"iOS".

وقد طورت أمازون آليات دعم ونشر الكتب العربية وتصفحها على أجهزة كيندل بشكل ملموس، وصارت هناك لوحة مفاتيح باللغة العربية، كما قدمت معالجات من أجل إطالة زمن تشغيل البطارية، والتغلب على معوقات القراءة التقليدية.

من الوجهة التقنية، هو جهد مثمر للغاية، وقفزة عملاقة نحو تفعيل القراءة الإلكترونية للكتب العربية، وقد كشفت أمازون أن آلاف الكتب العربية سيتم بثّها بالفعل، وسيشمل المتجر أيضاً كتباً كلاسيكية وقديمة، كأعمال ابن خلدون، ونجيب محفوظ، ونزار قباني.

يتيح تطبيق "أمازون" كذلك إمكانية النشر الذاتي للمؤلفين من خلال أداة "النشر المباشر"، وبمقدور المستخدمين مطالعة جزء من الكتاب قبل شرائه، فضلاً عن إمكانيات إضافية في أثناء التصفح، مثل الكشف في المعجم، وضبط حجم النص ولون الخلفية، والبحث داخل نص الكتاب، وغيرها.

أما الذي يخص "الأكثر مبيعًا" وخريطة القراءة في مصر والعالم العربي، فهو ما أعلنته "أمازون" بشأن انتقاءاتها للكتب العربية المعاصرة التي ستبثها من خلال تطبيقات كيندل المستحدثة، بهدف "إرضاء القارئ المصري والعربي". 

وذكرت أمازون "بوضوح" أنها اختارت تلك الروايات التي تتصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في مصر، وعلى رأسها أعمال يوسف زيدان (عزازيل)، وأحمد مراد (أرض الإله)، وخالد الخميسي (تاكسي الكلام)، وأحمد خالد توفيق. 

أما على الصعيد العربي، فقد وقع اختيار الشركة العالمية على أعمال الجزائرية أحلام مستغانمي. كما اختيرت بعض الأعمال الأخرى ذات الصدى الأدبي، منها "ثلاثية غرناطة" لرضوى عاشور، ورواية "حرب الكلب الثانية" للفلسطيني إبراهيم نصر الله، الفائزة بـ"البوكر" العربية 2018، وهما أيضاً من الكتب الرائجة على الصعيد التسويقي.

هكذا، فإن المعيار الأساسي الذي اعتمدته "أمازون"، بإقرارها الواضح في بيانها وعناوين كتبها، هو "الأكثر مبيعاً"، الأمر الذي ستكون له نتائج واسعة النطاق في ترسيخ خريطة القراءة العربية الإلكترونية وفق معطيات البيست سيلرز الورقية الكائنة حالياً، بغضّ النظر عن القيمة الأدبية والإبداعية.

إن إتاحة الأدب المصري، والعربي، إلكترونيّاً من خلال وسائط نقل المعلومات وحفظها، على هذا النحو الذي أطلقته أمازون عبر أجهزة كيندل، مرهونة بتوجه تجاري شعبوي يحكم العملية برمتها، والكتاب في هذا السياق هو ببساطة مجرد سلعة تهدف إلى الربح.

"هل بإمكان هذا الكتاب المنافسة وفق معطيات السوق؟"، سيظل هذا السؤال هو الوحيد دائماً الذي تضعه أمازون في اعتبارها عند إقدامها على نشر أي كتاب عربي في صيغة إلكترونية، وهو أمر بالغ الخطورة والتأثير في خريطة القراءة العربية في المستقبل القريب، وتشكيل ذائقة القارئ ووعيه. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها