الجمعة 2018/07/06

آخر تحديث: 18:54 (بيروت)

الإعلام السوري البديل.. موت سريريّ؟

الجمعة 2018/07/06
الإعلام السوري البديل.. موت سريريّ؟
اتسمت بغياب "توجيهات" مُعلنة لتحديد الخطاب الإعلامي في الشق السياسي
increase حجم الخط decrease
أن تَختفي وسيلة إعلامية، وتَخرُج من خريطة البث والنشر، فهذا ما يُفترض أن يكون خسارةً لكثيرين، أكانوا متابعين أو عاملين. لكن أن يأتي إقفالها "بارداً" ولا تجدْ في النهاية من يَرثيها أو يفتقدها، فتلك بلا شك فضيحة تستحق التوقف والتساؤل مطولاً! 
إذاعة "صوت راية"، "حارة FM"، "هوا سمارت"، وغيرها من وسائل الإعلام السوري البديل، توقفت عن العمل كليّاً أو جزئيّاً، ليُثار الحديث مجدداً عن ملابسات هذه الظاهرة، وكان آخرها خطر الإقفال الذي طاوَل "راديو ألوان".

والواقع أن هذه الوسائل، ورغم افتقادها لكثير من تقاليد وأعراف المهنة، فإن بعضها بات في الفترة الماضية يسير وفق ما يشبه "العُرف" الثابت حين ينقطع التمويل، فيلجأ إلى التخفيف من وقع "كارثة" الإغلاق، واحتوائها ببيانات مُلطّفة تغيب عنها المكاشفة، وفي بعض الأحيان من دون الإعلان عن "الوفاة" رسمياًّ، وكأننا أمام حالات موت سريري تُخفي ما يجري تحت ستار استمرار "التنفس" من خلال موقع الكتروني أو صفحة فايسبوك.

و"الإعلام السوري البديل" هو تلك المؤسسات التي ظهرت عقب اندلاع الثورة السورية وخروج مناطق عن سيطرة نظام الأسد تباعاً، لتجد التجارب الإعلامية من يتلقفها ويدعمها من منظمات وجهات غربيّة، ولتنتقل بعملها من الداخل إلى الخارج خصوصاً إلى تركيا حيث الحاضن الأساسي لهذه التجربة.

وخلال سنوات الثورة السورية السبع، ظهرت عشرات الوسائل الإعلامية واختفت وإنْ بشكل متواتر، لكن في ظروف متشابهة. ومَن لم يَنلْ منه الإغلاق تراهُ ينتظر دوره. ولعلّ أسوأ ما في تجربة الإعلام البديل هو أن يَمرّ فشلها بلا ضوضاء، ومن دون اكتراث "آبائها" بقياس جدواها أو تبنّيها.

سيكون من المُريح للذهن طيّ الصفحة بعد وضع هذه الظاهرة في سياق تبريري ما، كتعاطي الداعم الغربي مع ما أفرزته الثورة السورية من أجسام سياسية وعسكرية وإعلامية بمنظور موحّد "معروف" الدوافع والنهايات، وصولاً إلى التسليم بمصير "محتوم" عقب تبدّل المواقف الدوليّة. 

تستطيع تفسيرات من هذا النوع وضع إطار عام لِمَا حلَّ بصحف ومواقع وإذاعات سوريّة "بديلة"، لكنها لا تقول الحقيقة الكاملة عندما يتعلق الأمر بالممارسات والمسؤوليات. وأولى الأسئلة التي ستتمرّد على محاولات التسويغ: "ألَمْ تكن نجاة هذه المؤسسات ممكنة لو كان لديها جمهور يَسندُها حين ينقطع عنها "المصروف" الآتي من الداعم؟

قد يستشيط بعض "الناجحين"، القلائل جداً في مجال الإعلام البديل، أمام هذه الحقيقة المُرّة، وربما يلوّحون أمامك بعبارة "لا تعمّم"، مع أن حالة "الرسوب الجماعي" باتت جليّة لا تستدعي حتى عرض نتائج الدراسات الأوروبية والاستبيانات السورية المحلية عن نِسَبْ المتابعة. ويكفي لهؤلاء القول بأن قِسماً من جمهور "الثورة" يتابع وسائل إعلام موالية للنظام، بدرجة الاهتمام نفسها إزاء الإعلام البديل! 

ولتلخيص أسباب حالة "الطلاق" أو الجفاء بين هذا النوع من الإعلام المعارض وبين متابعيه المفترَضين، تنبغي العودة إلى الجذر الأساسي المتمثّل في تنفيذ الوسيلة لرغبات الداعمين بطريقة مبتذلة نتيجة السذاجة من جهة، وسيطرة عقليّة "السمسار" من جهة ثانية.

وفي غياب "توجيهات" مُعلنة لتحديد الخطاب الإعلامي في الشق السياسي مثلاً، كان طبيعياً أن تتوهّم تلك الوسائل - ونتوهم معها- إمكانية الإنجاز في ظل ارتفاع "السقف"! غير أنّ الأداء الإعلامي "الحر" لم يكن بالمقابل مُتحرراً من قيامه بترجمة غبيّة لتعليمات المموّلين. يُضاف إلى ذلك أن القائمين على الإعلام البديل وقعَوا أسرى تنافسهم على إقناع صاحب المال، حين افترضوا أن إرضاء الأخير يُعفيهم من صناعة جمهور، ليقتصر تقييم التأثير في مناطق التوزيع والبث على مناسبات قليلة تفرضها الحاجة لذرّ الرماد في عيون المنظمات الداعمة.

ويمكن القول إن جهات مموِّلة صنعت من الإعلام البديل ذلك "الطالب الكسول"، بل و"التاجر" بذِهنيّته وممارسته، والذي يدّعي علاقتة بالعمل الإعلامي، ويُنشىء مؤسسة، ويأتي بكادر كيفما اتفق، كي يصبح من المستحقّين للدعم وحسب!

وعلى صعيد التنفيذ، فَشِل هذا الإعلام في مخاطبة الرأي العام واستيعاب حاجاته، خصوصاً مع الانتقال من محاولة كسب التعاطف مع قضية سوريّة عادلة، إلى اعتماد "اللعبة الانفعالية" وسيلة شبه وحيدة لـ"الكسب" بأشكال أخرى، حتى باتت أخبار المجازر مثلاً - في فترة من الفترات - ملعباً لبازار الأرقام، وأصبحت صور الضحايا وقصصهم مادة تسوّل عاطفي ومادّي. هذا إلى جانب مواد إعلامية أخرى تفتقد للاحترافية سواء كنت خدمية أو ترفيهية. 

وبوجود أداء ومحتوى رديء، لم يكن غياب التقييم هو أسوأ ما في الأمر، فالتعاطي مع جزء كبير من هذه الوسائل بصفتها "ثورية" غطّى العفن المؤسساتي والمهني لديها، وانعكس في نواحٍ عديدة، منها مثلاً تعامل المؤسسات مع موظفيها والذي يُفترض أن يرقى إلى مستوى الشعارات التحرريّة التي حملتها، لا أن يبلغ مرحلة "أسديّة - مخلوفيّة" كما حصل مع موظفي راديو روزانا في إضرابهم عام 2017.

ومن ناحية ثانية كان للبُعد الثوري لهذه الوسائل أثر تخريبي آخر، إذ أنها ولسنوات بقيت تَنعَم بفكرة اعتبارها نماذج ناشئة تعيش "ظروفاً صعبة"، وبالتالي فإن فقدانها لـ"الأهلية" والكفاءة الصحافية كان أمراً مبرّراً سلفاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها